العراقي الذكي والعراقي الغبي: أيهما أنت عزيزي المواطن؟


سلام عبود
2017 / 8 / 12 - 15:19     

العراقيون نوعان: نوع ذكي ونوع غبي. حينما تقرأ هذا المقال ستعرف فورا الى أي الفريقين تنتسب. هذا اختبار عملي مؤكد النتيجة، ومضمون العاقبة. وإذا خشيت من عواقب اكتشاف نفسك، ومعرفة نتيجتك في الاختبار، فما عليك سوى تجنب الاستمرار في القراءة.
بتاريخ 19 تموز حلّ على العراق فجأة، ومن دون مقدمات، رئيس الأركان الأردني، الفريق الركن محمود فريحات. مكث في العراق ساعات، عقد فيها اتفاقا حول معبر طريبيل. وضع إمضاءه على الاتفاقية، ثم مضى الى بلاده الشقيقة.
بعد مضي أقل من 24 ساعة، حلّ ببغداد رئيس الأركان السعودي، الفريق الأول الركن عبد الرحمن بن صالح، في سابقة لم يعرف العراق لها مثيلا. إجتمع بالقادة العسكريين العراقيين. عقد معاهدة حول معبر عرعر، "مضى" ثم مضى.
السؤال الذي دار في ذهني: هل كان حضور الرجلين مصادفة؟ من رتـّب هذه المصادفة العجيبة؟ هل تراهم يتحدثون عن عرعر أم البسفور والدردنيل؟ ربما قناة بنما، أو رأس الرجاء الصالح، أو باب المندب؟ عرعر وطريبيل! ياللهول! ربما تكون الحكومات الثلاث قد حلمت يوم أمس حلما عرعريا مطربلا مشتركا، وقررت أن يجتمع رؤساء أركان الجيوش الثلاثة لغرض تفسيره؟ ولكن، لماذا الآن، وبهذه العجالة؟ والأهم لماذا رؤساء الأركان حصريا، وليس علماء التنجيم والفلك؟
هذه الأسئلة خطرت ببالي، وتفاعلت بقوة في رأسي لأسباب عديدة، منها أن الزيارات جاءت فورا بعد تحرير الموصل، وثانيا بعد قيام قوات أميركية بالتواجد في قاعدة التنف على حدود البادية العراقية السورية، وبعد تقدم القوات السورية باتجاه الحدود العراقية، وبعد التقاء قوات الحشد الشعبي العراقية طليعة القوات السورية على الحدود المشتركة.
فكـّرت في أمرين: لماذا رؤساء الأركان؟ ولماذا الآن، بهذه الصورة المباغتة؟
فكـّرت في أن أكتب أفكاري على هيئة تساؤلات أو مخاوف أو هواجس. لكنني عدلت عن ذلك، وفضلت التريث حتى ينبري عراقي أو أجنبي ، فأجد في رأيه منفذا يعينني على التفكير.
انتظرت أسبوعا ولم يظهر أحد، أسبوعين، ثلاثة، لا أحد.
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الموضوع الغريب العجيب؟ ربما. ولكن حتى أتفه الموضوعات وأسخفها تجد لها مكانا هذه الأيام في عقول الناس وفي تغريداتهم.
لم يظهر مغرد أو ناعق.
اختفى الأشرار والأخيار، اختفى العباقرة والأغبياء، اختفى العقلاء والحمقى، اختفى الغاضبون والهادئون. أين ذهبوا؟
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الموضوع الغريب العجيب؟
رئيسا أركان! في أربع وعشرين ساعة! من أجل مخفرين حدوديين! رئيسا أركان يوقعان ويذهبان من دون إحم ولا دستور، يوقعان معاهدة تذكـّر بخيمة صفوان، الملزمة دوليا لكل الحكومات العراقية، من صدام حتى يوم القيامة.
إذن الموضوع تافه وسخيف. معبران مهملان. لا أكثر من عرعر، ولا أقل من طريبيل!
ولكن، هل يحتاج فتحهما رؤساء أركان ومعاهدات دولية؟
هذا السؤال ظل عالقا في تفكيري. ظللت أنتظر منجدا، ممن يملأون الصحف والمواقع بكل شاردة وواردة. ولكن، ليس هناك من مجيب. مات الكتاب والكتبة، ماتت حروف الشعراء والقصاصين والبصاصين والرصاصين. ماتت الحروف كلها.
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الموضوع؟
فجأة، كما جاء رئيسا الأركان، ومن غير توقع، وأنا استمع الى خبرمأساوي شديد الطرافة(!) يتحدث عن جنازة في منطقة بغرب الأنبار تعرضت الى لغم أرضي، وقيل هجوم داعشي، أدى الى إضافة جنازات جديدة الى جوار الجنازة التي سار الناس بها الى المقبرة. كان المنظر مؤلما وغريبا: موتى يضافون الى موتى في لحظة تشييع، في مقبرة!
كنت مفجوعا بشذوذ المشهد. لكن أحد الباكين في المقبرة أيقظني من فجيعتي. قال الرجل الباكي كلاما أكثر غرابة من حادثة المقبرة ، بل حتى أكثر غرابة من زيارة رؤساء أركان الدول الشقيقة. مسح الرجل دموعه بدشداشته وقال: كم إثبات تريدون حتى تصدقوا ما قلناه وما كررنا قوله، لا حل لهذا الواقع المأساوي سوى الحل الذي قلناه. لم يسأله الصحفي الذي سجل المشهد عن الحل. لا أعرف لماذا. لكن الرجل تطوع بنفسه وقرر أن يجيب على سؤاله، موضحا الحل: يا ناس جيبوا الشركة الخاصة، التي تحمي أعراضنا وممتلكاتنا وطرقنا! جيبوها وخلصونا من هذه البلوى. طبعا قالها بالعامية العراقية.
انتهى المشهد التلفزيوني.
عن أية شركة يتحدث الرجل الباكي؟
لا أعرف.
لكني تذكرت أنني سمعت حديثا خافتا مرة، وآخر صائتا مرة أخرى، يدور حول شركة ما. وسمعت أكثر عن مساومات بين رؤساء كتل، تتعلق "بتلزيم" خطوط المواصلات المؤدية الى المنافذ الحدودية الى شركات أجنبية، أميركية طبعا، تستخدم جيوشا من المرتزقة الدوليين، جلّهم قاتل في العراق ( أي يملك تجربة خصبة في قتل العراقيين)، بملايين الدولارات يوميا ( انتبه: يوميا وليس شهريا!). بعض القادة الجدد والقدامي من سكان المنطقة الغربية وجدوا في هذه الشركة سبع فوائد: الاستقواء، الارتزاق، تمرير الصفقات، تأمين خطوط الذهاب والإياب، التعاون العسكري، وسابعا العمالة المجانية. أما مرتزقة المنطقة الخضراء، فقد وجدوا فيها ثماني فوائد.
هل جاء رؤساء الأركان لهذا السبب؟
ربما! من يدري!
الآن انتهيت من كتابة مقالي، ولم أسمع رأيا من عراقي شريف أو غير شريف، من عراقي أهبل أو عبقري، من عراقي خير أو شرير، من عراقي طويل أو قصير، من عراقي مؤمن أو كافر.
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الموضوع الغريب العجيب؟
أأصبحنا يمانيين! نموت ولا من يغرد، نسحق بطائرات العدوان الوهابي وحلفائه ولا من يتفوه أو يتأوه! نعم بتنا يمانيين، تفرقنا مثلهم إيدي سبأ!
"لا يا زلمة!"
بهذه الفصاحة نطقها. جاء الجواب من بعيد. جواب أغرب من زيارة رؤساء أركان الدول الصديقة والشقيقة، أغرب من توقيع معاهدات فتح معبري طريبيل وعرعر. جاء الجواب من أحد أوسخ عملاء الأميركان في الشرق الأوسط الجديد والقديم، الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، الذي ظهر اليوم بعد غياب طويل. ظهر غاضبا، يتطاير الزبد من فمه، والشرر من عينيه، وهو يصرخ: إنها ماساة مروعة، إنها مأساة أن تقبل أفغانستان باستبدال الجيش الأميركي بشركات الحماية الخاصة. لن نقبل بخصخصة طرق المواصلات ومراكز الحدود. إنه استعمار بشع، استعمار على يد مرتزقة قتلة، لا يدفعون حتى ديّات القلى.
خطبة كرزاي الوطنية الحزينة ذكرتني بخطبة مماثلة ألقاها رئيس الأركان الأردني، الذي مضى ومضى. في 30 كانون الأول 2016 قال لوكالة (بي بي سي) ما نصه: "لن نسمح لايران بإقامة حزام بري يربط طهران بلبنان". وإن "جيش العشائر"، الذي نقوم بتدريبه لن يقاتل ضد الحكومة، بل ستكون له مهام أخرى تتعلق بضبط الحدود. يعني حماية خط المواصلات من الحدود الايرانية حتى البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
بعد كلمات كرزاي وتهديد رئيس الأركان لم يعد لأحد كلام. لا أنا ولا غيري. لأن كرزاي كما قلت أوسخ عملاء أميركا، ورئيس الأركان هو رئيس أركان المملكة الأردنية المتحدة.
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الموضوع الغريب العجيب؟
أإلى هذا الحد مهمل وتافه، حتى أنه لم يحظ باعتراض كرزاي عراقي واحد، كرزاي عراقي وسخ أو نظيف، شريف أو غير شريف، مناضل أو رعديد، ذكي أو غبي!
أإلى هذا الحد مهمل وتافه هذا الوطن من شرقه الى غربه، ومن شماله الى جنوبه؟
الآن، الآن فقط، وأنا أضع آخر النقاط على آخر الحروف، توصلت فجأة الى الحقيقة الكاملة: نحن معشر العراقيين، كلنا، من دون استثناء، وأنا أولهم، أذكياء بالفطرة. لهذا السبب تركنا العميل الغبي كرزاي يفكر، ويتأمل، ويحلل، ثم يغضب، وبعد ذلك يصرخ بانفعال جنوني، بينما كنا ننتظر، بهدوء وحكمة العقلاء، انتهاء تخريفاته. وحالما أنهى كلامه التافه شرعنا بالضحك عليه وعلى سخافاته. ياله من غبي!
لعنة الله على الغباء!
الغباء السياسي طبعا.
## ## ##
أخبرني أحد "المهوسجية"، وهو كاذب كبير ومشهور. قال لي إن أبناء الرافدين قرروا تغيير هوستهم المشهورة: إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه.
قال والعهدة عليه، إن العراقيين قرروا، لمناسبة وصول الشركات الأمنية الخاصة بحماية العراق، وريثة " بلاك ووتر"، حبيبة قلب الشاعر أحمد عبد الحسين وشركائه المعممين (نسبة الى أغنية عمي يا بياع الورد، كلي الورد بيش، كلي!)، والعلمانيين (نسبة الى علم الدين حكمتيار)، والبرزانيين (نسبة الى حي برزة)، قرروا أن يرفعوا شعارا جديدا بهذه المناسبة السعيدة، هذا نصه:
إخوان شيعة وسنّه
هذا الوطن مو إلنه