فتاة صغيرة تحلم بالجنة والنار، فما دخل القرآن في ذلك؟


مجيد البلوشي
2017 / 8 / 9 - 19:49     

فتاة صغيرة تحلم بالجنة والنار، فما دخل القرآن في ذلك؟


بقلم: الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]

قُلنا عدّة مرات – وما زلنا نقول - يا أيها الناس، ويا إخواننا الإسلاميون، لا تقحموا الدِين في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، في محاولة يائسة لإثبات أن الدين الإسلامي هو دين الحق. فهذا الإقحام القسري ليس في صالح هذا الدين ألبتّة، وخاصةً فيما يتعلق بمعطيات العلم، وهي معطيات "إنسانية" أي أن الإنسان توصّل إليها بعقله الجبار عن طريق البحث والتجربة، وهي قابلة للتغيير والتطوير والتحديث، بينما المعطيات الدينية – وبالأخصّ معطيات الدين الإسلامي – هي معطيات أزليّة وأبديّة لا يمكن تغييرها أو تطويرها أو تحديثها أبدًا، ذلكم لأنها تُعتبر كلام الله، خالق هذا الكون العظيم. ولتوضيح هذا الإقحام ننقل هنا ما كتبته جريدتنا الغرّاء "أخبار الخليج" في الصفحة الأخيرة من عددها الصادر يوم السبت الموافق 23 يوليو 2017 م بعنوان " طفلة سويسرية تقول إنها شاهدت نهاية العالم وتصف أمورًا مذكورة في القُرآن" ! لا حظوا جيدًا العبارة الأخيرة "أمورًا مذكورة في القرآن". ما هي هذه الأمور؟ لا وجود في نصّ الخبر ألبتة.

وليسمح لنا القُرّاء الأعزّاء أن ننقل حرفيًا ما كتبته جريدتنا في هذا الصدد في نصّ الخبر بعد العنوان المذكور، مع ملاحظة أن العبارات الواردة في قوسين هكذا [...] هي من عندنا:
"انتشر على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب" مقطع فيديو لفتاة سويسرية صغيرة تقول إنها شاهدت نهاية العالم عندما صعدت إلى السماء مع الملاك [أيّ ملاك؟]، إلا أنه لم يتسنّ لأحد التحقق من صحته. وقالت الفتاة التي لم يأت الفيديو على ذكر اسمها، لأن الفيديو على ما يبدو مصورًا بكاميرا عن شاشة تلفزيون، " كانت الأرض تحترق، وأزيحت السحب، والنجوم تسقط والسماء طويت، وعمّ الظلام". وعند سؤالها كيف أزيحت السماء، قالت: كأنها صحيفة وقام شخص بطيّها ولفّها جيدًا، وكان هناك كثير من الناس، وبعضهم مربوط مع آخرين في السماء .. وكان الناس ينظرون إلى السماء ويدخلون في حفرة كبيرة. وتابعت الفتاة: كنت أريد أن أعرف ما هو موجود في تلك الحفرة، وعندما ألقيت نظرة سمعت صراخ الكثيرين، وكان هناك ناس يتقيّؤون ويأكلون قُياءهم [هل أمر التقيّؤ مذكور في القرآن؟] . وعند سؤالها فيما لو كانت هناك وحدها، أجابت الصغيرة: لا، كنت مع الملاك الذي أمسكني جيدًا من يدي كي لا أسقط، كما رأيت أحجارًا تتساقط، ورأيت ناسًا تلعن الشياطين، وبعضهم ملتصق في الحائط والحائط به نار مشتعلة [من أين جاء هذا الحائط؟ وهل هو مذكور في القرآن؟]. وقالت: كنا نمضي بسرعة قوية إلى السماء [السماء قد طُويت كأنها صحيفة، فكيف يتمّ المضي إليها؟]، وكنت دائمًا أرفع رأسي، والحفرة كانت في الأسفل وبعيدة عن الجنة التي رأيتها أيضًا" (انتهى الخبر)

فهل ما ذكرته فتاتنا السويسرية الصغيرة هو فعلا من الأمور المذكورة في القرآن؟ وما هي الآيات التي جاء فيها ذكر كل هذه الأمور أو بعضها أو شيئ منها؟ اللهُم إلاّ أمر "الحفرة الكبيرة" التي تذكّرنا بـ"الهاوية" المذكورة في الآية رقم 9 من سورة "القارعة". وهذا الأمر – مجازً - هو أمر واحد فقط، بينما عنوان الخبر يقول "أمورًا" ، أي عدة أمورٍ، فما هي؟ ولكن، ألا يمكن أن يكون كل ما ذكرته الفتاة هو مجرّد أضغاث أحلام ليس إلّا؟ فمن المعروف علميًا أن الأحلام تُنتج – شأنها شأن جميع العمليات العقلية – عن الدماغ الإنساني ونشاطه، والذي يعطي موجات كهربائية بصورة مستمرة، وهي الموجات التي يقيسها العلماء بجهاز "مخطاط كهربائية الدماغ". ومن المعروف علميًا أيضًا أن الأحلام تشتمل على آخر الأحداث والانفعالات التي مرّت على الحالم أو الحالمة. وما أكثر هذه الأحداث والانفعالات الناجمة عنها في عصرنا هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين، فيتمّ خلطها، والتداخل فيما بينها، و"تزويرها" من قِبل أدمغتنا ونحن نائمون! وما أعظم أدمغتنا البشرية الخلّاقة واقعيًا وخياليًا!

فهاكم، على سبيل المثال، قصص الأطفال وأفلام الرعب وفيديوهات المخلوقات الخيالية والغريبة، بل وألعاب الأطفال بأشكالها المختلفة والتي تمثّل هذه المخلوقات، هي كلها منتشرة انتشارًا واسعًا مما يتأثر به الفتيان والفتيات بمختلف أعمارهم، وينفعلون بها، وقد يحلم بعضهم بها، كما حدث مع فتاتنا السويسرية الصغيرة. وهذا أمر طبيعي، لا خلاف عليه، وإنما الأمر غير الطبيعي والخلاف عليه، هو أن يتمّ إقحام الدين إقحامًا قسريًّا كما فعل محرّر الصفحة الأخيرة من جريدة "أخبار الخليج" المذكورة آنفًا، حيث نجد أن عنوان الخبر لا يتفق مع نصّ الخبر، تمامًا كما يفعل بعض كُتاب الأعمدة الدينية في نفس الجريدة، حيث يكتب أحدهم مقالاً عنوانه "قراءة إيمانية اجتماعية في السورة ...."، و"قراءة إيمانية افتصادية في السورة ...."، و"قراءة إيمانية علمية في السورة ...."، وهكذا. وعندما تقرأ المقال تجد أن عنوان المقال في واد ونصّ المقال في وادٍ آخر، تمامًا كما يحدث مع المسألة الحالية التي نحن في صددها.


29 يوليو 2017 م

* * *