افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (6/الإشتراكية المحققة)


موسى راكان موسى
2017 / 8 / 6 - 20:25     



ماركس ، بعد مئة سنة (182ـ183) :


ما يبقى إذن هو (( الإشتراكية المحققة )) ،إن الوسيلة التي كانت بيدها لترجمة وعد (( التحرير الشامل )) إلى فعل ، كانت بالإجمال فريدة . لقد فسّر ماركس (( الإستغلال )) و (( الإستلاب )) و بصورة حصرية إنطلاقا من الملكية الخاصة . و التحرير الشامل للإنسان و لعمله لم يكن بالإمكان أن يأتي إذن إلا من إلغاء هذه الملكية و من مشركة وسائل الإنتاج .


غير أن تناقضا محتوما قد عشش رغم كل شيء في بساطة العقيدة . و قد جاء في كتاب أنتي دوهرنغ (( بأن البروليتاريا تستولي على سلطة الدولة و تقوم قبل أي شيء آخر بتحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية دولة و لكن و بما أنها تقوم بإلغاء نفسها كبروليتاريا ، فإنها تلغي في الآن نفسه كل إختلاف طبقي و كل تناقض طبقي و تلغي أيضا الدولة بما هي دولة )) ، و التناقض يكمن بالضبط هنا . ذلك أنه ينبغي إلغاء الدولة بالتحديد في الوقت الذي تكون فيه بأخذها تحت رقابتها و سلطتها كل الإقتصاد ، تمد إختصاصها إلى اللا نهاية ، و أيضا : إن الدولة تلغي الملكية الخاصة و تستولي على كل وسائل الإنتاج و ذلك لإلغاء (( فوضى )) السوق و الإنتاج الرأسمالي . و لكن و بالضبط في اللحظة التي تقوم فيها الدولة بمركزة كل وسائل الإنتاج لكي تضبط إستخدامها وفق (( خطة )) ، فإنه يكون عليها أن تختفي ، أن تزول ، و هذا يساوي القول بأن (( فوضى )) المجتمع الشيوعي (بما هو مجتمع قد ألغى الدولة) تستحضر هنا على أنها الوسيلة التي عليها إلغاء (( فوضى )) الرأسمالية .


و نحن نعلم بأن ستالين قد سخر من شطط العقيدة هذا و لم يحقق إلا ما كان بحد ذاته قابلا للتطبيق : تأميم الدولة لكل وسائل الإنتاج . و عند هذه المرحلة كان واضحا مع ذلك بأنه في مقابل (( الإحتكار الإقتصادي )) الذي تمارسه الدولة لا يمكن أن يكون هناك غير (( الإحتكار السياسي )) للسلطة ، أي الدكتاتورية الكليانية للحزب الأوحد . و بعبارات أخرى فإنه و في لحظة الإتصال بالواقع ، و فيما كانت المضامين (( التنبؤية )) للماركسية تتبخر في الهواء ، كانت التوقعات الأكثر (( رزانة )) لفيبر و باريتو و شومبيتر حول دَيْوَنة المجتمع و حول ظهور كليانية حديثة ، هي التي تتحقق و تتجسد في الواقع .


و بالمقابل فإن ما ظل واقفا على قدميه من الماركسية (في (( الإشتراكية المطبقة المحققة )) ) كان عناصر أو سمات أخرى كانت في التأليف الأصلي إما مختبئة و إما أقل ظهورا . و على سبيل المثال : إدعاء إمتلاك معرفة نهائية و حقيقة مطلقة ، أي الإقتناع بإمتلاك معرفة عليا و حصرية ، معرفة (( غاية )) التاريخ ، و الهدف الذي يسير بإتجاهه ، مفهوم (( الدكتاتورية )) ، أي ذوبان الأخلاق في السياسة ، مع ما يتبع ذلك من إعطاء شرعية لإستخدام لا محدود (( للسياسة الواقعية )) Realpolitik . و أخيرا تحويل البعد التاريخي إلى قيمة مطلقة أي تحويل (( ما يحدث في الزمن )) إلى قوة عليا للفلسفة و للروح . و هذا لا يعني كما قد يُظن غالبا إعترافا و قبولا بـ(( حب العالم )) و إنما على العكس من ذلك (( تأليها )) للبشري ، حتى في مظاهره العارضة الطارئة ، و من هنا على سبيل المثال تحنيط الزعماء ، و تحويل الحياة العامة إلى طقوس و شعائر إلى درجة تغليف المجتمع بكامله في قوالب (( معادل علماني )) للاهوت يكون أصيلا .