الإضراب عن الطعام في سجون المغرب(1)


عبد المجيد السخيري
2017 / 8 / 6 - 03:30     

تذكير

لن يكون نبيل الأبلق، المعتقل بسجن عكاشة بالدار البيضاء، آخر سجين رأي يلجأ إلى الإضراب عن الطعام (38 يوما) كوسيلة احتجاجية على ظروف اعتقاله المزرية والتهم الملفقة التي يتابع بسببها، وذلك منذ الزج به في السجن المذكور رفقة عدد من السجناء الآخرين من قادة ونشطاء الحراك الشعبي الذي تشهده مدينة الحسيمة، شمال المغرب، منذ أزيد من تسعة أشهر على إثر الحادث التراجيدي لطحن السماك محسن فكري في حاوية للأزبال، والذي كان قد أشعل فتيل أكبر وأوسع حركة احتجاجية سلمية يشهدها المغرب منذ عقود. وكان نبيل الأبلق قد دخل في الإضراب منذ الأيام الأولى لاعتقاله ورفض تعليقه في البداية، رغم مناشدات عائلته وهيئة الدفاع ووسطاء آخرين حفاظا على حياته، خاصة بعد أن أوقف معتقلون آخرون إضرابا مماثلا كانوا قد أعلنوا عزمهم على المضي فيه إلى النهاية بشكل متأخر، بعد توسط هيئة حقوقية رسمية قدم لهم وعودا مطمئنة بشأن تسوية وضعيتهم قبل نهاية الشهر الماضي، والتي يبدو أنها لم تجد طريقها للتنفيذ في الموعد المفترض إذا ما كان القصد إصدار الملك لعفو بمناسبة رسمية، وهو ما حدث بالنسبة لمجموعة محدودة من المعتقلين من سجون الحسيمة والناظور والدرويش، بينما اُستثني منها أغلب معتقلي الحراك. وقبل وقف إضرابه قبل يومين، كان نبيل الأبلق قد دخل مرحلة الخطر ببلوغه اليوم الثامن والثلاثين، فيما أُطلقت صرخات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الضغط على النظام للاستجابة لمطالب المعتقل المضرب لمنع وقوع الكارثة.
وفي اليوم الذي ذاع فيه خبر وقف الأبلق لإضرابه، نعت عائلة الغازي خلادة ابنها شهيدا بعد أن توفي بالمستشفى الجهوي لمدينة بني ملال جنوب المغرب إثر إضراب عن الطعام دام تسعين يوما عانى خلالها، حسب بيان العائلة، من التعذيب النفسي والإهمال من قبل الجهات المسؤولة من إدارة السجون والنيابة العامة وغيرها، علاوة على التعتيم الاعلامي. وكان شهيد "الحكرة" قد اعتقل على خلفية "ملف مفبرك بتهم واهية وظالمة، خدمة لمصلحة أحد الأعيان ذوي النفوذ الذي ترامى على ممر طرقي بدوار آيت شيكر دائرة واويزغت إقليم أزيلال تستعمله العائلة للوصول إلى منزلها منذ سبعينيات القرن الماضي قبل الظهور الطارئ لهذا الملاك المحمي من السلطة"، بتعبير بيان العائلة، وهو ما دفع "الشهيد قيد حياته(من مواليد 1982 متزوج وأب لطفلة)، يضيف البيان، ومعه أفراد العائلة لخوض اعتصام مفتوح بعين المكان لسبعة شهور تخللته إضرابات طعامية، دام أحد هذه الاضرابات 21 يوما ليُنقل على استعجال إلى المركز الصحي لواويزغت لتلقي الاسعافات"، يضيغ البيان، بينما لم تفلح الشكايات الموجهة إلى المسؤولين محليا ووطنيا في وضع حد لمعاناة عائلة الشهيد وإنصافها، والأسوء أن السطات عمدت إلى اعتقال الشهيد الغازي قيد حياته عندما شرع في الاضراب الثاني عن الطعام بأمر من وكيل الملك بابتدائية أزيلال لمدة أسبوع بدون أية تهمة، ثم اعتقاله مرة أخرى يوم 25/04/2017 بأزيلال ليحال في نفس اليوم على السجن المحلي لبني ملال، وهو ما أجبره على الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام. وإمعانا في التنكيل بالعائلة، ولأجل النيل من صمودها، قامت باعتقال إبنها الآخر حسن خلادة "لدى حضوره إلى محكمة الاستئناف ببني ملال قصد تقديم شكاية في الموضوع إلى وكيل الملك بتاريخ 19/05/2017، ليتم الحكم عليه بسنة سجنا نافذة بتاريخ01/08/2017، وهو الآخر يعتزم الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام". وتجدر الإشارة إلى أن العائلة رفضت تسلم جثمان ابنها المتوفى ووجهت بيانا إلى الرأي العام تنعي استشهاده وتحمل المسؤولية للسطلة الحاكمة فيما تعرض له ابنها الشهيد، وتؤكد عزمها على مواصلة معركته وكشف ملابسات ما حدث وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاء مطالبة في الوقت نفسه الأحرار بالتضامن معها في محنتها.

لمحة عن الإضراب عن الطعام

يعتبر الإضراب عن الطعام من أهم وسائل النضال السلمي التي يلجأ إليها المعتقلون بشكل خاص، كما يمكن أن يلجأ إليه أي شخص آخر في أوضاع مختلفة، للتعبير عن احتجاجهم على الحرمان من الحقوق والضغط من أجل انتزاع مكاسب معينة تندرج ضمن حماية انسانية المعتقل وتحسين ظروف الاعتقال والحياة داخل السجن والتمتع بالحدود الدنيا من الشروط والحقوق التي تسمح له بمواصلة حياته الطبيعية والاتصال بالعالم الخارجي ومحيطه الاجتماعي، فضلا عن الاستمرار في المقاومة حين يتعلق الأمر بالمعتقل السياسي، مثل الحق في التطبيب والدراسة والفسحة والزيارة والإعلام وغيرها.

كيف يكون الإضراب عن الطعام؟

في الأغلب الأعم يكون الاضراب عن الطعام الامتناع عن تناول الطعام بأنواعه المختلفة والاكتفاء بشرب السوائل وتناول السكر، وهو الشائع اليوم بين جل المضربين عن الطعام في العالم، خاصة المعتقلين لأسباب سياسية. وهذا الاختيار يسمح للمضرب بالبقاء على قيد الحياة لمدة معينة تسمح له بإيصال رسالته إلى المعنيين بالأمر والضغط عليهم وكسب تعاطف الرأي العام وتحريك الضمائر الحية. وفي حالات معينة تلجأ السلطات والأجهزة المعنية بشكل مباشر بالإضراب عن الطعام إلى التغذية القسرية للمضرب لتكسير معركته.

أنواع الاضراب عن الطعام

هناك شكلين أساسيين للإضراب عن الطعام: إضراب محدود ويكون بالامتناع عن تناول الطعام لفترة محدودة يحددها المضرب أو المضربون بحسب الظروف ونوع المطالب، ويمكن أن يتجدد اللجوء إليه كلما دعت الضرورة إلى ذلك، أو شعر المضرب أو المطالب بحق بأن إضرابا سابقا لم يؤت أكله أو تم التراجع على وعود أو حقوق تم اكتسابها؛ ثم إضراب غير محدود أو مفتوح يمتنع فيه المضرب عن تناول الطعام لفترة غير محددة ومفتوحة لا تنتهي إلا بتحقيق المطالب أو الاستشهاد، أو في حالات معينة بتدخل أطراف أو وسطاء لأجل تهيئ مناخ للتفاوض والحوار بين المضرب والجهة التي يوجه إليها تهديده أو مطالبه والتوصل إلى حلول وسطى.

تاريخ الإضراب عن الطعام

لا يمكن تحديد تاريخ محدد لاستخدام هذا النوع من الإضراب في العالم، بيد أنه اشتهر في بعض البلدان، مثل إيرلندا منذ وقت طويل وارتبط بالخصوص، كما جاء في بعض المصادر التاريخية، بعادات محلية كإحراج الجاني أمام المجتمع بقصد استرداد دين أو حق عليه، من خلال الإضراب عن الطعام أمام منزله ما يعتبر عارا بالنسبة لهذا الأخير في حال سمح للمضرب بالموت أمام منزله. وقد استثمر السجناء السياسيون في القرن الماضي هذا الإرث وحولوه إلى سلاح سياسي فعال أدى إلى تحقيق مكاسب مهمة بالنسبة للجمهوريين الإيرلنديين في مواجهة التاج البريطاني، خاصة في المعارك الشهيرة التي خاضها سجناء الجيش الجمهوري الإيرلندي السري في الثمانينيات من القرن الماضي وتوفي على إثرها عدد منهم، وقد ذاع صيتها في العالم مما أجبر الحكومة البريطانية بالرضوخ لمطالبهم.
كما شاع اللجوء إلى هذه الأسلوب للضغط في الهند منذ القرن التاسع عشر في سياق استعماري، فيما تذهب بعض المصادر إلى أنها عٌرف في هذا البلد قرونا قبل الميلاد، كما اشتهر باستخدامه الزعيم المهاتما غاندي كوسيلة سلمية لمقاومة المستعمر البريطاني لبلاده في القرن الماضي. وهنا بالتحديد أضحى هذا الأسلوب نوعا من الاحتجاج السياسي بعد أن لجأ إليه رفاق "غاندي" من المقاومة السياسية السلمية وتمكنهم بفضله من انتزاع مكاسب مهمة رغم أن التضحيات في هذا الباب كانت جسيمة حيث توفي عدد منهم بسبب الإضراب. ولا يسعنا التفصيل في هذا المقام في عدد من الأحداث التي ارتبطت بتاريخ الإضراب الطعامية، وحسبنا الإشارة السريعة إلى انتشار هذا الأسلوب من الضغط والنضال السلمي في أغلب البلدان التي شهدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في الغرب والشرق بصرف النظر عن التوجهات الإيديولوجية للأنظمة أو طبيعتها السياسية. فكما شهدت سجون تركيا في ظل الحكم العسكري أشهر المعارك البطولية لمعتقلي اليسار الثوري، عرفت أيضا كوبا محطات لا تقل أهمية من هذا النوع من الإضرابات التي تسببت في تشويه صورة النظام خارجيا، وبصرف النظر كذلك عن هوية المضربين السياسية. ومن التاريخ المعاصر تظل إضرابات الأسرى والسجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال من أقوى الحركات الإضرابية إشعاعا في العالم وأكثرها استمرارية وتنوعا وإبداعا، بسبب طبيعة الصراع ووحشية الاحتلال والظروف القاسية التي تفرض على المعتقلين. ومن أبرز محطاتها الإضراب الكبير الذي خاضه 1800 أسير وشهد تحطيم رقم قياسي في مدة الإضراب والذي حققه الأسير سامر العيساوي بتجاوزه لتسعة أشهر من الاضراب عن الطعام قبل أن يطلق سراحه في إطار صفقة تبادل للأسرى.

هل يجوز إخضاع المضرب للتغذية الإجبارية حماية لحياته؟

في العديد من التجارب التي يحفل بها التاريخ المعاصر للإضرابات عن الطعام لجأت السلطات وإدارات السجون إلى كسر معركة المضربين باستعمال شتى الطرق، ومنها إرغامهم على تناول الطعام ووقف الإَضراب تحت التهديد، وحين تفشل تلجأ إلى الإطعام القسري مستغلة ظروف المضرب الصحية وتدهور قواه وعجزه عن المقاومة. وقد يعتقد البعض أنها بذلك تقوم بعمل انساني لإنقاذ حياته بالسماح للأطباء بالتدخل لمعالجة الوضع، بينما يعتبر ذلك من وجهة القانون الدولي انتهاكا لحق الإنسان المضرب. فالإطعام القسري والعلاج الطبي ضدا على إرادة المضرب ينطوي على معاملة قاسية ومؤلمة نتيجة لاستخدام طريق القوة والإكراه ببعديه الجسدي والنفسي ما يخلف أثارا صحية بالغة الخطورة بالنسبة للمضرب. وفي هذا الإطار يندرج "إعلان مالطا" الذي أقرته الرابطة الطبية العالمية، ويجرد كل الأفعال غير الإرادية أو القرارات التي يجري اتخاذها بشأن المضرب عن الطعام تحت التهديد من أي قيمة أخلاقية، بحيث لا يجوز أرغام المضربين عن الطعام بتلقي علاجات يرفضونها، كما يفرض الإعلان على الأطباء حماية المضربين عن الطعام من أي إرغام أو إجبار على تناول طعام أو تلقي علاج تحت طائل التهديد بوصف ذلك شكلا من أشكال المعاملة المذلة.
يتبع