معاقبة موسكو أم ترامب؟


حسن مدن
2017 / 8 / 5 - 14:20     

العقوبات القاسية التي أقرّها الكونجرس الأمريكي ضد روسيا، هي في جانب رئيسي منها عقاب للرئيس دونالد ترامب شخصياً، المحاط بشبهة «تواطؤ» موسكو معه في حملة الانتخابات الرئاسية، التي أسفرت عن فوزه على غريمته هيلاري كلينتون، والعقوبات، إلى ذلك، شكلت ضربة لمساعي ترامب في تحسين العلاقات مع موسكو، وبلوغ توافقات معها بشأن عدد من الملفات الشائكة، كالملفّين السوري والأوكراني.
ومع أن الكونجرس أدخل النزاع في أوكرانيا كإحدى حيثيات قراراته ضد موسكو، إلاّ أن الثابت هو أن الدافع الرئيسي وراءها، معاقبة روسيا على تدخلها في الانتخابات الأمريكية.
قرار العقوبات قيّد يدي الرئيس فعلياً في التصرف بملف العلاقات مع روسيا منفرداً، ربما بسبب فقدان الثقة في نواياه تجاه هذا الموضوع؛ لذلك اختار ترامب تجرع الكأس المرة، وصادق على قرارات الكونجرس، التي وصفها، بعد التوقيع عليها، بأنها معيبة، مبرراً قبوله لها على مضض بأنه «للحفاظ على وحدة الأمة»، وتحاشي المواجهة مع الكونجرس، ربما لأنه ومستشاريه أدركوا أنه سيكون الخاسر فيها إن قرر المضي فيها حتى النهاية، فآثر إحناء الرأس لعاصفة الغضب على روسيا والتي اتفق فيها النواب الجمهوريون والديمقراطيون؛ حيث أقرت العقوبات بشبه إجماع في الكونجرس؛ إذ حصلت على 98 صوتاً مقابل صوتين في مجلس الشيوخ بعد إقرارها في مجلس النواب ب419 صوتاً مقابل ثلاثة.
عاصفة الغضب هذه على موسكو وعلى بوتين شخصياً، لم تجعل الكونجرس يتردد في إهانة ترامب شخصياً، وكسر ما أظهره من تعالٍ وغطرسة في التعامل مع معارضيه في مفاصل الدولة والكونجرس؛ إذ نصَّ القرار على آلية غير مسبوقة، تمنح البرلمانيين الحق في التدخل إذا ما قرر ترامب تعليق العقوبات المفروضة على روسيا.
كما أن عاصفة الغضب هذه جعلت الكونجرس يتجاهل، وهو يقر العقوبات ضد موسكو، حتى مصالح الحلفاء الأوروبيين لواشنطن؛ حيث كان الاتحاد الأوروبي حذّر واشنطن من انعكاس العقوبات على شركات الطاقة الأوروبية وتهديد تموين أوروبا بالطاقة وتثير المزيد من الانقسامات في الغرب؛ حيث يرى الأوروبيون أن هذا الإجراء الأحادي يشكل ضربة لوحدة الصف التي تلزمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيال روسيا منذ ضمها القرم عام 2014.
لم يكن بوسع موسكو إنكار قسوة قرارات الكونجرس عليها، لكن بوتين كعادته حاول أن يظهر رباطة الجأش، مؤكداً، هو ووزير خارجيته لافروف، أن موسكو لن تتراجع عن ثوابت سياستها الخارجية ولن ترضخ للضغوط، ووصف بوتين القرارات بالوقحة، وربما فاجأ واشنطن بقراره إبعاد نحو ستمائة دبلوماسي أمريكي من روسيا ليتساوى عدد الدبلوماسيين الأمريكان مع عدد نظرائهم الروس في الولايات المتحدة.

المصدر: الخليج الإماراتية