افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (4/أورشليم الماركسية)


موسى راكان موسى
2017 / 8 / 3 - 17:16     



ماركس ، بعد مئة سنة (180ـ181) :


و بنهاية كل ذلك ، فإن الإلحاد نفسه يكتسب معنى خاصا : إنه يفقد معناه العلماني ـ الدهري ـ الزمني ، الأكثر أصالة (و هو اللا مبالاة ، و عدم الإكتراث بإزاء (( الآخرة )) ) و يتحمل على العكس من ذلك بمدلول (( نفي عنيد و مطلق )) ، لا يختلف أبدا عن ذلك الذي يكون عليه (( إيمان ـ دين )) جديد .


من الواضح أنه من الوجهة النظرية فإن إلتقاء هذين المنظورين (العلمي من جهة و الفلسفي أو الآخروي من جهة أخرى) مدمر للغاية : إلا أن ذلك لا يمنع رغم ذلك أنه من وجهة نظر أخرى ، يعطي إندماجهما مزيجا متفجرا ، إن ماركس ينجح في المزاوجة بين فكرتين رئيسيتين حاسمتين : فكرة العلم و فكرة الإفتداء (التكفير عن الإثم) و الخلاص البشري [ في الفكر المسيحي المسيح يفتدي البشر و يُكفر عن ذنوبهم و هو يخلصهم أو يشتري خلاصهم في العالم الآخر ـ المترجم ] الذي سيحصل في العالم الدنيوي و عبر أو بواسطة التاريخ و ليس في العالم الآخر و عبر التسامي ـ التجاوز . إن النقطة الثانية في هذه المرافعة تنبع كما رأينا من فلسفة التاريخ الهيجلية . أما الأولى فهي على العكس تنبع من الإحترام الذي أولته للعلم (( وضعية )) النصف الثاني من القرن الماضي ، و من القيمة المطلقة ، القطيعة النهائية ، التي أعطتها أيضا لإكتشافاته . (في القرن التاسع عشر كانت فكرة أن العلم له سمة (( القابلية للخطئ )) ، أي فكرة المعنى ـ المدلول الإفتراضي و التصادفي لنظرياته ، غائبة إلى حد كبير) .


إن نتيجة هذا الجرح هي ما تشكل الطابع الأكثر أصالة و خصوصية للماركسية : عملية إسقاطها و نزوعها الجوهري نحو (( التحقيق ـ الإنجاز )) ، أي فكرة المعرفة أو (( البرنامج المطلق ـ الشامل )) القائم على (( النقل )) في العالم ، و على (( الترجمة )) في نظام الأشياء . و في كلا المعنيين فإن هذه المرحلة في التحقيق ـ الإنجاز هي جوهرية . من ناحية أولى لأن الأمر يتعلق بالضرورة بتحقق أو بالتجربة الإختبارية للماركسية (( كعلم )) . و من ناحية ثانية (هي حاسمة) لأن الأمر يتعلق (و لنتذكر الموضوعة 11 من موضوعات فورباخ) (( ليس بتفسير العالم و إنما بتغييره )) ، أي بإستثارة و بإستدعاء البشرية المخلصة ـ المفتداة ، (( الإنسان الجديد )) و بمعنى آخر بنقل (( أورشليم السماوية )) ضمن العالم الدنيوي ..