بيان لم يصدر عن الإئتلاف الوطني السوري


عصام الخفاجي
2017 / 8 / 2 - 23:37     

نعترف، تعاملنا معكم كما تعامل الأسد. استخخفنا بذكائكم، بل استخففنا بقدرتكم على التقاط المعلومة. ست سنوات ونصف ونحن نقصفكم ببيانات الظفر. مثل أي سلطة أبوية تخيّلناكم أطفالا نخشى على معنوياتهم من الهبوط إن عرفوا الحقائق ونحن نعرف أنكم تعرفونها قبلنا في أحيان كثيرة. تظاهرنا أن ليس هناك إنترنيت ووسائل تواصل اجتماعي وقنوات فضائية. مثلما لوزارة دفاع الأسد مديرية للتوجيه المعنوي تمارس الكذب، أنشأنا مديرية للصمت. تخيّلنا أن عداءكم لنظام الأسد يكفي لكي تمنحونا ثقتكم.
أصدرنا بيانات وتصريحات وعيوننا على حلفائنا. ناقشنا حروف الجر والفواصل والنقاط في كل جملة لكي لا يسيؤوا فهمنا. لكننا لم نصدر بيانات تصارحكم بما يدور. حددنا شروطا وطرحنا مطالب نعرف أن لم يعد بالإمكان تحقيقها. متمسّكون بألاّ مكان للأسد وحاشيته حتى في المرحلة الإنتقالية فيما تخرج من قادة قوى عظمى تسندنا تصريحات متلعثمة تسلّم ببقائه. لازلنا نكابر واهمين أننا بذلك نحفظ ماء الوجه لكننا صرنا مثار شفقة للبعض ومدعاة لتشفّي وسخرية آخرين.
نخرج من اجتماع ونهيئ لآخر ونطمئنكم بأننا لم نتنازل. اجتماعات جنيف الأربعة الأخيرة كانت لعبا في الوقت الضائع. لم يعد لدينا مانهدد النظام به. نجح الروس في تكريس ما كان يختمر من قبل. في إستانه جرّدوا السياسي من العسكري بضربة معلّم. قالوا للعالم أن المفاوضات العسكرية مكمّل لمفاوضات جنيف حول مرحلة انتقالية. حققوا وقفا لإطلاق النار وهدأت جبهات قتال استنزفت قوات النظام وكانت تستنزف الإيرانيين وحزب الله والميليشيات العراقية. توقّف القتال في جبهات حين لم يعد قتالا بل مجازر فتكت براميلها المتفجّرة وقصفها العدمي بعشرات ألوف المدنيين. ابتكروا "تسويات الأوضاع" و "المصالحات" كمصطلحات غير مهينة تخفّف وقع الإستسلام على قوات ظلت تقاتلهم طوال ستّ سنوات ونصف.
ومازلنا نبحث في المرحلة الإنتقالية. مازلنا لانقبل بأقل من إعلان الأسد وبطانته الإستسلام لإرادة شعب تمزّق وتشرّد وأفقر.
مرحلة انتقالية نحو ماذا؟ كان الهدف واضحا يوم اشتعلت الثورة وامتدت لتشمل كل سوريا تقريبا. لم يحصل منذ معارك الإستقلال مثل هذا الإجماع الشعبي المتطلع إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتنفصل فيها السلطات عن بعضها. لم يحصل أن بدا الطريق لتحقيق هذا الهدف واضحا وضوحه آنذاك. إسقاط تماثيل آل الأسد عبر عن التطلّع إلى إسقاط حكم العائلة. الهجوم على مقرات حزب البعث عبر عن التطلع إلى إسقاط حكم الحزب الواحد والدولة الآيديولوجية. هروب كبار المنتفعين وتهريب أموالهم كان إعترافا بأن الشعب مدرك عازم على تسييد القانون الذي أفقر غيابه غالبية السكان. نزول النساء والرجال، وانتفاضة السلَميّة ذات الغالبية الإسماعيلية والقامشلي الكردية وإشعال الشموع في باب توما عكس الأمل في قيام دولة المساواة بين المواطنين.
والآن بمَ نعدكم؟ لم نتّفق في المعارضة على دور حركات الإسلام السياسي في السلطة ولم نتفق بعد على مبدأ مساواة الرجل بالمرأة في النظام السياسي المنشود. فبيننا من يعلن صراحة أنه معني بإسقاط النظام لإقامة حكم الشريعة وفي داخلنا غالبية تضمر هذا الهدف ولاتعلنه. بيننا من يحلم بفرض الجزية على الذمّيين وبيننا من لا يرى قتاله ثورة ضد نظام بل فتحا لبلد معاد. هربنا من التفكير الجدي بحقوق المسيحيين والأكراد والعلويين والدروز بعبارات وردية عن سلطة الأغلبية والأخوة بين المواطنين الذين لن يبقوا مواطنين بل رعايا للحاكم مثلما هم عليه اليوم. ولم نتحدث عن تكديس الثروة خارج سلطة القانون لأن بيننا فصائل يغتني قادتها من خلال التهريب وفرض الأتاوات والرشوات. لم نناقش كيفية تفكيك سلطة المخابرات والأجهزة القمعية وكيف يعاد بناء القوات المسلّحة. أكتفينا بالحديث عن ترياق يحل كل مشاكل البلد هو الديمقراطية والإحتكام إلى صناديق الإقتراع وتظاهرنا بأنكم تجهلون ماحلّ بالعراق ومصر لا بسبب الإنتخابات بل بسبب انتخابات تجري في غياب سلطة القانون.
ما الذي أوصل ثورتنا إلى هذا الحال؟ السلاح.
لسنا نبرّئ أنفسنا حين نقول أن العسكرة لم تكن خيارا للثورة. خبرنا، كما خبرتم كيف أجبر النظام الثوار على رفع السلاح. أزداد حماسكم وحماسنا حين كان ضباط وجنود الجيش يعلنون انشقاقهم عن المؤسسة القمعية ويحملون السلاح ضدّها بعد أن فقدوا الأمل في أن تتيقظ ضمائر قادتها وتنحاز إلى ثورة الشعب السلمية. ساقتنا الإنتصارات العسكرية وتحرير الجيش السوري الحر لمعظم سوريا إلى التقليل من شأن تكاثر فصائل رأت في تلك الإنتصارات فرصة ذهبية لكسب المغانم وفصائل تريد تصفية الحساب مع النظام وأخرى ترى في إرث شعبنا الحضاري وتقاليده المدنية عدوّا ينبغي القضاء عليه. قلّلنا من شأن تنظيم القاعدة الذي رعته أجهزة المخابرات السورية أملا منها في تدمير العراق. هكذا بات الجيش السوري الحر الذي انتصر لكم محاصرا بين وحوش النظام ووحوش تقاتل النظام بهدف إنشاء دولة شمولية متعصّبة نهّابة خارجة عن القانون مثل خصمها.
ولسنا نبرّئ أنفسنا بالتأكيد إذ نشير إلى مانعرف وتعرفون جميعا. خذلنا حلفاؤنا. خذلتنا معظم الدول التي عادت نظام الأسد لكنها ترددت في دعمنا. خذلتنا خطوطهم الحمر التي صارت خضرا حين شعر النظام أنها ليست غير شعارات. خذلنا من عادوا الأسد أملا بأن تتزعم فصائل تابعة لهم نظاما يليه. خذلنا من تفرّجوا على جسور الإمداد البشري والتسليحي من إيران وروسيا فأصدروا بيانات إدانة.
تشعرون ونشعر بالخذلان. تشعرون ونشعر بالإحباط. ولكن لاتلعنوا الثورة فهذا ما اشتغل عليه النظام منذ بدأ حربه الدموية ضدّكم. يريدكم أن تشعروا بالندم على تمرّدكم عليه. يريدون أن تعودوا أذلاّء إلى بيت الطاعة. يريدكم أن تقتنعوا بأن الثورة طريق الفوضى وأن بديل استبداده وفساده استبداد وفساد.
لكننا لانخدع أنفسنا ولا نخدعكم حين نقول أن مستقبل سوريا ليس مظلما برغم كل هذا الخراب والنزيف. ولكي نساهم في فتح كوّة الأمل علينا استعادة جسور التواصل مع القوى التي أشعلت الثورة والتي غيّبها القمع الوحشي من جانب النظام وغيّبناها كما غيّبتها الفصائل الظلامية عن دائرة الفعل. لنتوجّه إلى عشرات ألوف الجنود والضباط الذين تحوّلوا إلى أذلاّء في بلدهم يقودهم مستشارون إيرانيون وروس ومقاتلون من حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية. لنتحسّس ألمهم وهم يعتاشون على الفتات فيما تُغدق المخصصات والإمتيازات على غير السوريين.
لنعد بناء الجسور مع ملايين الموظفين والعمال الذين سحقهم الإنهيار الإقتصادي فيما تغصّ فنادق الخمس نجوم والشواطئ المغلقة بتجّار الحرب وبطانة النظام. ليعكس برنامج الإئتلاف الوطني رؤى ملايين الشباب والنساء الذين أطلقوا زلزال الإنتفاضة ضد النظام. لندافع عن رجال الأعمال المرغمين على الدخول في شراكات مع المسؤولين وأقاربهم أو على دفع أتاوات لهم لكي يمارسوا نشاطهم. لنعبئ أبناء المناطق التي ذهب نفطها وقمحها إلى جيوب الكبار. ليفكّ الإئتلاف ارتباطه بحركات تحوّلت إلى سلطات مسلّحة قامعة وفاسدة.
طريقنا إلى تغيير النظام يبدأ بمواقف ملموسة لابد من وضعها على طاولة جنيف ومطالبة الدول الداعمة للمعارضة السورية بتبنّيها. مأساة سوريا لن يعالجها إعلان من زعيم غربي بضرورة رحيل الأسد أو القبول ببقائه بل الوقائع على الأرض التي لم يفعل هؤلاء الزعماء مايكفي لتغييرها لصالح التغيير. ولن يعالج المأساة قبول وفد المعارضة الجلوس على طاولة واحدة مع وفد النظام أو الإتفاق على دستور جديد. لنطالب مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يلزم النظام السوري بسحب مقاتلي ميليشيات حزب الله وباقي الميليشيات الأجنبية من المناطق التي يتوقف فيها إطلاق النار. وليتعامل الروس مع من يمتنع عن تنفيذ القرار كما يتعاملون مع من يخرق وقف إطلاق النار من المعارضة. ولنطالب بقرار يلزم النظام بإطلاق سراح كل السجناء السياسيين وكفالة حرية التعبير السلمي عن الرأي والحق في التظاهر والإضراب والإعتصام. ولنطالب الولايات المتحدة بأن تعلن أن التعرض لممارسي تلك الحقوق خط أحمر.
لنعد للشعب ثقته بقدرته على الفعل ولنعد له الأمل بالمستقبل.