لقد قرأت : اجتماعيات التدين الشعبي - تأويل للطقوس العاشورائية -.


ذياب مهدي محسن
2017 / 7 / 29 - 13:56     

" الاقتصاد هو المسؤول الأول والأخير عن الإصلاح الديني ".
كثيرة هي المحطات في تاريخ أمتنا الطويل والتي تستحق منا وقفات تأمل واستبصار لا للتغني أو التأسي بها؛ بل ليكون هذا التأمل والاستبصار معينًا على فهم الواقع المعاصر وملابساته ولمعرفة خلفيات الكثير من الظواهر والأحداث والرموز الكبيرة المؤثرة في هذا العصر، والتي غفل عنها البعض أو تغافلوا، ولكي يكون ذلك أيضًا عاملًا مساعدًا لفهم حركة التاريخ، وفهم السنن الإلهية المضطردة في الأفراد والأمم والمجتمعات والتي تحكم هذه الحركة، ولكي يكون ذلك أيضًا دافعًا لنا للانطلاق للأمام، ومحفزًا لعملية التغيير الإيجابي المنشود الذي يتجاوز المظاهر الخادعة والشعارات الرنانة والعناوين الكبيرة التي يراد لها أن تعبر عن حقائق لها ما يسندها دينيًا أو تاريخيًا وواقعيًا بزعم من يروجون ويطبلون لها صباح مساء . من هذا الاستهلال لأدخل الى قرأتي لكتاب الاخ الحبيب مهتدي الأبيض المعنون إجتماعية التديّن الشّعبي ، دراسة تأويلية للطقوس العاشورائية .
أبتدء انه كتاب وجهد مماز في هذا الوقت المهماز الى الخديعة والتجهل والتصحر الفكري المذهبي والمعنوان بشعار ديني اسلامي او الحزبوي الفئوي الذي يهمز للمصالح النفعية السيسيواجتماعية ومذهبية طائفية اكثر مما هو معنون دينيا .. ولمحة بما انا في خصوصية الطقوس العاشوريه "البدعة والخرافة" حيث لا تمت منها بأي صله لموضوعة الشعائر الدينية ، " بالتالي إن طقوس عاشوراء التي تجري في الشوارع من كل سنة في شهر محرم هي شبيهة بالطقوس البدائية إلى حدْ ما . كذلك تعدّ الطقوس العاشورائية جزء من تكوين الجماعة الشيعية "( ص 31). ( مذهب وليس دين ) : ومن تكرارها وتغذيتها اصبحت عادة وجزءاً من عرف وجودهم ومصيرهم التاريخي !؟ . ثم هذه الطقوس في المجتمعات البدائية تمارس من اجل استمالة الإله أو الأرواح العليا لجلب منافعها ودفع مضارها . أما عند مجتمع المذهب الشيعي ومن يمارسها ويعتقد بجدواها ، وحسب ما دجنوا عليه بثقافة روزخونية تنسب الى أبان الحكم الصوفي غالبا ؟ هي من أجل الشفاعة بثقافة القبر ، وغفران الذنوب بعد الموت ، ولهم مآرب اخرى ليس إلا . وهذه الطقوس في المجتمعات البدائية وفي مجتمعاتنا المذهبية والمتدينة ، تكون نوع من التخدير والتصوف "ليس التصوف العرفاني" من أجل الهروب من الواقع والبؤس والألم لربط حياتهم بأمل هم صنعوه ، وهذا ضرب من الأفيون فارغ المحتوى .
لمحة خاطفة :
أن الصفويين إبان نشأة دولتهم قد أحيوا بعض العقائد والمعتقدات الشيعية المغالية والتي اندثرت مع انهيار دولة البويهيين في بغداد والدولة الفاطمية في مصر، ولا عجب أن تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود آثار لبعض أتباع الفاطميين ومواليهم في تلك الدولة الناشئة، مع التذكير إن دور الصفويين لم يقتصر على الإحياء بل التطوير والتجديد والابتكار بحيث انتهت إليهم زعامة الفكر الشيعي الذي لا زالت أغلب مظاهره موجودة ومؤثرة إلى وقتنا هذا . فكان أسلوبًا ماكرًا باطنيًا خبيثًا متسلسلًا ابتدأ أولًا مع بداية دعوته وكما تذكر كتب التاريخ الشيعي ومنها كتاب (تاريخ الشاه إسماعيل) وكتاب (عالم آراي صفوي) "إن إسماعيل اخذ إجازة من المهدي المنتظر في الثورة والخروج على أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون إيران، وأنه كان مرة في رحلة صيد فدخل كهفًا وخرج وادعى أنه التقى بالمهدي وأنه حثه على إعلان الدولة الصفوية، وقد ادعى بعد ذلك أنه رأى الأمام علي في المنام" ومن هنا كانت هاتين الدعوتين مسوغًا كافيًا لإعلان دعوته وإنشاء دولته وبتعبير الأستاذ أحمد الكاتب –الكاتب الشيعي المعتدل المعروف– "فإن هاتين الدعوتين أتاحتا للحركة الصفوية أن تتحرر من فكرة انتظار الإمام وتأسيس الدولة الاثنى عشرية، وبناءً على ذلك فقد كان الشاه يعتبر نفسه نائب عن الله وخليفة رسول الله والأئمة المعصومين وممثل الإمام المهدي في غيبته وكان جنوده يعتبرونه تجسيداً لروح الله ".
يقول الدكتور مصطفى الشيبي : "لقد كان إسماعيل رجلًا صوفيًا ومن شأن الصوفية أن تؤمن بالكشف أي الإلهام الغيبي، وقد كان يعلن لمريديه أنه لا تحرك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثني عشر وأنه معصوم وليس بينه وبين المهدي فاصل ". ولا يخفى على أحد إن هذه الأفكار هي التي شكلت النواة الأولى لفكرة ولاية الفقيه التي أقام الخميني قائد الثورة الإيرانية على أساسها دولته عام 1979 م ولا زالت لحد الآن . أغلب مراجع الشيعة تقريبًا ومفكريها قديمًا وحديثًا يدينون ضمنًا وعلنًا بالولاء والفضل للدولة الصفوية، ويصدقون أو يبررون الكثير من أعمالها وذاك إنها في نظرهم سبب المحافظة على الكيان الشيعي وسبب انتشار التشيع وكذلك كانت من وجهة نظرهم سدًا مانعًا بوجه من يريدون الشر للشيعة ؛ بدليل إقرارهم لكل البدع التي أحدثوها وعدم إنكار شيء منها ومحاولتهم تأصيلها شرعيًا والسعي لترسيخها بشكل متعمد في عقول أجيالهم، مسخرين لأجلها كل الإمكانات والوسائل الإعلامية التقليدية والعصرية وبنسق لا يوحي إلا باعتقادهم بها وإيمانهم بأنها جزء لا يتجزأ من فكرة التشيع لأهل البيت رضوان الله عليهم جميعًا ضاربين بعرض الحائط إجماع الأمة المحمدية على خلافه العالمي ، محسن الأمين وهو من أكابر علمائهم في كتابه ( الشيعة في مسارهم التأريخي) .


لا يمكن فصل حركة الإصلاح المذهبي الديني عن روح النهضة التي نريدها ، لأنها تمثل ثورة على سلطة المرجعية المطلقة على المذهب الشيعي ، كما كانت ثورة على الكنسية في اوروبا ، وثورة على التعصب الأعمى والتجارة بالمذهب و بالدين وفساد رجاله ومحاربة الخرافات . " كلامي نسبي " كان من روّاد هذا الإصلاح الديني الكنسي في الغرب ،" هوس وويكليف " . كانا ليبراليين بالنسبة إلى الإصلاح الديني ، مثلما كان جون بول ، بالنسبة الأمور الاقتصادية وغاليليو بالنسبة إلى العلم . الإصلاح الديني هو مجرد تغيير لأسلوب طلب الخلاص . ميل البروتستانت إلى حق الاختلاف الديني كان الأساس الذي بنيت عليه الديموقراطية . كلّ مسؤول عن نفسه . للاعتقاد بالديموقراطية أخطاره. لكن البديل هوغياب الحرية وعدم قبول الآخر تماماً . في اغلب المذاهب الاسىمية وحتى في النص الديني هناك اشكالية في الفهم للديموقراطية حسب التأويل والتفسير ومزاجية ومصلحة العقد المذهبي هنا او هناك !؟ لا يحتاج الإنسان إلى وساطة رجال الدين للوصول إلى الله. الإصلاح المذهبي الديني ، على ما يقول : " راندال"، عبارة عن تبسيط للعقيدة المسيحية او العقيدة الاسلامية ، علاقة مباشرة بين العبد والرب، وإسقاط لقداسة كنيسة العصورالوسطى وسلطاتها الطاغية. لكن الإصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر لم يبدأ من فراغ . إذ سبقته محاولات ومقدمات ، كان فرنسيس الأسيزي أثناء وعظه للناس يبسط الإنجيل، وكان الصوفيون الألمان أمثال إيخاردت 1260-1327 وجون تولير 1300-1361 ، يعضدون تجربة الفرد الروحية لمعرفة الخالق، بعيداً عن الطقوس الكنسية. الخلاص يتطلب شيئاً أكثر من مجرد طقوس وثنية . انها ثورة التغيير السلمي العقلائية للطقوس المذهبية عند الشعة . "ويكليف" أدان نظام الاعتراف وشراء الغفران بالنقود . الكنيسة كانت تملك نصف عقارات إنكلترا وأراضيها . الامتثال يكون لتعاليم المسيح لا للبابا. إذا كان لدينا مئة بابا وعدد لا نهائي من الكرادلة، فلا يهمنا ما يقولون إلاّ ما يوافق الإنجيل . وكما جاء في المروي عن النبي عقلياً : " كل حديث لاينطبق على القرآن ، ارموه عرض الجدار" .
ما أريد قوله في هذا المقال هو أننا نشبه الحالة الأوروبية أيام العصور الوسطى، قبل عصر النهضة والإصلاح الديني. نحتاج إلى ثورة حقيقية وإصلاح جذري في الفكر المذهبي والديني ينتشلاننا من قاع المستنقع الذي نخوض فيه حتى آذاننا . قد ننتصر أمنيا على قوى الظلام والتطرف، لكن بذور الشر سوف تظل كامنة في قلب المجتمع تتحين الفرصة المناسبة لكي تصحو لتنهش في جسد الدولة العراقية من جديد . هذه المرة ، على ما تخبرنا نظرية التطور لدارون، لن نستطيع مقاومتها مهما حاولنا، مثل دودة القطن التي تكتسب مناعة من رش التكسافين، ومثل الباكتيريا التي تتحصن ضد المضادات الحيوية. العلاج يكون بتناول جرعات المضاد الحيوي كاملة غير منقوصة، بالإضافة إلى زيادة مقاومة الجسم الطبيعية. أي يجب عدم التهاون في معالجة هذه البؤر الإجرامية أو التسامح أو التصالح معها في أي حال من الأحوال . أي يجب القضاء عليها بالكامل ،بالإضافة إلى ثورة حقيقة في الفكر المذهبي والديني إذ يتعارض مع العلم والمنطق ، فنحن نعلم جميعا أن الخطاب الديني لم يعد يواكب العصر ، بل هو ملئ ب " الإسرائيليات " والفكر الساذج المتخلف الكارثي والطقوس الوثنية . الإصلاح الديني ينادينا مثلما كان ينادي مارتن لوثر في عصر النهضة ، فهل من مجيب ؟ . كل الشكر والتقدير للحبيب أ. مهتدي الأبيض على كتاب ودراسته القيمة وهو كتاب كوة من الضياء تنير الفكر الحر المدني الذي نريده لوطن مدني تسوده العدالة الاجتماعية .