لعبة الكبار


محمد باليزيد
2017 / 7 / 19 - 07:51     

حضر رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو إلى فرنسا بدعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون لإحياء الذكرى 75 لأحداث حملة "فيل ديف". الحملة التي قيد فيها الآلاف من اليهود إلى المعسكرات سنة 1942. إنه لأمر يسعد كل إنسان أن تعترف أية دولة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، أن تعترف بجريمتها دون استغلال لهذا الاعتراف بأي شكل من الأشكال. لكن إذا ما نحن قارنا بين مسألتين، الأولى هي ممارسة/تقتيل فرنسا للجزائرين، هذا التقتيل الذي استمر عقودا، وبين مسألة حملة "فيل ديف"، إذا قارنا بين المسألتين سنجد أن فرنسا بعيدة كل البعد عن قيم الثورة الفرنسية وربما حتى عن قيم "ثورة الزنج". في زمن حملة "فيل ديف" كانت فرنسا محتلة من طرف ألمانيا وقد صرح ماكرون بصدد هذا تصريحا غامضا ومراوغا حيث قال :" وأكد ماكرون أن "فرنسا الجهة التي نظمت الحملة" وأن نظام فيشي "لم يكن بالطبع يمثل كل الفرنسيين بل كان يمثل حكومة وإدارة فرنسا." فبدل أن يقول أن "نظام فيشي لم يكن يمثل الفرنسيين وإنما كان يمثل الاستعمار الألماني النازي"، وهذا ما يقوله الفرنسيون في أكثر من مناسبة، بدل هذا، ورغبة منه [صحيح أن رؤساء آخرين سبقوه لهذا النهج] في نسبة الجريمة لفرنسا (الفرنسيين)، بدل هذا قال " نظام فيشي كان يمثل حكومة وإدارة فرنسا"، أي كان يمثل الفرنسيين. المسألة الأخرى هي تقتيل فرنسا الاستعمارية لشعب الجزائر [هذا المثال هو فقط المشهور ففرنسا الاستعمارية مارست وحشية المستعمر ضد شعوب كثيرة نذكر منها كذلك فيتنام] تقتيلها لهذا الشعب لعقود. لكن "كبرياء الثورة الفرنسية" يأبى أن يعترف ويعتذر للجزائريين عن ذلك. فالسياسة هي أن يعترف المرء لدولة قوية كإسرائيل بجرائم حتى وإن لم يرتكبها، كما أنها (السياسة) تقتضي عدم الاعتراف بالجرائم المرتكبة في حق شعب دولة يدعو رئيسها من على كرسيه المتحرك ويتودد ويستعطف بأن ”اعتراف فرنسا بجرائمها سيزيد علاقتنا صفاء وتوثبا”. أما "الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام" فقد "صدم" بدعوة مسؤول إسرائيلي إلى مراسم إحياء ذكرى "جريمة محض فرنسية ضد الإنسانية". موقف هذا الاتحاد يعني أنه "حتى لو كانت فرنسا مسؤولة عن تلك الأحداث"، فتلك جريمة ضد الإنسانية وضد مواطنيها (اليهود) آنذاك. وليس من حق الدولة الصهيونية الآن أن تستغل قضية مواطنين فرنسيين.
منذ الأيام الأولى من الأزمة الخليجية تساءل مسؤول قطري كيف يعتبر تواجد مكتب لحركة حماس أو لطالبان على الأراضي القطرية إرهابا في حين أن ذلك تم بموافقة أو بطلب من واشنطن نفسها؟ هذا الواقع/المفارقة وصفه أحد ضيوف (France24) بأنه "إرهاب تحت الطلب". لكن المخجل في الأمر أنه ليس الدول الغربية هي من يطالب وينفذ معاقبة قطر على "مساعدتها" للإرهاب، إنها الدول الخليجية. ألا تريد هذه الدول أن تفهم بعد أنه كما طلب منها أن تعاقب من طلب منه أن يساعد الإرهاب، فقد يطلب من بعضها يوما معاقبة البعض الآخر لأسباب لا تخطر على بال؟ أنسيت السعودية(وكذاالإمارات) أن عائلات وجهات أمريكية تطالب بمحاسبتهما على خلفية أحداث 11 سبتمبر؟ أيمكن استبعاد محاسبة السعودية (من طرف الولايات المتحدة) على تمويل المجاهدين الأفغان رغم أن الأخيرة هي من استخدمهم في مصالحها؟ وإذا ما تغير الوضع بشكل غير محتمل وتم تفاهم كبير بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ثم أقيمت في اليمن حكومة قريبة جدا من الحوثيين أو حكومة من الحوثيين، أيستبعد أن ترفع هذه الأخيرة دعوى دولية ضد السعودية مطالبين إياها بتحمل مسؤوليتها في تدمير اليمن وتعويض ذلك؟ وقد يجر حتى مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات متماشية مع حكم محكمة دولية ضد السعودية.
حتى هذه الدول التي بقيت مستقرة في الشرق الأوسط، توهمنا أن لعبة الكبار ستتركها مستقرة (على ديكتاتوريتها) ما دامت لا تمانع قليلا ولا كثيرا لعبة الكبار وما دامت أنظمتها ضامنة 100% لخنوع شعوبها، حتى هذه الدول يتضح الآن أنها في مهب ريح الكبار.