فلسفة التحالفات


فريدة النقاش
2017 / 7 / 18 - 23:38     

قضية للمناقشة: فلسفة التحالفات

شهدت الساحة السياسية العربية تحولات جوهرية في الشهور الاخيرة،هددت منظومة بلدان الخليج الجماعية بالتفكك بعد الموقف الحازم الذي اتخذته أربع دول عربية بمقاطعة قطر الضالعة في تمويل الارهاب ،وايواء الجماعات الارهابية التي تنشط في تفتيت بلدان عربية باسم الإسلام.

وكانت “قطر” في كل ما قامت به ضد كل من ليبيا وسوريا والامارات واليمن ومصر تابعا أمينا، ومنفذا بالغ الثراء لمشروع الشرق الاوسط الجديد الامريكي القائم علي تفتيت البلدان إلي كيانات طائفية وعرقية ودينية تحارب بعضها بعضا، فضلا عن أنها تمنح مشروعية للمشروع الصهيوني الديني الذي زرعه الاستعمار العالمي في منطقتنا لاستغلال ثرواتها، وتعطيل تطورها، وتدمير الفكرة القومية العربية بدعم التوجهات العنصرية التي نمت في سياقها ردا علي نشأة إسرائيل، والحيلولة دون انضاج الرؤي الديموقراطية العقلانية العلمانية بمساندة وتمويل الجماعات الدينية التي احتضنت الارهاب، وكانت المعطف الواسع الذي خرجت منه التنظيمات المسلحة والتكفيرية واجتاحت المنطقة- بل والعالم بعد انهيار حركة التحرر الوطني والفراغ الذي أحدثه الانهيار في كل الساحات السياسية والايديولوجية، وقد تحول هذا الانهيار إلي كارثة بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وهيمنة القطب الامريكي منفردا علي الوضع العالمي.

أدي هذا التدهور السريع في الوضع العربي إلي تنشيط البحث عن تحالفات جديدة، وبروز النجاح الذي حققته القوي الاستعمارية في تحويل دفة الصراع مع اسرائيل إلي “إيران” . ورغم أن أحدا لا يستطيع أن ينفي أن “لإيران” مشروعا امبراطوريا فارسيا توسعيا شأنها شأن تركيا التي يتطلع “سلطانها” إلي استعادة الخلافة الاسلامية، ويضاف هذان المشروعان الاستعماريان إلي المشروع الصهيوني،وكلها تستهدف المنطقة العربية بثرواتها وموقعها الاستراتيجي الحساس والمركزي في طرق المواصلات العالمية.

لا أحد يستطيع أن ينفي هذه الحقائق، ولكن علم السياسة كان حيك مصطلحا يدعي ترتيب الاولويات للامساك بالمسألة المركزية وتبني السلطات العربية استراتيجيتها في مواجهة الوضع القائم بدلا من ذلك علي وهم كبير يري أن التحالف مع امريكا هو الضمان لانتصارها علي الارهاب، رغم المعرفة اليقينية بالدور الامريكي في تأسيس وتمويل الجماعات الارهابية، وهي الحقيقة ذات التاريخ والتي تكشفت وتأكدت اثناء وبعد جولة وزير الخارجية الامريكي في المنطقة بدعوي الوساطة بين البلدان العربية الاربعة و”قطر”. بعد أن كانت الاخيرة قد سارعت بتقديم فروض الولاء والطاعة للسيد الامريكي، وعقدت مع واشنطن صفقة اسلحة بالمليارات اسوة بما فعلته ” السعودية” قبل شهرين “ومحدش احسن من حد” كما يقال. وكثيرا ما ننسي أن “قطر” تستضيف اكبر قاعدة امريكية في المنطقة وتتباهي بذلك، ولم لا ألا تتنافس السلطات العربية في استرضاء أمريكا والسعي للتحالف معها تأمينا لعروشها المهزوزة، وليس في مواجهة اسرائيل أو إيران أو تركيا، وهذا هو الأساس العملي بل الانتهازي الذي ينهض عليه التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية التي تعرف جيدا ماذا تريد منا.

فكيف يمكن اذن بلورة توجه جديد للتحالفات يقوم علي فلسفة واضحة ترد الاعتبار لأسس الصراع في المنطقة وتضع “إسرائيل” علي رأس الاولويات كعدو دون تجاهل المخاطر الجديدة والطموحات الاستعمارية والتوسعية الصغري إذا جاز التعبير لوصف مشروعات “ايران” و”تركيا” وهما تحتلان فعلا اراضي عربية، وتسهمان فعلا في تمويل وتدريب ميليشيات خاصة بهما، وتنفخان في نيران التوجهات الدينية والعرقية لخدمة مشاريعهما.

ويجدر بالمعارضات السياسية العربية الديمقراطية وهي تنتقد فلسفة التحالفات الاقليمية والعالمية للنظم الحاكمة أن تبلور رؤية مختلفة جذريا تنهض علي المثل القائل “ماحك جلدك مثل ظفرك”، واقناع قطاع متزايدة من الجماهير العربية بصواب رؤيتها فالصراع طويل وممتد، وتعرف هذه الجماهير جيدا أن المشي علي الطريق الخطأ لن يقود إلا إلي هاوية المزيد من التبعية والتفتت، أي إلي اتمام المشروع الاستعماري بأيدي أهل البلاد، وهي نفس الفلسفة التي نشأت عليها كل من “القاعدة” و”النصرة” و”داعش” و”الاخوان المسلمون” من قبل ومن بعد، والبقية تأتي.

فهل هذه دعوة للدخول في صراع مكشوف مع امريكا وحلفائها وبخاصة الاتحاد الاوروبي حيث تلوح بوادر حلف جديد يستعيد التراث الاستعماري القديم ليجتاح منطقتنا الضعيفة والمستباحة فعلا؟

لا ليست هذه دعوة لاشعال صراع من نوع جديد ولكنها دعوة للاعتماد علي الذات وطنيا واقليميا وللتعامل مع العالم بلغة المصالح التي يعرفها حين تستعيد الشعوب العربية عبر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتي تناضل هذه الشعوب من أجلها منذ عشرات السنين- تستعيد قدرتها علي المواجهة وتمتلك مصيرها، وتنفض عنها تراث الاستبداد الطويل. وكان “المصريون” حين فعلوا ذلك في 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013 قد أثاروا اعجاب شعوب العالم وفزع القوي الاستعمارية المتربصة بنا والتي لن توقف مشروعاتها إلا إذا استنهضنا قوانا وخطونا علي الطرق الصحيح.