في تفسير الاله: آلهي لماذا تخليت عني


مالوم ابو رغيف
2017 / 7 / 16 - 07:49     

جاء في الكتاب المقدس (في آخر أيام الخليقة، قال الله "لنصنع الأنسان علي صورتنا، كشبهنا" (تكوين 26:1)
ونعتقد ان الحديث النبوي الاسلامي الذي يقول ان الله خلق ادم(الانسان) على صورته، والذي نقله صحيح البخاري ومسلم هو صدى لآية الكتاب المقدس اعلاه.
اختلف المفسرون حول تفسير الحديث النبوي، وللخلاص من التناقض بين صورة الاله(الذي لا يشبهه شيء) وصورة الانسان قال بعضهم بان الهاء المتصلة في (صورته) متعلقه بآدم، فالكون والانسان كان فكرتان في ذهن الاله ثم خلقهما واقعا ملموسا وهذا معنى في البدأ كانت الكلمة او الفكرة.
لكن مثل هذا التأويل ينتقص من صفات الله المطلقة، اذ يجعله كينونة مفكرة، والتفكير عملية حسابات ذهنية تحتمل التصحيح والتبديل والتصويب والمقارنة والتفضيل. ان هذا يعني بان الله خلق الكون والانسان بالتجربة الذهنية، وليس بالارادة الاهية التي لا تخضع لتفضيلات التجربة ( قل للشيء كن فيكون).
واذا كان الله قد خلق الانسان على صورته، فان الانسان ضعيف فاني، محدود القوى فزع جزع، وهذا يتعارض منطقيا مع صورة الاله الموجودة في اذهان المؤمنين عنه بانه الجبار اللانهائي، الرحيم، الرازق، المذل، المعز الى بقية الاسماء التي يعدها المؤمنون بمئة اسم وكما تغنيها فرقة الانشاد الدينية
https://www.youtube.com/watch?v=C5Xd0CEQsRg
لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح، اي لو ان الانسان هو الذي خلق الاله على صورته، فكيف نفهم الفرق بين الكينونة الانسانية الضعيفة وبين الكينونة الالهية الجبارة المهيمنة القوية؟
يجيب على هذا السؤال الفيلسوف الالماني المادي فويرباخ فيقول بان الاله ليس سوى احلال مجموع رغبات الانسان الطامحة في السعادة والكمال والمساواة والخلود، والتي لا يتعرف عليها(الانسان) في نفسه فيضعها في صورة الاله لتكون صورة (الانا الطامحة) في الـ هو (الله)
فالانسان آثم بينما الاله غير اثم
والانسان ظالم بينما الاله عادل
الانسان فان والاله خالد
الانسان له نهاية والاله لانهائي
الانسان محدود القوى والله مطلق القوى
اي ان الاله هو افتراض يتكون من رغبات الانسان هو صورة (الانا) التي تبحث عن الخلود والسعادة والكمال والمساواة والجبروت فلا تجده في نفسها فتضعه في كيان اخر.
ولكي يأمن الانسان من اعتدائات الاخرين حول رغباته (المتجسدة في الاله) الى نظام اعلى يفرض الالتزام والخضوع على الجميع، لكن خلال عملية التحول هذا فقد الانسان سمات ذاته في النظام واصبحت تلك الرغبات مثل الاله غريبة عنه.
نتسائل هنا اذا كانت المسيحية ارادت انهاء حالة الاغتراب بين الانسان وبين رغباته المتحققة في الاله فكان ابن الانسان(المسيح) محاولة ناجحة للخلاص من الاغتراب الانساني عن رغباته المتحققة في الاله.
فابن الانسان اله يمشي على الارض لكنه يشعر بما يشعر به الانسان، ويتعرض للبطش والتعذيب كما الانسان ويرغب ويحب كما الانسان لكنه لا يحقد ولا يكره فهو قيمة عامة وليس نظاما مفروضا.
لذلك احتل ابن الانسان(الاله) المظلوم المكانة الاولى في اذهان المؤمنين وتراجع الاله الكلي القدرة الى حد الاهمال ولم يعد يُذكر الا بانسابه الى ابن الانسان.
آلا يعني هذا ان فكرة ابن الانسان هي ردة فعل الانسان على حالة الاغتراب الذي يعيشها بعد ان تحول الدين الى سلطة تسلب منه حريته الشخصية وتفرض عليه التزامات الطاعة دون ان تمنحه اي امان.
نعتقد ان فكرة ابن الانسان هي محاولة آنسنة الاله وذلك بسلب جميع الصفات السلطوية التي جعلته غريبا عن الانسان( والذي ما يزال يحتفظ بها الاله اليهودي والاله الاسلامي) ذلك بارجاع الاله ضعيفا يستنجد بالاله الصامت
الهي لماذا تخليت عني
ليتحد الانسان والاله الانسان في سموفونية العذاب.
My God, my God, why have you forsaken me
الاهي الاهي لماذا تخليت عني تقريعا للاله؟
الا تعتبر هذه الصرخة تقريعا انسانيا للاله وكشفا واضحا لحقيقة اغتراب الانسان عنه؟
قال فردريك نيتشة
Der gott ist tot. Gott bleibt tot! Und wir haben ihn getoetet
لقد مات الاله. وسيقى الاله ميتا نحن قتلناه. هل قال نيتشه هذه الجمل الثلاث بحزن واسى واسف على موت الاله ام قالها تاكيدا على ضرورة موت الاله؟
الا يعني ان نيتشه يريد بالاصرار على ابقاء الاله ميتا
Gott bleibt tot! الاله سيظل ميتا
الا يعني ذلك ان الانسان قتل صورة الاله الجبار المتكبر المهيمن المفروضة بقوة السلطة الدينية وان الانسان هو الذي حطمها
Wir haben ihn getoetet! نحن الذين قتل الاله
الا تعني دعوته الى الـ Superman السوبرمان الى احلال الانسان محل الاله الطاغي المتكبر العنيف وبنفس الوقت التخلص من حالة الاغتراب التي نتجت عندما تحولت طموحات الانسان الى دين سلطوي؟
الا تعتبر دعوته الى السوبرمان دعوة للتخلص من الايمان الذي يخلق الضعفاء والمترددين الذين يبحثون عن السعادة بعد الموت عن طريق الانصياع لشروط الاله؟
يقول نيتشة على لسان المجذوب الذي يحمل مشعلا في وضح النهار ويطوف في الاسواق ويسأل:ـ
اين الاله؟
اود ان اقول لكم اننا قتلناه ، انا وانتم، نحن جميعا قد قتلناه، لكن كيف قتلناه؟ كيف قدرنا على شرب جميع مياه البحر. من اعطانا الاسفنجة لكي نمسح الافق باكلمه؟ ما ظننا فاعلون عندما فككنا قيود الارض من شمسها، والى اين تزيح الارض نفسها؟ ونحن الى اين ننأى بانفسنا؟ هل نذهب بعيدا عن جميع الشموس؟...
لقد مات الاله، تحطمت صورته التي رسمها الدين، نيشته افترض ان الاله كان في وقت ما حيا ثم قتلناه، لكن هذا الحدث الجلل(موت الاله) لم يطرق اذان ولا اذهان الناس.
ان نيتشة يتحدث عن موت الاله بنفس المعنى الذي يتحدث عنه فويرباخ بأ ن اعتقاد الناس بدأ بالزوال وان الايمان فقد مصداقيته.