-الحب- و-الكره- ليسا من ميدان السياسة!


عصام مخول
2017 / 7 / 15 - 10:21     



في مناقشة السياسة والسياسي:

"الحب" و"الكره" ليسا من ميدان السياسة!

**الاختلاف والاتفاق
نحن نختلف عن النظام في سوريا ، ونختلف مع النظام في سوريا ، ولكننا لا نختلف على دعمنا لانتصار سوريا شعبا وقيادة وجيشا على العدوان الارهابي الامبريالي عليها وضرورة أن تنجح الدولة السورية في سحق المؤامرة على تقسيم سوريا وتفتيت شعبها، وأن تستغل هذا النصر لتنطلق لإعادة بناء سوريا الحديثة أكثر صلابة في عدائها للمشاريع الامريكية في المنطقة وأكثر تمسكا بتحرير أرضها المحتلة وفي مقاومة ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ، وأكثر التزاما بإحداث اختراق ديمقراطي ، ونشر الحريات ورفع مستوى معيشة الطبقات الشعبية وتطوير آليات الحفاظ على التعددية الفكرية والسياسية .



في سنوات صبانا المبكرة ، كنا نحب عبد الناصر ونظامه في مصر حباً ساذجا، لم نكن نعي جذوره ومبرراته السياسية والفكرية بشكل واضح ، وأذكر في فترة صباي المبكر أنني كنت جزءا من "الطقوس" التي كانت سائدة لدى جماهيرنا العربية في اسرائيل عندما كان الناس يتناقلون في مجالسهم أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر سيلقي خطابا جديدا . كنت أحاشر وأدافع لأحتل أقرب مكان من جهاز الراديو الكبير الذي يبز حجم أجهزة تلفزيوناتنا اليوم ، حتى أكاد ألتصق به . ولا زلت أتذكر مقاطع تثير مشاعري وتهزها في هذه الخطابات وفي تصفيق الجماهير وهتافاتها المثيرة للمشاعر .. وما أن ينهي عبد الناصر خطابه حتى كنت ألح على من يكبرني سنا أن ننتحي جانبا ليفسر لي ما جاء في الخطاب !!
إن حديث "حب هذا النظام" و"كره ذاك النظام" في السياسة يعيدني الى تلك اللحظات بجانب جهاز الراديو الضخم والطفولة الساذجة .
لقد عرفنا لاحقا أن جذور هذا الحب كامنة في المفهوم السياسي والانساني والمعنوي السائد ! نحن لم نحب عبد الناصر لانه كان ديمقراطيا .. ولا لأنه حافظ على حقوق الانسان .. ولا لأن سجونه لم تشهد التعذيب ... أحببناه بشكل عفوي وبكينا رحيله لاسباب أخرى ، لأنه تحدى إملاءات الامبريالية العاتية وعدوانيتها وعنجهيتها المهينة تجاه الشعوب، ولأنه تحدى امتيازات الاقطاعيين والارستقراطية المصرية وانتصر للشعب البسيط . أحببناه لانه رفض الخنوع للتعامل الابتزازي المهين للامبريالية البريطانية والفرنسية والامريكية وعلى التوالي وللعدوانية الاسرائيلية . أحببناه لأنه اعتمد على استنهاض روح المقاومة الشعبية لهذه المشاريع . واقنعنا أن الكرامة والعزة القومية تزدهر وتنتعش بالمواجهة وإن كانت مكلفة وغير متكافئة مع المشاريع الامبريالية وعملائها في المنطقة وعلمنا احتقار الخنوع لها .. هذه كانت مفاهيمنا التي كانت تغذي مشاعرنا وتكبر معنا ويكبر وعينا السياسي بها وهي تبلورنا وتنتقل بنا من مجال "الحب" و"الكره" الى مجال السياسة الواعية .
ولكن هل يصح سياسيا وتاريخيا أن نتعامل مع عبد الناصر من باب اننا نحبه ؟ إن الحب والكراهية ليست من ميدان السياسة ولا مكان لها في التعامل مع الاوضاع والتقييمات السياسية .




**"نظرية السياق" .. والمنصة !


الحديث في السياسة لا يحدث خارج السياق العيني الذي يدور فيه ، ولا يمكن فصله عن طبيعة المنصة التي يجري عليها . وهذه حقيقة يعيها من يدير النقاش وعلى المحاور السياسي أن يعيها لئلا يصبح الحديث مطبا يخدم أهداف المنصة والمؤسسة التي تقف من ورائها. وأحيانا لا يقل الامتناع عن قول ما يجب ان يقال خطورة عما قيل ، مهما كان ما قيل إشكاليا ..
عندما يحاورنا الإعلام الاسرائيلي حول اشتراط اسرائيل ، التي ما زالت ترفض الدولة الفلسطينية في حدود حزيران 1967 ، ان يعتمد الحل السياسي على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح – كما يتمسك بها الاجماع القومي الصهيوني ، فإنه يريد أن ينتزع منا اعترافا وتثبيتا أمام جمهور الهدف الاسرائيلي والعالمي ، بأن هذا المطلب الاسرائيلي هو الموضوع ، وانه أصبح حقيقة ناجزة . وأنه فرضية أساسية في أي حل سياسي . وهو يفترض أن اسرائيل هي ضحية الشعب الفلسطيني الذي يشكل خطرا عليها وليس هو ضحيتها وهي التي تشكل خطرا وجوديا عليه وعلى حقوقه غير القابلة للتصرف، المعترف بها دوليا . وإذا كانت هذه هي الحقيقة التي نعيها فعلينا أن نرفض الانسياق الى هذه الزاوية حتى لو وجدت السلطة الفلسطينية نفسها بها .
نحن من أجل نزع السلاح بشكل متبادل من مناطق التوتر والصراع.. ولكن نزع سلاح المحتل والمعتدي أولا . الشعب الفلسطيني هو الذي يحتاج الى ضمانات دولية في كل حل سياسي لمنع اسرائيل من مواصلة العدوان علىه واحتجاز حرياته واستباحة حقوقه . هذه هي الرسالة المستحقة الى المجتمع الاسرائيلي .
وعندما يحاورنا الاعلام الاسرائيلي حول موقفنا من "انزلاق القذائف" من "القتال "الداخلي" في سوريا" من الجولان شرق القنيطرة الى الجولان المحتل غرب القنيطرة ، وردود اسرائيل وتهديداتها وهجماتها على سوريا ، فإن هذا الاعلام يريد أن يرسخ في الاذهان أن إسرائيل تقوم بالدفاع عن النفس في الجولان السوري المحتل ، وأنها هي ضحية الجيش السوري ، وهي بذلك تريد ان تمحو نهائيا من الوعي ، أنها قوة معتدية ومحتلة في الجولان ، وأنها مركب فاعل في الحرب العدوانية الارهابية المعولمة على سوريا ، وأنها تريد بهذا الطرح ان تبرر ضلوعها في دعم منظمات الارهاب في سوريا ، من النصرة الى داعش والدفاع عنها كلما اشتدت ضربات الجيش السوري عليها لدحرها .
إن طرح هذا السؤال علينا في الاعلام الاسرائيلي كان فرصة لا يمكن تفويتها للانقضاض على العلاقة الفاضحة التي تقيمها اسرائيل مع منظمات الارهاب الظلامية في سوريا .. وهي حقائق لم يعد بمقدور الاعلام الاسرائيلي والامريكي التستر عليها .
وعندما نلجأ في الاجابة على هذا التحدي من وسيلة الاعلام السرائيلية الى التغني بمدى "كرهنا" للنظام السوري ، ينشأ النطباع بأننا ندفع ضريبة سياسية لا تليق ، لملامسة رضا الاجماع السائد في إسرائيل . بدلامن تحدي هذا الاجماع ومواجهته وتفكيكه وإعادة الكرة الى ملعب الفكر الاسرائيلي العدواني السائد .
السؤال أو الجواب في حالتنا ، اذا كنا نحب النظام السوري ام لا، ليس سؤالا سياسيا ، واللجوء الى مفاهيم من ميدان "الحب والكره" ليس تصرفا سياسيا ! وليس المطلوب من أي كان أن يحب النظام السوري.. المطلوب ان نحدد اين نقف من المواجهة بين سوريا بشعبها وجيشها وقيادتها الوطنية وحلفائها الاقليميين والعالميين من العدوان الارهابي المعولم على سوريا ومن ضرورة دحر العدوان الارهابي على سوريا مقدمة لإسقاط المشروع الامريكي الارهابي على المنطقة .
السؤال السياسي والاخلاقي الحقيقي الذي لا يمكن تهريبه ولا التهرب منه ، يدور حول موقفنا من الانجازات العظيمة التي يحققها في هذه الايام كل من الجيش العراقي في تحرير الموصل، والجيش العربي السوري وحلفائه الاقليميين والعالميين في دحر العدوان الارهابي وقطع الطريق على مشروع تقسيم سوريا وتفتيت شعبها ، وإسقاط مشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة، والذي تقوم على تنفيذه أقذر وأعتى أدوات الامبريالية الامريكية في المنطقة وأشدها عدوانية ، وفي الصميم منها المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة ، في تحالفها الظلامي السافر مع منظمات الارهاب من النصرة الى داعش ، وفي تحالفها مع الوهابية السعودية والعثمانية الجديدة التركية ومع قطر وبقية الانظمة العربية الرجعية في المنطقة .
إن الهروب الى مفاهيم "الحب" "والكره" في هذا السياق ، والانتقال الى دكتاتورية النظام من جهة أخرى يشكل تهربا من الاجابة على الاسئلة الصعبة الحاسمة التي تخص العدوان الامبريالي ، وتهربا من فضح دور اسرائيل أمام الجماهير الاسرائيلة ، في دعم منظمات الارهاب المعولم في سوريا ، ويدغدغ الموقف السائد في اسرائيل وفي الاوساط الامبريالية والرجعية العربية مما يجري في سوريا .
وأعود وأكرر هنا ما كنت قد أكدته في كل مناسبة ومن على كل منصة ، بما فيها في التلفزيون السوري وفي قناة الميادين : نحن نختلف عن النظام في سوريا ، ونختلف مع النظام في سوريا ، ولكننا لا نختلف على دعمنا لانتصار سوريا شعبا وقيادة وجيشا على العدوان الارهابي الامبريالي عليها وضرورة أن تنجح الدولة السورية في سحق المؤامرة على تقسيم سوريا وتفتيت شعبها، وأن تستغل هذا النصر لتنطلق لإعادة بناء سوريا الحديثة أكثر صلابة في عدائها للمشاريع الامريكية في المنطقة وأكثر تمسكا بتحرير أرضها المحتلة وفي مقاومة ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ، وأكثر التزاما بإحداث اختراق ديمقراطي ، ونشر الحريات ورفع مستوى معيشة الطبقات الشعبية وتطوير آليات الحفاظ على التعددية الفكرية والسياسية .
إن انتصار سوريا واسقاط المشروع الامريكي في المنطقة يشكل الضمانة لاسقاط المؤامرة على القضية الفلسطينية ومحاولة لكعها نهائيا على الرف ، وهو يشكل المقدمة الضرورية لاستعادة القضية الفلسطينية عافيتها الكفاحية أيضا ..




**حفاظا على ثقافتنا السياسية النقدية !


هل يستطيع إطار سياسي ثوري وتقدمي أن يقرر موقفه من قضية معينة بحسب موقفه من السياسي الذي يطرحها ، أم عليه أن يقرر موقفه بحسب الموقف الاساسي التي يطرحه السياسي؟ وهو سؤال موجه بالاساس للناشطين السياسيين الشباب .. السياسة تتطلب طرح المواقف ، ويفترض أن جمهور الشباب هم أكثر من لا يقنع بأقل من الاقتناع .
وعلينا الحذر من أن تغزو صفوفنا، ثقافة غريبة عن ثقافة الشيوعيين والجبهويين السياسية ، بحيث يجري فيها تغليب التحيز الشخصي على التحيز الفكري والسياسي ، والالتزام للشخص لا للموقف ، وظهور جيوش التبرير بدلا من إثارة النقاش وتطويرالحوار والنقد الموضوعي، على منهج :" عنزة ولو طارت ". إن الدفع نحو منحى آخر من شأنه أن يصيب من الحزب الثوري التقدمي مقتلا، فماذا حين يكون مفهوم هذا الحزب ومضمون ثوريته يقوم في النظرية وفي الممارسة على مبادئ النقد والنقد الذاتي مثل حزبنا الشيوعي ؟ وجبهتنا الديمقراطية ؟.
إن حجم القائد الذي نريد يكون بمدى قدرته على الخروج الى الناس والاعتراف من دون مواربة ومن دون تدوير الزوايا بأنه أخطأ وهذا قابل للحدوث. إن التراجع بالفم الملآن عن خطأ ارتكبه السياسي يضيف الى رصيده السياسي ولا يأخذ منه ولا يؤخذ عليه.