مع الشاعر وضد عار السواعد


سهر العامري
2017 / 7 / 14 - 18:47     


تطفل نفر من المعلقين على الشعر ، وراح يتطاول على الشاعر سعدي يوسف بسبب من قصيدة نثر قالها ضد عسكري من عسكري صدام على ما قيل ، أو من جحافل الدمج التي دمجها الأمريكان بمقتضيات حاجة ماسة لهم وقتها ، وهي اشراكهم في القتال ضد ارهابي القاعدة ، وكان أغلب المدموجين هم من مليشيات شكلتها المخابرات الايرانية عشية الحرب ما بين العراق وايران .
خلال معركة الموصل حاول عار السواعد أن يظهر نفسه على أنه بطل متفرد ، ويقود جيشا لجبا ضد جيش آخر ، وليس ضد واحدة من العصابات التي استدرجها المالكي من أجل الدخول الى مدينة الموصل وفقا لمخطط أيراني ألزمته المخابرات الايرانية بتنفيذه ، وكان الهدف منه تحطيم مدينة الموصل ، وتهديم بيوتها على رأس ساكنيها ، فإيران تعتبر أن أكثر الضباط الذين اشتركوا في الحرب ما بين العراق وايران كانوا من مدينة الموصل ، ولهذا كان مخططها يقضي بسحب ارهابي داعش الى مدينة الموصل ، ومن ثمة القيام بمهاجمة تلك المدينة تحت حجة وجود داعش فيها ، وقد نفذ لها المالكي الطائفي هذا المخطط باخلاص ، فقد رفض المالكي التصدي لثلاثمئة عنصر من عناصر داعش كانوا قد تجمعوا لمهاجمة المدينة رغم اتصال السيد مسعود برزاني هاتفيا به ، ذلك الاتصال الذي طلب فيه البرزاني من المالكي أن يتصدى لهؤلاء النفر من الدواعش، ولكن المالكي رد على البرزاني بأن الوضع تحت السيطرة، هذا في الوقت الذي امر فيه المالكي قادة الفرق العسكرية الثلاث المرابطة في الموصل بسرعة الانسحاب من المدينة .
بعد ذلك بمدة من الزمن قامت القوات العسكرية في العراق بمهاجمة المدينة وفقا للمخطط الايراني المذكور ، وبحجة مهاجمة داعش فيها ، وقد ظهر من بين قادة الهجوم هذا عسكري يدعى عار السواعد ، وقد كان ظهوره على شكل منظر تمثيلي وهو يمسك القنابل بيده ، ويرفع كوابح صواعقها ، ثم يقوم بمفرده برميها على بيوت أهل المدينة ، ومن دون أن يكون هناك هدف واضح للعدو الداعشي يظهر خلال ذلك المشهد التمثيلي الذي قام به عار الدواعش .
لقد فات عار السواعد وعملاء السلطة في العراق ، وأتباعهم ممن باعوا ضمائرهم بأموال فقراء العراق المسروقة ، والمغتصبة من حكام هم عبار عن مجاميع من عملاء أمريكا وإيران ، ولكنهم يتنافخون شرفا على حد تعبير الشاعر مظفر النواب ، لقد فات هؤلاء جميعا أن زمن البطولات الفردية قد انتهى ، وذلك حين عاد سلاح المعارك هو المدفع ، والدبابة ، والطائرة الحربية ، فكيف يريدون أن يخلقوا من عسكري بطلا ، ومن خلال مشهد تمثيلي بائس ؟ كيف ؟
لقد سبق شعراء العربية الشاعر سعدي يوسف بسنوات وقرون في قول لا ترضى عنه السلطات ، ولا أزلامها من المتملقين المتسكعين في أبوابها ، فالشاعر لا يستأذن أحدا فيما يريد قوله ، اذكر هنا أن أحد اتباع حزب الدعوة قد دعاني لالقاء قصيدة في حفل يقلم بأحد الجوامع بمناسبة ميلاد الامام الحسين ، وذلك زمن حكم حزب البعث ، ومدير أمنه العام المجرم ناظم كزار الدزفولي ، وقد لبيت أنا الدعوة وباشرت بكتابة القصيدة ، لكنني فوجئت في اليوم الثاني بمجيء الرجل نفسه طالبا مني القصيدة كي يعرضها مع كل كلمات والقصائد التي ستلقى بالاحتفال المذكور على مسؤول منظمة حزب البعث الذي أمره بذلك ، لكنني رفضت بشدة أن أعطي قصيدتي ، وقلت له ، أي لعضو حزب الدعوة ، بلغ مسؤول حزب البعث من أنني لا أسلمه قصيدتي ، وإنني أنا المسؤول عن كل كلمة تقال فيها ، وقد ضمت قصيدة تلك هذا البيت الذي أزعج أتباع حزب البعث :
رداءة ُ الفكر لافلاطون خالقة ٌ... رداءة َ الحرب حين اجتاحنا التتر ُ
حتى أن مسؤول حزب البعث ، وبعد خروجي من الجامع قال لي : لقد جعلت أنت منا تترا ، قلت له : فسر ابيات القصيدة بما طالب وراق لك .
لقد تخطى الكثير من شعراء العربية حدود عار السواعد التي تخطاها الشاعر سعدي يوسف ، فهذا الشاعر المتنبي قد ذهب بعيدا ، واحتقر جميع ما خلق الله في بيته :
وكل ما خلق الله وما لم يخلق ِ ... محتقرٌ في همتي كشعرة في مفرقي
وهذا ابو نواس قد سخر من الحياة بعد الموت ، مثلما جاء في القرآن فقال :
حياة ٌ ثم موت ٌ ثم بعث ٌ ... حديث ُ خرافة ٍ يا أم َ عمرو !
ثم هذا ابو العلاء المعري الشاعر الفيلسوف يتعرض للذات الالهية فيقول مخاطبا ربه :
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ٌ ... وترزق ُ مجنونا وترزق ُ أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ .. رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا .
وعلى هذا لم يكن عار السواعد الذي أتى عليه الشاعر سعدي يوسف يصل في الرتبة والمقام لما ذمه الشعراء من قبل ، ولكن سلطة العملاء المفلسة في بغداد بحاجة لمهرجين يسوقون لها بضاعتها الفاسدة ، ومقابل ثمن معلوم مسروق من أموال الفقراء في العراق .