منعطفات جديدة في السياسة الامريكية


جاسم ألصفار
2017 / 7 / 11 - 15:42     

منعطفات جديدة في السياسة الامريكية
دكتور جاسم الصفار
في السابع والثامن من تموز عقد لقاء مجموعة "العشرين" في مدينة هامبورغ في المانيا، وقد تصدرت التوقعات عن ملابسات ونتائج لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بنظيره الامريكي دونالد ترامب عناوين الاخبار والمتابعات الصحفية التي غطت اخبار اللقاء الدولي الواسع. واشارت جميع التكهنات التي سبقت انعقاد اللقاء الى الاهمية الخاصة للقاء الرئيسين ببعضهما والى دور هذا اللقاء في رسم المعالم الرئيسية للعلاقة بين البلدين في المرحلة القادمة والتي قد تضع اساسا لعلاقة من نوع جديد بين الدولتين العظيمتين.
فدونالد ترامب يحضر اللقاء في ظروف سياسية مريحة له بعد ان تبددت اتهامات لمقربين من الادارة الامريكية الجديدة بعلاقة بروسيا يحاسب عليها القانون وما رافقها من موجة كبيرة من النقد في الصحافة الامريكية وتعيين روبرت مولير مدعيا عاما خاصا للتحقيق في امكانية تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية الاخيرة والتحقيق في ادعائات الرئيس السابق للمخابرات الامريكية جيمس كومي عن ادلة لديه تثبت تورط المقربين من ترامب بالعلاقة بروسيا.
هذه الاتهامات التي ساهم في تأجيجها وتضخيمها متنفذين في الدوائر السياسية الامريكية وكبرى وسائل الاعلام المحلية والعالمية جعلت من سلطة ترامب مهزوزة وغير مؤهلة لاتخاذ قرارات مصيرية وهددت الرئيس الامريكي نفسه ببدء اجراءات العزل بحقه كرئيس للولايات المتحدة الامريكية. الى ان تبددت تلك الاتهامات وفشل مطلقيها في تقديم ادلة تثبت اتهاماتهم، بما فيها انكشاف عدم وجود اية ادلة ملموسة من تلك التي ادعى امتلاكها جيمس كومي والتي تبين انها ليست سوى تفسيراته الشخصية لاقوال ترامب والمقربين منه. كما قامت CNN بطرد ثلاثة صحفيين من العاملين فيها بسبب نشرهم لاخبار غير موثقة عن صلات لمقربين من ترامب بالقيادة الروسية.
يضاف الى ذلك انتصار اخر حققه ترامب بصدور قرار من المحكمة العليا بالغاء قرارات محاكم امريكية قضت بعدم شرعية قوانين ترامب الاخيرة التي تحد من الهجرة والسفر الى الولايات المتحدة الامريكية من عدد من الدول. ومع ان القرار النهائي للمحكمة العليا سيتخذ في خريف هذا العام الا ان قرارات الادارة الامريكية بتقييد الهجرة ستكون فاعلة حتى ذلك الحين.
كل هذه التغيرات اعطت حرية اكبر للرئيس الامريكي دونالد ترامب في اتخاذ قراراته على المستوى الخارجي ومنحته فرصة كبيرة للايفاء بوعوده الانتخابية. فان كان عند المانيا وفرنسا امل في تراجع الرئيس الامريكي عن قراره بالخروج من اتفاقية باريس بشأن المناخ، فان هذا الامل قد تبدد بعد اعلان الرئيس ترامب عن مشروعه بمد خط لانابيب النفط الخام عبر المكسيك ورفعه للحظر السابق على التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي والمحيط الاطلسي وكذلك اعلانه عن خططه لتطوير انتاج مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والفحم الحجري لتصبح امريكا، وفقا لما صرح به الرئيس الامريكي، مصدَرا رئيسيا لها في العالم.
وبالتوافق مع تصريحات ترامب التي سبقت الانتخابات والتي حملت بعض الاشارات السلبية تجاه الصين، فان الرئيس الامريكي لم ينتظر اجراءات صينية على الارض من اجل كبح جماح كوريا الشمالية وسبق ذلك بقرارات تحظر التعامل مع بعض المصارف الصينية المتهمة بالتعاون المالي مع حكومة كوريا الشمالية. عدا ذلك فقد اتخذت امريكا قرارا استفزازيا للصين بقرارها بيع تايوان، التي تعتبرها الصين جزء من اراضيها، اسلحة بقيمة 1,42 مليار دولار، مستهينة بتبعات هذا القرار السلبية على مستقبل العلاقات الامريكية الصينية.
واخيرا يأتي اللقاء بين الرئيسين الامريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتن في مجموعة العشرين بعد تردد واضح من قبل الادارة الامريكية وفي ظل تصريحات معترضة على اللقاء من شخصيات فاعلة في دوائر صناعة القرار الامريكية، لولا ان يصرح الرئيس الامريكي نفسه على اعتاب لقاء مجموعة العشرين، معلنا رغبته الكبيرة في لقاء الرئيس فلاديمير بوتن. وهذا اشارة اخرى الى اصرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب على تنفيذ واحدة من اهم وعوده الانتخابية بتطبيع العلاقة مع موسكو. وحسب صحيفة الغارديان فان ترامب قد طلب من مجلس الامن القومي الامريكي اعداد خطة عمل لتحسين العلاقات مع الاتحاد الروسي.
المتابع لترامب منذ حملته الانتخابية قبل وصوله الى سدة الحكم في البيت الابيض يدرك تماما انه امام شخصية غير نمطية، ربما تكون متسرعة في احكامها وهشة في منطقها ومنغلقة في تصورها للمصالح الامريكية، وانها على العموم ليست نتاج تقليدي لرجال السلطة العميقة في النظام السياسي الامريكي، والمهم هنا هو ان ما يميز الرئيس الامريكي الحالي عن الذين سبقوه هو التزامه بمواقفه المصرح بها وتمسكه باراءه حتى وان تعارضت مع اراء مساعديه ورموز ادارته.
الرئيس ترامب يعتبر ان امريكا هي سيدة العالم وان عليها ان تنظم علاقتها بالاخرين وفقا لمصالحها، وأن الصداقة مع امريكا تقاس بالجدوى الاقتصادية من هذه الصداقة وهي غير مستعدة لتقاسم العالم مع احد حتى وان كان بعظمة وقوة وطموح روسيا، المنافس الاقوى على سيادة العالم لأمريكا. لذا فان دونالد ترامب سيسعى في تعامله مع الروس على اقناعهم بالقبول بدور محدود على الصعيد العالمي مع احترام مصالح روسيا في منطقة الاتحاد السوفيتي السابق وضمان تمتعها بالاستقرار الاقتصادي وتخفيف، ان لم يكن رفع، العقوبات الاقتصادية عليها مقابل تخليها عن طموحاتها الجيوسياسية والانحسار عمليا في الحدود الجغرافية لروسيا الاتحادية.
ولكن، هل ستقبل روسيا بدور ثانوي في العالم تمنحه اياها امريكا مقابل الاستقرار الاقتصادي في روسيا. لا حاجة لانتظار الجواب طويلا فقد كان خطاب بوتن في جزئه الخاص بالرد على خطاب الرئيس الامريكي الذي سبقه الى المنصة في لقاء مجموعة العشرين، واضحا وصريحا في نقده لفهم امريكا لموضوع حرية التجارة الدولية والتي تعتبر مؤشرا هاما من مؤشرات الحرية والسيادة الاقتصادية هذا اضافة لما ذكره الرئيس الروسي عن موقفه من تصريحات وزير الخارجية الامريكي بشأن مصير الرئيس بشار الاسد في سوريا وهي درسا اخر في السيادة الوطنية.