الملك عاريا


جاسم ألصفار
2017 / 7 / 8 - 13:35     

الملك عاريا
دكتور جاسم الصفار
في مقالتي الاخيرة "تأملات تسبق الانتصار" اعتمدت فكرة محورية عن ان المعركة ضد داعش قد تشعبت وضربت في جذور الفكر الظلامي الذي تأسست عليه داعش، وان هذا المنحى في القتال ضد داعش كانت له اثاره القوية في المجتمع العراقي كونه قد وجه نيران النقد للمنظومة الفكرية والسلوكية، أو لجزء مهم منها، التي تعتمدها كل الاحزاب الاسلامية في العراق، بما فيها تلك التي تحمل السلاح في القتال ضد داعش.
لذا تشكل مزاج له وزن في الشارع العراقي يشكك في جدية وقدسية انتماء احزاب الاسلام السياسي للدين الحقيقي البعيد عن الشبهات والمتسامي في رسالته على الفساد الديني والدنيوي. وكان للظهير العقائدي والفكري والسلوكي لداعش مضافا اليه فساد ممثلي الاسلام السياسي في سلطة المحاصصة الاثنية والطائفية، اساسا في خلق هذا المزاج، الذي اصبح يترجم سياسيا على انه ردة فعل من شأنها زعزعة استقرار القاعدة الجماهيرية لاحزاب الاسلام السياسي.
وهذا، في تقديري، هو ما يفسر حالة الهلع التي وصلتها قيادات تلك الاحزاب، وتلويحها بخطر الالحاد، الذي حسبهم، قد تفشى في المجتمع العراقي، متوعدين "بضربه بيد من حديد"، كما جاء في التصريح الناري الذي اطلقه السيد عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني. ولم يكن تصريح الحكيم قد ولد من فراغ، فقد سبق وان استخدم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وبعض انصاره من المجاميع المسلحة، صيغ مشابهة للتلويح بخطر مؤامرة تحاك على المشروع الاسلامي من قبل المدنيين والعلمانيين معبئِين الشارع العراقي الموالي لهم للتصدي لها.
في مقابلة تلفزيونية مع الداعية الاسلامي غالب الشابندر، تحدث فيها الشابندر عن واقع مرير تعيشه الاحزاب الاسلامية، تفرض انتشار سريع وكبير للالحاد في العراق. وان كان في دعوة الشابندر حرصا على الاسلام ومثله وليس فيها ما يشير الى التيار المدني، فان في تصريحات الاخرين حرصا اكبر على الامتيازات السياسية والمصالح الذاتية واشارة صريحة تارة وخفية اخرى في اتهام القوى المدنية في التحريض على الالحاد، خاصة اذا ما اخذ بنظر الاعتبار توقيت اطلاقها وطبيعة الشخصيات التي تطلقها.
واذا كان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي منسجما مع نفسه في عدائه للمدنيين فالسيد عمار الحكيم طيلة عهده في السياسة جهد ليقنعنا بأنه يدافع عن مبدأ المواطنة والحقوق المدنية وانه منفتح على الثقافة ومظاهر التحضر، لا بل وانه منفتح على الحوار من اجل تفاهمات مستقبلية مع قوى التيار المدني بما فيها الحزب الشيوعي العراقي، فما الذي استجد ليسقط السيد قناعه ويعود الى طبعه تكفيريا يضرب بيد من حديد على اعدائه ومناوئيه؟
يمكن تفسير هذا الهلع الاسلاموي من الالحاد بالانتخابات القريبة القادمة ومناوراتها واستحقاقاتها السياسية. فالتحالف الوطني فشل في لملمة صفوفه وتلاحق رموزه وتياراته تهم الفساد والتخاذل الوطني امام الاحتلال الداعشي اضافة الى فشله في ادارة البلاد بملفاتها الامنية والخدمية وغيرها. يقابل ذلك صعود نجم التيار المدني المنفتح على كافة التيارات الوطنية بما فيها جزء مهم من التيار الاسلامي، الذي تغيرت نظرته لنظام المحاصصة الاثنية والطائفية، مما يبشر بولادة اصطفاف جديد من اجل التغيير.
وتجدر الاشارة الى ان القوى المتنفذة في التحالف الوطني لم تكن مقتنعة اطلاقا بان التحالفات الجديدة التي ولدت مع حركة الاحتجاج السلمي الشعبية، وخاصة بين التيارين المدني والصدري، ستتعزز بهذه الصورة ليلوح في الافق السياسي المنظور مشروعا منفتحا ومؤهلا لخوض الانتخابات، مهددا اسس وروافع نظام المحاصصة الاثنية والطائفية. أما وقد بات هذا الامر واقعا، فلم تجد تلك القوى في جعبتها غير كيل الاتهامات التكفيرية للقوى المدنية من اجل تفكيك تحالفها مع التيار الصدري.
المهم هنا ليس ما يفسر حالة الهلع التي وصلها رموز الاسلام السياسي في هجومهم على الالحاد المزعوم، بل هو في اختيار واجهة او تهمة تعبوية مؤثرة ومرنة يسهل تسويقها واستخدامها من اجل الصاقها باي جهة او حتى باي مواطن كان لمجرد اي تذمر يبديه او يعلن عنه كردة فعل على ما يقاسي منه ويعانيه في بلد الخيرات المنهوبة. خاصة وان استدعاء وتسويق هذه التهمة ونشر استخدامها في الاوساط الشعبية القليلة التعلم له فائدة قصوى في التعبئة السياسية قبل كل شئ.
وعلى العموم فان استخدام تهمة الالحاد من اجل التعبئة السياسية هي جرم سياسي قد ينزلق ببساطة ليصبح جرما انسانيا وجنائيا ان برر للقمع والترويع والارهاب. وهي عن حق تهمة كاذبة لا اساس لها، وانها ليست سوى ردة فعل فرضتها عقيدة وسلوكية داعش الدموية التكفيرية اضافة الى تفشي فساد ممثلي احزاب الاسلام السياسي ، فهل من جريرة على من اكتشف ان "الملك كان عاريا".
وللعلم، فالالحاد الحقيقي ليس ردة فعل على سلوكيات وممارسات بل هو تبني لفكر بديل عن الفكر الديني، وهو يحتاج بالتالي الى تصور فلسفي اخر للعالم ولنظرية النشوء والكينونة للمادة والحياة. وانا اشك في ان تكون النسبة الكبيرة من "الملحدين" المزعومين هي على هذه الشاكلة.