بصدد الاستفتاء واستقلال كوردستان - الجزء الاول


مؤيد احمد
2017 / 7 / 7 - 00:45     


جدال الطبقات الاجتماعية وممثليها السياسيين


اعلن رئيس حكومة اقليم كوردستان مسعود البارزاني خلال شهر حزيران هذا العام عن قرار اتخذته رئاسة الاقليم لاجراء استفتاء في كوردستان العراق حول القبول باستقلال كوردستان وتشكيل دولتها مستقلة ام لا. كما وحدد موعد اجراء الاستفتاء بيوم 25 ايلول 2017. جاء الاعلان بعد الاتفاق بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني(البارتي) والاتحاد الوطني الكوردستاني( الاتحاد) واكثرية الاحزاب القومية والاسلامية الاخرى الفاعلة في كوردستان العراق .
يتسم موقف الشيوعيين في كوردستان والعراق بشأن هذا الاستفتاء وكيفية التعامل معه باهمية كبيرة، اولا، من حيث المبدء والنظرية بخصوص حل المسالة القومية الكردية وتحقيقه العملي، ثانيا، من وجهة نظر مصالح تطور نضال البروليتاريا الطبقي في كوردستان والعراق وتاثير هذا الموقف على مسار الجدال الدائر في كوردستان حول الاستفتاء.
بداية لابد من التأكيد على ثلاثة مواضيع
1. بالرغم من انه ليس هناك ظلم قومي على الجماهير في كوردستان حاليا ولكن هناك مسالة سياسية اسمها المسالة القومية الكردية. لقد تبلورت هذه المسالة عبرعقود من الصراعات والحروب واشد الجرائم التي ارتكبتها الانظمة القومية العربية وبالاخص النظام البعثي الفاشي بحق الجماهير في كوردستان العراق. ان كل ظاهرة ومسالة سياسية-اجتماعية كي تستمر تحتاج الى ان تتم اعادة انتاجها، ان سبب اعادة انتاج هذه المسالة حاليا مرتبط بدرجة الاساس بالصراع البرجوازي القومي الدائر بين الاحزاب الحاكمة في كوردستان العراق والتيارات الاسلامية والقومية الحاكمة في العراق. ان مجرد وجود النظام السياسي البرجوازي الاسلامي والقومي الحاكم في العراق وتحكم الاحزاب البرجوازية القومية الكردية بمقدرات الجماهير السياسية في كوردستان هو بحد ذاته ادامة للمسالة القومية الكردية وسبب لاستمرارها بشكلها الحالي. فبالتالي لا يمكن ان تتطابق مصالح واستراتيجية العمال والكادحين والحركة الشيوعية في كوردستان مع مصالح واستراتيجية البرجوازية القومية الكردية الحاكمة فيما يخص حل المسالة القومية الكردية في كوردستان العراق.
2. انه من الواضح الان، ان مسعود البارزاني والبارتي، وعلى العكس من ادعاءات قسم من الشيوعيين واليساريين وبالاخص قسم من قادة الاحزاب في الحركة الشيوعية العمالية، كان ولا يزال وعلى الاقل منذ 2007 يطرح بشكل جدي اجراء الاستفتاء وتشكيل دولة كوردستان المستقلة. نحن راينا كيف ان مسعود البارزاني طرح مسألة الاستفتاء والاستقلال في عدة منعطفات سياسية وامنية وعسكرية مرت بها كوردستان والعراق خلال تلك السنوات.
ان المطامح القومية للبارتي بمثابة حزب البرجوازية القومية الحاكمة المحافظة في كوردستان كانت، ولا تزال، تدفعه في ان يقوم باجراء الاستفتاء وتحقيق استقلال كوردستان، فتحقيقه كان مجرد مسالة الوقت والفرصة المواتية. وهذا هو ما يجري الان اذ يرى البارتي الظروف مهيئة للاستفتاء والاستقلال في اوضاع ما بعد الانتهاء من حرب داعش وفي الظروف الدولية الحالية واشتداد الصراع على الاستحواذ على الاراضي والثروات والغاز وآبار النفط وغيرها. بما ان الاتحاد وبسبب جملة من العوامل لم يستطع ان يلعب الدور القيادي في هذه المسيرة القومية البرجوازية، فاكتفى بان يكون شريكا للبارتي او بالاحرى تابعا له فيها. ان الاتحاد يهدف من المشاركة مع البارتي في اجراء الاستفتاء عدم اضاعة الفرص على نفسه الان ومستقبلا في الاوضاع المتقلبة ما بعد انتهاء الحرب مع داعش.
وعليه بين ذلك خطأ التحليل الشائع لدى قسم من قادة الاحزاب في الحركة الشيوعية العمالية حيث كانوا يؤكدون على ان الاحزاب القومية الكوردية الحاكمة البارتي والاتحاد غير جدية في الاستفتاء والاستقلال نظرا لمصالحها في الابقاء على النظام الفيدرالي القومي- الطائفي الحالي في العراق. ان هذا التحليل الخاطئ ادى: اولا الى سد الباب امام نقاش جدي وعميق حول الاستراتيجية الفعلية للبارتي والاتحاد فيما يخص الاستفتاء والاستقلال وثانيا، الى تبرير الدفاع الاوتوماتيكي عن الاستفتاء والاستقلال حالما تقدم الاحزاب القومية الحاكمة عليهما.
3. ان طرح سياسة استقلال كوردستان من قبل رفيقنا منصور حكمت سنة 1995 والذي تبناها الحزب الشيوعي العمالي العراقي كان مشروعا صححيا لحل المسالة القومية الكردية آنذاك وفي تلك الظروف. ان عدم اخذ التغيرات التي حصلت على العلاقات بين الطبقات والاستقطاب الطبقي في كوردستان ، الفصل الحاصل بين الجماهير والاحزاب القومية الحاكمة الذي تبلورت خلال 22 السنة الماضية، عدم اخذ الظروف المشخصة الحالية التي يمر بها كوردستان والعراق والمنطقة، اهمال السياسات والاسترايتجيات التي تتبعها القوى الامبريالية والدول الاقليمية تجاه العراق والمنطقة وبالتالي اهمال اربتاط كل عمل كبير مثل استقلال كوردستان بكل هذه المتغيرات والصراعات والادوار ليس سوى اهمال الواقع الموضوعي والابتعاد عن تبني موقف صحيح من وجهة النظر الماركسية تجاه الاستفتاء الحالي.
ان تطبيق السياسة التي طرحناها قبل 22 سنة على الواقع الحالي ليس الا عملية استنساخ ولصق تكنيكي لا يربطه شئ بتطبيق السياسة اي تحديدا السياسة " المشخصة" قبال "الظروف المشخصة" التي تحتاجها البروليتاريا واحزابها الشيوعية والتي تسلتزم الاخذ بالحسبان لجميع المتغييرات وتوزان القوى فيما بين الطبقات والانطلاق من مصالح تطور نضال البروليتاريا الطبقي والاممي وتحررها النهائي في اتخاذ الموقف تجاه مسألة مهمة كهذه.
سر الجدال الدائر الان في كوردستان حول الاستفتاء والاستقلال
4. ان الجدال الجاري حول الاستفتاء واستقلال كوردستان في الظرف الحالي المشخص والمحدد التاريخي هو جدال مهم اذ انه متعلق باصطدام مصالح الطبقات الاجتماعية في كوردستان. فموقف الاحزاب السياسية من مسالة الاستفتاء والاستقلال لا بد، وفي التحليل الاخير، ان يعكس بدرجة كبيرة موقف الطبقات المختلفة التي تمثلها تلك الاحزاب من نفس مسالة الاستفتاء والاستقلال.
ان هذا الجدال يبدو ظاهريا وكأنه جدال حزبي في صفوف التيارات البرجوازية واحزابها، وفيما يخص حركتنا، يبدو وكانه جدال بين المناصلين الشيوعيين داخل الحركة الشيوعية، ولكن من حيث الاساس والجوهر فهو في الحقيقة جدال فيما بين الطبقات الاجتماعية في كوردستان والتي تنعكس في الصراع بين الاحزاب والتيارات وممثلي الطبقات السياسين.
لم تكن هناك مسالة سياسية عامة وشاملة قدر مسالة الاستفتاء الحالي تجر كل مجتمع وطبقاتها الاجتماعية في كوردستان الى الحياة السياسية والى الحديث عن السياسة ودور الطبقات والاحزاب وحول مصير المجتمع في هذه البقعة من الكرة الارضية. قسم كبير من هذه السمات هو متعلق ببساطة بمسالة الاستفتاء كمسالة عامة تشمل المجتمع ككل وكآلية من آليات النظام البرجوازي الديمقراطي لمشاركة الناس في السياسة في اطاره ولكن، قسم آخر والاهم متعلق باوضاع كوردستان الحالية والصراعات الاجتماعية والسياسية التي تدور فيها في الوقت الراهن. لذا يتحتم على الحزب الماركسي ان يتعامل مع لاستفتاء والاستقلال كمسالة سياسية حيوية ومهمة وان يمثل مصالح البروليتاريا وجميع المحرومين والمضطهدين ويمثل الاممية البروليتارية باوضح الاشكال في هذه الانطلاقة فيما يخص علاقات الطبقات في مجتمع كوردستان وبالتالي علاقات الاحزاب في هذا المجتمع وعلى مسرح الحياة السياسية فيه.
انه للمرة الاولى يفتح المجتمع هذه الايام اعينيه على واقع جديد بعد ان كانت الحياة السياسية في كوردستان، بالرغم من كل داينميكياتها الاخرى، منجمدة ومنغلقة على نفسها ومتمحورة بالاساس حول تحديد المصير السياسي لمجتمع كوردستان وتحقيق الاستقلال. فهذا الواقع الجديد هو معارضة جنينية لاقسام من الطبقة العاملة والجماهير المحرومة بوجه البارتي والاتحاد ومُسائلتهما ليست على هذه او تلك من السياسات، ليست على المطالبة بالقضاء على الفساد ودفع الرواتب والاجور وتوفير الخدمات او تحقيق "الاصلاحات " و"تفعيل" البرلمان البرجوازية القومية كما ترفعها "حركة كوران" ، انما على مصير المجتمع السياسي. مسائلة الطبقة البرجوازية وممثليها السياسيين وبالاخص البارتي والاتحاد على تحكمهم بالمصير السياسي للجماهير في كوردستان. انه لعمل سياسي جماهيري جنيني حقيقي ذو ارتباط بمصالح بروليتاريا لا يقارن باي شيئ اخر تفصيلي يحدث في هذا المجتمع. بسبب ضعف الحركة الشيوعية والعمالية وضعف الحزب الشيوعي العمالي في كوردستان نحن لا نستطيع ان نؤثر بشكل جدي على نتجية الاستفتاء ولكن الموقف البروليتاري الصحيح تجاه هذه المسالة سيقوينا ويزرع الامل بحزبهم وبالشيوعية في صفوف القادة والناشطين الطليعين البروليتاريين في كوردستان والمنطقة.
الاستفتاء والاستقلال الحالي وعلاقته
بحل المسالة القومية الكردية
ان بعض الرفاق مدافعي الاستفتاء الحالي والتصويت بنعم للاسقلال لا زالوا يؤكدون بشكل عام على ان استقلال كوردستان سيؤدي الى جر البساط من تحت اقدام الاحزاب الحاكمة في كوردستان اذ انهم يقولون سوف لن تبقى "ذريعة عدم استقلال كوردستان" بايدي البرجوازية القومية الكردية الحاكمة للاستمرار بحكمهم على الجماهير واهمال مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما، ويؤكدون على ان الانفصال سيعطي الوضوح للصراع الطبقي داخل مجتمع كوردستان ويفتح المجال لتحقيق استراتيجية الشيوعيين في تحقيق الثورة الاشتراكية في كوردستان التي يمكن تحقيقها فقط حالما تكون هناك دولة مستقلة.
غير ان كل ذلك محل جدل. فلا يعرف احد كيف ستتصرف البرجوازية القومية الكردية الحاكمة، ما بعد الانفصال، وكيف ستستخدم ذرائع اخرى وباسم الدفاع عن القومية والدولة المستقلة الكردية للتمسك بسلطتها وترسيخها لا بل جر الجماهير لىتحمل الفقر والعمل المضني والمآسي لبناء "جمهورية" كوردستان المستقلة وتحمل سياسات نيو- الليبرالية والفساد ودفع ضريبة الحروب القومية الخارجية والنزاعات الداخلية بين الأدارتين بدماء العمال والكادحين وهلاكهم . هذا وان تحقيق الاستراتيجية الاشتراكية في كوردستان المستقلة ليس وعدا اذ لهذا المفهوم ربط وثيق بما نعمله الان. ان تجسيد السياسة البروليتارية والشيوعية تجاه الاستقلال وفي خضم الصراع السياسي الحالي حول الاستفتاء واستقلال كوردستان هو عامل مهم في خلق الاستمرارية في ربط اعمال اليوم بالمستقبل وتحقيق استراتيجيتنا الاشتراكية.
ان المسالة الاساسية الحاسمة في الحقبة الحالية هي مسالة توفيرالامن والآمان للجماهير في كوردستان والعراق، دع الان جانبا المنطقة، في الظروف الحالية للتقسيمات الطائفية وانزلاق المجتمعات الى مآسي التقسيم والحرب الطائفية والقومية. انه من الواضح ان توفير الامن الدائم والثابت اصبح امرا ذات صلة وثيقة بتحقيق الثورة الاشتراكية للطبقة العاملة في العراق المنطقة حيث ان الامان الذي تريده البرجوازية ليس الا القبول بالدكتاتورية والخنق السياسي والقبول بالاستقرار البرجوازي على نمط بقاء نظام الاسد وامارات شيوخ الخليج والجمهورية الاسلامية في ايران والجنرال سيسي واستبداد اردوغان الشوفينية وحكم تيارات الاسلام السياسي الشيعي في العراق ونموذج حكم البارتي والاتحاد في كوردستان. ان هذا النوع من توفير الامان هو سلب الامان من العمال والكادحين وهو سيطرة الثورة المضادة البرجوازية المطلقة وخنقها للمجتمعات للعقود القادمة من الزمن.
ان مغامرات البارتي الرجعيه وكل تاريخ هذا الحزب المليئ بجلب الماسي على الجماهير في كوردستان وارتباطاته الحالية مع اشد اعداء الانسانية من السعودية وامريكا والشوفينين القوميين في تركيا وغيرهم، جعله حزبا برجوازيا قوميا مهددا للامن وأمان الجماهير في كل خطوة يخطوها فيما يخص ادعائاته في تشكيل دولة كوردستان المستقلة وفي كل سياساته وتكيتكاته في سياق تحقيق هذا الهدف.
ان الجوهري في الامر هو انه يتلاعب اليوم بمصير الجماهير في اخطر فترة من فترات انزلاق المجتمعات وانهياراتها المتسلسلة واشد مراحل الصراع على تقسيم مناطق النفوذ وتطبيق الاستراتيجيات بعيدة المدى للدول الامبريالية والاقليمية تجاه المنطقة. ان المسالة القومية الكردية باتت متواجدة ومستمرة ويعاد انتاجها في قلب هذه الاوضاع. ان كوردستان العراق جالس على بحر من الابار النفطية واحتياطيات الغاز، فالبرجوازية القومية الكردية واحزابها الميليشياتية تعمل كل ما بوسعها من اجل الادامة بحكمها وتحقيق مطامحها القومية البرجوازية على حسب امن وامان الجماهير وسلب السعادة منها.
كما اشرت اليه اعلاه ان دور البروليتاريا السياسي المستقل ونضاله الجماهيري ليس مؤثرا في الوقت الحالي في كوردستان ولكن الحزب الذي يريد ان يقوي هذا الدور السياسي لا يمكنه ان يحققه من خلال جر البروليتاريا وراء اجندة البرجوازية الحاكمة وايقاعها في مصير مجهول. ان الدعوة الى المشاركة في الاستفتاء الحالي والدعوة الى التصويت لصالح استقلال كوردستان وفق اجندة البارتي ليس الا، ومع الاسف ، تجريد الدور الطليعي من الشيوعيين واعطاء صك ابيض للبرجوازية القومية الكردية وتحديدا البارتي للتحكم بمصير الجماهير وايقاعها في مغامراته المهددة لامنها وامانها. ان طرح الاستفتاء الحالي واستقلال كوردستان من قبل البارتي وباجندته واستراتيجية الغارقة في الرجعية والمخاطر وبحكمه الدكتاتوري ليس الا الخطو في العالم المجهول وجر البروليتاريا والجماهير نحو اخطر المجازفات وبالتالي ضياع البوصلة والدورالطليعي للدفاع عن مصالح تطور النضال الطبقي العمالي في كوردستان .
للبحث بقية
6 تموز 2017