النفط والاستراتجيه العسكريه الاميركيه


محمد سعيد العضب
2017 / 7 / 6 - 08:27     

ساد اعتقاد وظل ايمان راسخ , بان الخليج ونفطه سيظل يتحكم في عصب الحياة في الغرب . ان المقالة التي نعرضها اليوم للقارئ تحاول تفنيد مثل هذه المقولة, وتري ان نفط الخليج غاب عنه دلالته كسلاح استراتجي,حينما تحول, كما اصبح فعلا مجرد سلعه تعرض في سوق العرض والطلب .
ففي شهر يناير من عام 1980 اعلن الرئيس الاميركي جيمي كارتر في خطابه الموجهة للامه , ومن اجل حمايه التدفق الحر للنفط من الشرق الاوسط يتوجب علي الولايات المتحدة الأميركية التصدي لكافه محاولات القوي الخارجية الراميه للسيطره علي الخليج .
فالسيد كارتر وما بعده من الرؤساء اكدوا علي تعهداتهم هذه , حيث تم تصعيد القدرات العسكرية الأميركية في الخليج من ناحبه , وكما دخلت اميركا في حرب مباشره لا عاقه صدام في الهيمنة علي نفط الخليج من ناحيه اخري .
وعلي الرغم من المصالح الأميركية المختلفة في الخليج بما في ذلك منع انتشار الأسلحة النووية ومحاربه الارهاب ونشر الديمقراطية , ظل التدخل من اجل ضمان تدفق النفط محور سياستها الاساسي والسبب الحاسم في التدخل في شوؤن المنطقه , وتكيف اوضاعها انسجاما مع اهدافها الاستراتيجية العليا هذه ..
وهكذا استمرت سياسيه التدخل الاميركي في الخليج لعقود طويله , رغم تغيير الاعداء وزوال خطر الاتحاد السوفيتي .
بعد انهيار نظام الحكم فيه , وتحوله الي دوله تسير في قافله المعسكر الغربي .
من هنا طرح الكاتب تساؤل حول جدوي استمرار التدخل العسكري الاميركي في الخليج من اجل ضمان تدفق النفط .
لاجل الاجابه علي هذا السؤال المحير , حاول الباحث ربطه مع اربع قضايا اساسيه , اعتقد انها تشكل مفتاح الفهم للاستمرار او عدم استمرار الولايات المتحده الاميركيه تحمل هذه الاعباء لاقتصاديه المكلفه من جراء مساعيها في حمايه اواعاقه انقطاع تدفق النفط من منطقه الخليج .. وهي :
اولا: ماذا يحدث ان انهت الولايات المتحده التزاماتها التاريخيه لحمايه تدفق النفط في الخليج؟ وهل سيودي ذلك الي تزايد حالات انقطاع النفط من الخليج ؟
ثانيا : ماهي حجوم الاضرار المتاتيه من انقطاع النفط من منطقه الخليج علي الاقتصاد الاميركي ؟
ثالثا : ماهو حجم الانفاق الاميركي الحالي للدفاع وضمان تدفق النفط من منطقه الخليج ؟
رابعا ماهي البدائل غير العسكريه المتاحه لتامين عدم انقطاع النفط من المنطقه , وتدفقه للاسواق العالميه ؟
تكشف الاجابه علي هذه التساولات مقاربه ضروريه بين المنافع والكلف التي تتحملها الولايات المتحده الاميركيه من هذه السياسيه المعتمده لعقود طويله .
من هنا حاول الباحث ان تولي الولايات الاميركيه اهتماما جديا ومراجعه حقيقه لهذه السياسه, والنظر جديا في الخيارات المتاحه من اجل انهاء التزاماتها التقليديه المكلفه لحمايه تدفق نفط الخليج الي الاسواق العالميه, مؤكدا علي ان الاستثمار في الوسائل والمجالات التي تعمل علي تقليص اضرار الاقتصاد الاميركي من جراء انقطاع نفط الخليج .
ولاجل النظرجديا في احتمالات مدي انسحاب الولايات المتحده من الخليج , فلابد من وضع تصورات واقعيه حول امكانيه انفطاع تدفق النفط من الخليج وهل يتحقق ذلك فعلا؟ عليه حاول الكاتب عرض سيناهورات مختلفه عديده توكد معظمها علي عدم امكانيه حدوث ذلك .
لناخذ مثلا احد هذه السيناهورات الذي يتجلي في تمكن احد بلدان الخليج من فرض سيطرتها علي نفط المنطقه ,بالتالي المضاربه والتحكم بسعر ه في السوق العالمي , وذلك من خلال غزوها علي احد جيرانها خصوصا وان الواقع السياسي الحاليقد ينبأ بمثل هذا الاحتمال او
هناك بوادر لتحقق مثلهذا ,خصوصا بعد تصاعد الازمه بين السعوديه و قطر, وربما نعود بالذاكره الي غزو صدام الكويت, اي قيام السعوديه غزو جارتها الصغيره والغنيه بمورد الغاز والنفط ,كله لفرض هيمنها علي سوق النفط والغاز العالمي. مع ذلك يعتقد كثره من المراقبين بعدم امكانيه تحقق ذلك ولاسباب عديده منها, خصوصا ما تركته رعونه العمل العراقي , وما تمخض عنه من كوارث ليس فقط علي العراق ,بل المنطقه برمتها من ناحيه, وتعزيز وتقويه اسرائيل وتحولها الي قوه رادعه اولي في منطقه الشرق الاوسط وشمال افريقيا من ناحيه اخري .
يكمن الخطر الثاثي المحتمل في ان توسيع الحرب في المنطقه قد تودي الي انقطاع تجهيز النفط , وذلك من خلال تخريب البني التحتيه للقطاع النفطي من ناحيه, وارتفاع كلف الشحن والتصدير من الخليج من ناحيه اخري . ان تجربه الحرب العراقيه الايرانيه في الثمانيات رغم استمراها لاكثر من ثمان اعوام لم تودي الي انقطاع كامل لتدفق انفط من الخليج رغم انخفاض مستويات انتاجه او تعرضه لانقطاعات وقتيه طفيفه عادت بعدها الاسعار الي مستوياتها المسجله لما قبل اندلاع الحرب هذا ولم تعيق الحرب من ظهور تخمه نفطيه في منتصف الثمنيات,, قادت بدورها الي تراجع دراماتيكي في الاسعار .
يكمن الخطر الثالث الممكن ان تقوم ايران في غلق مضيق هرمز من اجل اخضاع او اجبار الولايات المتحده وحلفاءها . فهذا المضيق الضيق الذي لاتجاوز عرضه عن 27 ميلا يعتبر ممرا حاسما لاكثر من 27 مليون برميل يوميا او ما يعادل20%من الانتاج العالمي , وعلي الرغم من افتقار ايران الي القدرات العسكريه لغلق مضيق هرمزكاملا , الا انها تمتلك امكانات عرقله مرور البواخر من خلال وضع الالغام او اطلاق الصواريخ من البوارج الحربيه ,مع ذلك يشكك الخبراء بقدرتها علي اغلاق كامل اونياتها في اعاقه تدفق نفط الخليج لاسباب عديده : اهمها حيث انها سوف تخسر ايرادتها من تصدير نفطها التي هي بحاجه قصوي لها من ناحيه ولربما تصاعد معارضه او عداء جيرانها من جراء ذلك من ناحيه اخري .
المخاطره الاخيره الكبري التي تواجه تدفق النفط من بلدان الخليج الرئيسه المنتجه قد تكمن في وقوع هذه البلدان في حاله عدم استقرارفي اوضاعها الداخليه, مما قد تودي الي توقف الانتاج النفطي او تراجع مستواياته الي حدود دنيا , هذا وتمثل السعوديه في هذه الحاله السيناريو الاكثر سوادا , بل تشكل الكابوس المحتمل .حيث ينتج هذا البلد ليس فقط 10% من الانتاج العالمي ,بل تمتلك طاقات احتياطيه قد يمكن استغلاله لمواجهه اي انقطاع او توقف الانتاج في امكنه اخري من العالم .
في المنظور الحالي يبدو ان الصادرات السعوديه امنه التجهيز .مع ذلك تبدو ان القوات الامنيه السعوديه جاهزه رغم تشكيلها عقده حرجه في البنيه التحتيه للقطاع النفطي رغم توافر امكانات اصلاح العناصر الاخري في النظام بسرعه ان تعرض الي اعمال تخريب من القوي الارهابيه .
هذا ورغم ان السعوديه تواجه صعوبات جمه, لكن هناك احتمالات قليله بحصول انقطاع كبير يدوم لفتره طويله ,كما يحصل اعتياديا اثناء الحروب الاهليه او الثورات . فالعائله المالكه وعت جيدا ولاحكام شرعيتها فقد حاولت منح غالبيه السكان منافع جزئيه من الثروه النفطيه,, كما ظلت تتمع بقوات امنيه رادعه و علي درجه عاليه من الكفاءه, كله اثبت في قدرتها من نجاتها او عدم تعرضها لهبات الربيع العربي الذي اجتاح المنطقه قبل فترة وجيزه . علاوه علي ذلك فان اندلاع حربا اهليه او ثوره في بلد نفطي يحتم علي النظام الجديد الاستمرار في بيع نفطه باعتباره هذا المورد هو المصدر الوحيد لتمويل الموازنه العامه للدوله ودفع فواتير الاستيراد الكبيره حيث لاتتوفر مصادر اقتصاديه بديله ورصينه مثا انتج صناعي وطني قويو او نشاط زراعي مبدع

ان قيام الولايات المتحده الاميركيه في انهاء التزاماتها العسكريه المباشره في الخليج لا يعني انها تختلي كليا عن هذه البلدان, وهكذا ستظل تعمل في اسناد القوات الامن السعوديه سواء من خلال التدريب وتبادل المعلومات الامنيه وبيع الاسلحه والتجهيزات العسكريه للحكومه السعوديه. قد يمكن ان الانسحاب العسكري الاميركي من الخليج قد ينجم عنه توقف تدفق النفط ,خصوصا عبر مضيق هرمز, لكن يبقي التساول مطروحا ماهي الكف الاضافيه التي سوف تتحملها الولايات المتحده من جراء ذلك .
تتباين تقديرات الخبراء حول الخسائر الاقتصاديه الناجمه عن انقطاع تدفق النفط من الخليج , لكن التقديرات الحاليه تشير ان 1%في تقليص التجهيز ( العرض) قد يودي الي زياده 8% في اسعار النفط العالميه باستخدام الارقام الرياضيه يعني ان انقطاع ما يعادل 10 مليون برميل في اليوم والذي يمثل الانقطاع الكامل للصادرات السعوديه او تقليص الصادرات العابره لمضيق هرمز بنسبه 60% ,كله قد يودي الي مضاعفه سعر النفط في السوق العالمي , هذا ولم تحصل انقطاعات في تدفق النفط بهذا الحجم في التاريخ المعاصر . هذا وتظل مثل هذه احتمالات نظريه قد لا ترقي الي واقع ملموس .
تتباين تقديرات حساسيه الاقتصاد الامريكي اتجاه التغييرات في سعر النفط , لكن تشير بعض التقديرات المعقوله ان مضاعفه سعر النقط قد ينجم عنه انخفاض في الناتج المحلي الاجمالي الاميركي بما يعادل 3% او ما يعادل 550 بليون دولار. بالطبع ان انقطاع تدفق النفط بمعدلات اقل من ذلك , يعكس بالضرورة خسائر اقل سواء ناجم من غلق كامل لمضيق هرمز اوغيرها ..
هذا وان الكلفه الفعليه التي تتحملها للولايات المتحده ستكون اقل من ذلك بكثير , حيت ستقوم واشنطن الاستفاده من رصيد "الاحتياطي النفطي الاستراتيجي" الذي اعد لمواجهه حالات الطوارءي وتقليل الضغوط علي سعر النفط . يقدر هذا الاحتياطي حاليا بما يعادل 700مليون برميل , وهو جزء من احتاطي بلدان وكاله الطاقه الدوليه( التي تاسست عام 1974) والبالغ 4 بليون برميل . هذا ويمكن لهذا الاحتياطي ان يعوض بالكامل سد مضيق هرمز لمد ه 8 اشهر .
عليه يبدو ان مخاطر خسائر انقطاع النفط من الخليج واثره السلبي علي الاقتصاد الاميركي مبالغ فيه. حاول الكاتب في حساب الكلفه المنعفه لانهاء الالتزمات العسكريه الاميركيه في الخليج احتساب كلفه استمرار التواجد او الالتزام العسكسري في المنطقه حيث ان معظم هذه الكلف تكمن من جراء شراء وتشغيل القوات التي تساند الماكنه الحربيه الاميركيه والتي تستخدم لاهداف اميركيه استراتجيه اخري قد لا ترتبط فقط في ضمان تدفق النفط من الخليج فالحرب في العراق عام 2003 لم تستهدف ضمان تدفق النفط لكن وجود النفط في البلد قد دفع صانع القرار في تاويل ذلك وترويجه شعارات وهميه اخري مثل ضمان الاستقرار ودمقرطه المنطقه وغيرها ان انهاء الالتزمات العسكريه في الخليج قد يجلب وفورات ضخمه للولايات المتحده الاميركيه سواء في الاموال او الارواح .
واخيرا يطرح السؤال حول البدائل العسكريه المتاحه لحمايه نفط الخليج ؟ ان كان الالتزام العسكري في الخليج الطريق الوحيد لتلقيل المخاطر الاقتصاديه من انقطاع تدفق النفط من الخليج فعندئذ لابد من من المحافظه علي هذه السياسه . رغم ذلك يجب علي الولايات المتحده الاميركيه تبني سلسه من الخيارات غير العسكريه في زياده العرض وتقليل الطلب التي تصاعد القدره في مواجههالانقطاعات الكبيره او غيرها . هذا وقام الباحث في تحليل هذه القضايا سواء من جانب العرض ( تحسن قدرتها لاحلال النفط الحجريومن خلال زياده الاحتياطي النفطي الاستراتجي ) او جانب الطلب( تقليل استهلاك الاقتصاد معزله عن الزياده في السعر) ان بعض الاستثمارات في اجراءات تقليص الاستهلاك بالاقتصاد الاميركي وان انفاقها ما بين 100-200بليون دولار في جهود مختلفه قد يساهم في تقليص الاستهلاك النفطي الي النصف . ان الاستثمار بحدود 10 بليون دولار في اجراءات اقتصاد الطاقه قد يشكل مبلغا زهيدا من انفاقها العسكري في الخليج والبلاغ سنويا 75 بليون دولار .هذا ويمكن للولايات المتحده اقتفاء ومتابعه الجهود الدوليه لتقليص الاثار الاقتصاديه لانقطاع تدفق النفط من الخليج ومنها علاوه علي ذلك توسيع الاحتياطي النفطي الاستراتيجي علاوه علي ذلك يجب علي الولايات المتحده الضغط علي بلدان الخليج وخصوصا السعوديه لتقليل انكافها علي ممر مضيق هرمز من خلال اقامه انبوب يتجنب مضيق هرمز .
هذا وسيظل متخذ القرار الاميركي وكما حاله عبر عقود طويله في اعتقاده الوهم في ضروره حمايه نفط الخليج , رغم تداعي اسس ومقومات مثل هذا الالتزام وبشكل ملحوظ. فاستمرار الولايات المتحده الاميركيه لما يطلق عليه الالتزامات في حمايه تدفق النفط من الخليج التي قامت علي تصورات خاطئه سيظل يشكل تكلفه اضافيه غير مبرره للاقتصاد الاميركي قد يمكن استثمارها في مجالات اكثر جدوي في اطار الاستراتجيه الاميركيه الكونيه ,


اصل الدراسه باللغه الانكليزيه :
Getting out of the Gulf
Oil and U S. Military Strategy
By Charles L. Glaser and Rosemary A. Kelanic
Foreign Affairs, jan.feb. 2017