الطريقة النسبية في غزو الفضاء!


جواد البشيتي
2017 / 6 / 27 - 13:09     


نحن أبناء القرن الحادي والعشرين نَنْظُر إلى عالَمِنا (أو الكرة الأرضية) على أنَّها "قرية كبيرة"، نجوبها، ونتواصَل فيها بحاسَتَيِّ السمع والبصر، ونتبادل ما نُنْتِج، في زمن ضئيلٍ متضائلٍ، مُحْرِزين مزيداً من السيطرة على المكان والزمان من طريق تَضْييقنا فَوَاصِل المكان والزمان؛ لكنَّ فَوَاصِل المكان والزمان على المستوى الكوني ما زالت تتحدَّانا أنْ نُضَيِّقها ولو قليلاً؛ فأبعد مكان وَصَلْنا إليه برجالنا هو القمر الذي يبعد عن الأرض نحو 400 ألف كم، أيْ أكثر قليلاً من ثانية ضوئية (الشمس تَبْعُد عن الأرض نحو 150 مليون كم، أيْ نحو 8 دقائق ضوئية).
للسفر (وللوصول) إلى أماكن (نجوم أو كواكب) بعيدة جدَّاً في الكون، نحتاج إلى "وسيلة مواصلات كونية" هائلة السرعة؛ ولِجَعْل الكون كله "قرية كبيرة"، نحتاج إلى "وسيلة مواصلات كونية" تسير بسرعة تُقارِب (لا تَعْدِل، ولا تتجاوَز) سرعة الضوء، والتي هي 300 ألف كم/ث؛ فليس من شيءٍ في الكون يمكنه السَّير بسرعة الضوء.
لِنَفْتَرِضْ أنَّنا امتلكنا هذه "الوسيلة"، وأنَّ وِجْهَة سفرنا هي كوكب يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية؛ فكيف لنا أنْ نَصِل إليه والإنسان لا يمكنه أنْ يبقى على قَيْد الحياة أكثر من 120 سنة (مثلاً)؟
لو كانت السرعة القصوى لهذه "الوسيلة" هي 290 ألف كم/ث، لاسْتَغْرَق وصولنا إلى هذا الكوكب نحو 120 مليون سنة؛ وليس في مقدور أي إنسان أنْ يبقى على قَيْد الحياة 120 مليون سنة.
والاستنتاج "المنطقي" مِنْ ثَمَّ هو "استحالة السفر (والوصول) إلى ذاك الكوكب، ولو سِرْنا بهذه السرعة (290 ألف كم/ث) التي تُقارِب سرعة الضوء.
هذا الاستنتاج "المنطقي" خاطئ من وجهة نظر "النسبية العامة" لآينشتاين؛ فبحسب هذه النظرية، يتباطأ الزمن لدى المسافِر (بهذه السرعة) مع كلِّ زيادة في سرعته؛ والاستنتاج، مِنْ ثمَّ، هو الآتي: يمكننا، إذا ما زِدْنا سرعتنا، في استمرار، وصولاً إلى السرعة 290 ألف كم/ث، أنْ نَصِل إلى ذاك الكوكب (الذي يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية) بَعْد 6 دقائق (مثلاً) من مغادرتنا كوكب الأرض.
المسافرون إلى ذاك الكوكب تأكَّدوا إذْ نظروا في ساعاتهم أنَّ رحلتهم استغرقت 6 دقائق فحسب؛ وفي أثناء هذه الرحلة نَبَضَ قَلْب كل مسافِر نحو 420 نبضة، وزاد عُمْرُه 6 دقائق فحسب؛ ومع ذلك، لم تَسِرْ "الوسيلة" بسرعة تَفُوق سرعة الضوء.
ولو سَأَلْتَ المسافرين عن المسافة التي قَطَعوها لأجابوكَ قائلين: إنَّها 87 مليون كم؛ فالمسافة التي كانت 100 مليون سنة ضوئية اخْتُصِرَت إلى 87 مليون كم، أيْ 5 دقائق ضوئية.
امتلاك هذه "الوسيلة" قد يُغْري بعض الناس على صناعة "سفينة نوح الكونية"؛ وهذه السفينة قد تَتَّسِع لمئات الآلاف، أو للملايين، من البشر، وتكون نسخة اصطناعية من كوكب الأرض، أيْ من البيئة الأرضية، وتَصْلُح، مِنْ ثمَّ، للعيش الأبدي فيها.
عندئذٍ، قد يصبح في مقدور الإنسان (الفَرْد) في هذه السفينة أنْ يَجوب الكون كله (من أقصاه إلى أقصاه) مرَّات عِدَّة في حياته (أيْ في 100 سنة مثلاً). وهكذا، يصبح الإنسان سيِّد المكان والزمان على المستوى الكوني!