قصة حُب خارجية وليست صاحبة الرايات ..عن قطام وابن ملجم في ضوء ما كتب أسامة أنور عكاشة


دانا جلال
2017 / 6 / 24 - 22:47     

في مقالة بِعنوان أولاد الزِنا لِلمؤلف المصري أسامة أنور عكاشة ذكر إنَّ قطام بنت شحنة التميمية قد اشتهرت بالبغاء العلني في الكوفة، وكان أباها "شحنة بن عدي" وأخاها "حنظله بن شحنة" مِنْ الخوارج وقد قُتلا معاً في معركة النهروان، لهذا السبب طلبت مِنْ عبد الرحمن ابن مُلجم عندما جاء لِخطبتها أنْ يضمن لها قتل علي بن ابي طالب كشرط موافقة الزيجة.
الدعارة في المجتمع الجاهلي عدا كونها ظاهرة فرضت نفسها وبشكل علني (وكانت العواهر تنصب على أبواب بيوتها رايات لتعرف بها. ومن شتائمهم: يا ابن ذات الراية! ). (1) فإنها كانت تُمارس وفق ضوابط وقواعد وعَقدْ بينَ سادة القوم والعاهرات، (وكانت سُمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة إلى الحارث بن كَلَحَةَ، وكانت تنزل بالموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا). (2)
في مجتمع شبقي، الجنس أحد أبرز مشاغله، (قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم، قال: لكنه في نسائكم يا بني أمية أبين).(3) وتحت رايات صاحباتها، كانت لِصاحبة الراية مكانة اجتماعية لِدرجة انها كانت تجمع سادة القوم وتحكم ومن ثم تتحكم، (إنّ عمراً اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان, والعاص, فقيل: لتحكم أُمّه، فقالت: إنّه من العاص بن وائل.
فقال أبو سفيان. أما إنّي لا أشكّ إنّني وضعته في رحم أُمّه، فأبت إلاّ العاص، فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسباً. فقالت: إنّ العاص بن وائل كثير النفقة علَيَّ، وأبو سفيان شحيح). (4)
هَلْ كانت قطام مِنْ أصحاب الرايات أمْ عُلقت الراية فوق بابِها في صفحاتِ التاريخ العربي كعملية انتقام منها على خلفية دورها بِقَتلِ خليفة الفقراء علي بن أبي طالب؟
لَمْ نجد في المصادر العربية ولإسلامية ما يؤكد تُهمة الزنا بِحق قطام بنت شحنة التميمية، بل كانت مؤمنة تعتَّكفْ المَسجد، ومُقاتلة في معارك الخوارج التي آمنت بهم.
انتقمت قطام لِمقتَّل والدها وشقيقها،( وأقبل عبد الرحمن حتى قدم الكوفة، فخطب إلى قطام ابنتها الرباب، وكانت قطام ترى رأي الخوارج، وقد كان علي قتل أباها وأخاها وعمها يوم النهر، فقالت لابن ملجم: لا أزوجك إلا على ثلاثة آلاف درهم، وعبد، وقينة، وقتل علي بن أبي طالب). (5)
كانت قطام على خلاف ما ذكرة الكاتب أسامة أنور عكاشة مُقاتلة تَخرج مع مقاتلي الخوارج في حروبهم، ( ثم خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فعاب ذلك عليه أبو بلال بن أدية، فقال: قد قاتل النساء مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومع المسلمين بالشام). (6) بل وكانت تعتَّكف المَسجد، ( فجاؤا قطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة، فقالوا: قد اجتمع رأينا على قتل علي، قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني). (7)
تزوجت قطام إبن عمها وقاتل الخليفة الرابع بعد قصة عشق يُمكن اعتبارها مِنْ قصص العشق في عالم السياسة وليس الدعارة كما يُشاع. كان مهرها الأغلى بين العرب والعجم، قال الفرزدق:
(ولـم أر مـهـراً ســاقـــه ذو ســـمـــاحة كمهر قـطـام مـن فـصـيح وأعـجـم
ثلاثة آلاف وعـــــــبـــــــــداً وقـــــــــــــــينة وضرب علي بالـحـسـام الـمـصـمـم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا ولا فتـك إلا دون فـتـك ابـن مـلـجـم).(8)

1- نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب - ابن سعيد ص 128
2- مروج الذهب - المسعودي ص350
3- أنساب الأشراف - البلاذري ص273
4- الأنساب – السمعاني ص209
5- الأخبار الطوال - أبو حنيفة الدينوري ص84 والطبقات الكبرى- ابن سعد ص431
6- الكامل في التاريخ - ابن الأثير المؤرخ ص610
7- المنتظم - ابن الجوزي ص632
8- الأخبار الطوال - أبو حنيفة الدينوري ص85