في قضية الركوب على الحراك


عبد الله الحريف
2017 / 6 / 22 - 01:32     


هناك من يرى في أي تضامن مع الحراك محاولة للركوب عليه. إن النظام وأبواقه المأجورة، بما فيها التي تتظاهر بالغيرة على الحراك وبالدفاع عن استقلاليته، تستهدف من ذلك، بوعي وعن سابق إصرار، عزل الحراك عن المحيط المناضل والقضاء عليه.
لكن هناك أيضا من، من منطلق النفور من القوى السياسية والنقابية والجمعوية التي، في أغلبيتها الساحقة، تمخزنت وتريد فعلا الركوب على الحراك لتقديم خدمة مدفوعة الأجر للنظام ، يعبر عن حساسية مفرطة إزاء كل القوى المناضلة والغير ممخزنة ويعتبر أي تضامن من طرفها محاولة للركوب على الحراك خدمة لمصالحها. وهو بذلك يساهم، بدون وعي، في عزلة الحراك وإضعافه.
إن الحراك هو أحد أرقى أشكال تنظيمات الدفاع الذاتي المستقلة للجماهير الكادحة. وقد تنبه النهج الديمقراطي إلى الأهمية البالغة لهذه التنظيمات التي اعتبرها تندرج في إحدى السيرورات النضالية الأساسية التي يشتغل من أجل تطورها ومساندتها والانخراط فيها والسعي إلى توسعها وتنوعها والعمل على تحصينها ضد المخزن والقوى الانتهازية التي تسعى إلى إلى ركوب عليها لتحقيق مصالحها الضيقة.
هكذا خصص النهج الديمقراطي في مؤتمره الأول المنعقد سنة 2004 حيزا مهما من مرجعيته لسيرورة بناء وتوسيع وتنويع التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الكادحة نورد إحدى فقراته التي توضح تصوره للعلاقة معها:
” إن دور النهج الديمقراطي يتجلى في توسيع وتنويع هذه التنظيمات الذاتية وجعلها أدوات في خدمة الطبقات الكادحة عبر مواجهة محاولات احتوائها أو تلغيمها من طرف الطبقات السائدة وحلفائها وأجهزة دولتها.
إن النهج الديمقراطي يجب أن يناهض أية نزعة تجعل التنظيم السياسي المنشود المالك للحقيقة والضامن الوحيد لمصالح الكادحين. ذلك أن العلاقة بين التنظيم السياسي والتنظيمات الذاتية لا يجب أن تكون علاقة تفوق الأول على الثانية بدعوى امتلاكه للتصور العام وتحديده للخطط والاستراتيجيات التي ليس على التنظيمات الذاتية إلا أن تطبقها في مجال اختصاصها.
إن العلاقة بين الاثنين علاقة تفاعل دائم وجدلي، ذلك أن بلورة العام أي السياسي يرتكز إلى استيعاب الخاص وتجاوزه تجاوزا جدليا. وبدون ذلك لا يعدو أن يكون العام وعاء فارغا. كما أن العام بدون تمظهره في الخاص يبقى غير ذي معنى. أما الخاص، أي نضال تنظيم ذاتي معين إذا لم يستبطن العام، فإنه سيكون فعلا معزولا ويفتقد للبوصلة وقد يسقط في الفوضى والانتهازية وقد يتم احتواؤه من طرف الدولة ومختلف القوى المهيمنة”
وفي أطروحات مؤتمره الرابع المنعقد في 2016 فصل النهج الديمقراطي تصوره لهذه السيرورة، نقتطف من الجزء المخصص لها الفقرة التالية:
“لذلك يولي النهج الديمقراطي أهمية قصوى للنشاط النضالي الذي تقوم به مختلف فئات وطبقات شعبنا الكادح، لأنه من خلال هذا النضال يصبح نشاط الأفراد اجتماعيا فيدركون موقعهم داخل الجماعة، وتتحدد معالم حقوقهم وواجباتهم ويتبلور وعيهم. ولكي يتطور هذا الوعي من وعي حسي إلى إدراك عقلي مبني على رؤية علمية لا بد من توفير عوامل هذا التحول والتطور.
تكتسي هذه السيرورة أهمية خاصة لكون الجماهير تتعلم أهمية تنظيم صفوفها والدفاع الجماعي عن مطالبها و تفرز، من خلال نضالها، طلائعها وتأخذ، شيئا فشيئا، مصيرها بيدها. لذلك يجب تفادي السقوط في النزعة الأبوية والأستاذية التي تؤدي إلى انتشار الإتكالية والإنتظارية والسلبية وسط الجماهير وبروز وتفشي الزعامية وسط طلائعها. كما يجب التصدي لمفهوم الاستقلالية المطلقة للتنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية الذي يسعى عمدا إلى حجب واقع هذه التنظيمات المخترقة بالصراع الطبقي بين توجهات تعبر عن مصالح طبقية مختلفة بل متناقضة في العديد من الأحيان. فالاستقلالية تهم المجال الخاص لكل تنظيم جماهيري الذي يجب احترامه. أما التوجه السائد في هذا التنظيم الجماهيري أو ذاك، فإنه ميدان ورهان للصراع. لذلك يخوض النهج الديمقراطي صراعا قويا ضد اختراق المخزن لهذه التنظيمات وضد الاتجاهات الإصلاحية التي تسعى إلى استعمالها كمطية لتحقيق مصالح حزبية ضيقة وضد البيروقراطية التي تستعملها لتحقيق مصالح فئوية او شخصية. و تشكل الديمقراطية أحد أهم الأسس، بجانب الاستقلالية، لضمان جماهيرية هذه التنظيمات الذاتية.. وأخيرا فإن هذه التنظيمات يمكن أن تشكل سلطة مضادة قد تسمح بمحاربة خطر تبقرط السلطة الثورية البديلة”.