فيروز - نص الألف خمسمية


محمد عبد القادر الفار
2017 / 6 / 21 - 20:32     

تساءلت قبل بضعة أيام، ولم أكن متابعا لخبر إصدار السيدة فيروز ألبومها الجديد، هل لا يزال نص الألف خمسمية؟... وجاءني الجواب اليوم فقط، مع سماعي لرائعة "لمين" التي انضمّت تلقائيا وبجدارة جمالية سلسة إلى مخزون فيروز المقدّس.

أما عن السؤال، فكان عن فيروز وزياد كثابت في وسط عالم متغيّر.... سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، وجمالياً...

عن زياد:

إن الرومانسي والحالم يصطدم كلما مرّ الوقت بمدى سذاجة تصوراته السابقة عن مجرى الأمور ومآلاتها وتتحطم مثله الواحد تلو الآخر، وكلما كان نقيا كان ذلك أصعب.

على رأس سنة 2006 ، وبعد عقود من الإجهاد النفسي والإحباط لدى هذا الشيوعي الذي ما كاد يدرك الشيوعية حتى انفرط عقدها، فأصبح بطبيعة الحال ممن يحجّون والناس راجعة -على أنحس بإذن الله- يصدر تسجيلاً فيه خلاصات تجربته وحكمته. وكالعادة يسري بسلاسة مع موسيقاه العبقرية في الخلفية والتي هي في الأساس القطعة المسماة في هذه الحالة (نص الالف خمسمية).

يستهلّ التسجيل بقوله "ينعاد عليكم الأشياء اللي بتضلها هيي ذاتها، مثل: نص الألف خمسمية"...

لا شيء ثابت إلا التغيير. لكنه كرومانسي لم ينتبه إلى هذا المبدأ الماركسي إلا في النهاية. فهناك بضع مسلمات رياضية وحقائق قليلة يمكن الاتفاق عليها.

بل إن المرء يكاد يفقد صوابه مع هذا الكم من الإحباط، وهذا النضال الشعبي الذي لا يمكن في حالته إلا أن يتحول إلى نخبوي كونه فنان، ومرهف أيضا، لذا فهو لم يعد متأكدا ان الناس ستتفق معه على أن نص الألف خمسمية

فطالما أنه هو القائل، والناس تعتبره مزعجا وإشكاليا، فحتى لو قال أن نصف الألف خمسمية، هو لا يضمن أن لا يعترض بعض الناس، بل ربما معظمهم

لذا يقول "في اشياء بتضلها هي ذاتها، متل نص الالف خمسمية.... متفقين؟ ... " قبل أن يكمل....

وفي المثل الشعبي "إن جن ربعك عقلك ما ينفعك".... وزياد محبط ليس من الحالة السياسية او الفنية بل محبط من نفسه ومن الناس... محبط جدا من الناس

فهذه الناس دفعته دفعا ليكون نخبويا وهو ابن الثورة... ابن فيروز التي يصحو عليها كل العرب كل صباح

العرب كفروا بفيروز نفسها..... شتمها بعضهم وحاربها دون أن يهتمّ البعض الآخر..... أي أنه لم يعد نصف الألف خمسمية بالنسبة لهم... ففيروز يفترض أنها مثلها مثل "نصف الالف خمسمية" حقيقة ثابتة ومسلّمة لهذه الأمة، التي أبدعت مؤخرا في التفريط في المسلمات، وتسليم ذقنها لأي جحش يكره الحضارة.

كفر كثير من العرب بقيم الجمال، كفروا بالمكوّن المسيحي للأمة، الذي منه زياد وأمه وأبوه، زياد الذي وقف سنة 76 ضد القوى المسيحية التقليدية ومع الفلسطينيين والقوى الوطنية التي أصبح التاريخ اليوم يختزلها بأنها كانت أغلبية سنّية اشتد عودها بالفلسطينيين كونهم سنّة. وقف زياد ضد المسيحية السياسية ليس لأنه ارثوذوكس والمارونية السياسية كاثوليك، بل لأنه زياد الرومانسي المتجاوز لكل ذلك. زياد الذي يتحمس أن ينشر للعالم كله قصته مع والده عاصي حين أراد الفتى المتحمس الانضمام إلى الكتائب التي تمثل عنفوانا وقوة، فمنعه أبوه بالقوة، وقمعه على نحو طريف شكره زياد عليه لاحقا بعد أن أدرك أنه لا يمكن أن يكون إلا حالما..... ولا مكان للحلم مع عنفوان الظاهر، وإنما عنفوان الحالم باطني يتفجر موسيقى وشغف...

....كفر كثير من العرب بذوقهم وأدبهم وايقوناتهم واتبعوا أي موجة تجرفهم...

ولم يعد نصف الألف خمسمية شيئا نضمن أن يتفق عليه العرب، فلا معسكر الاصدقاء والاعداء ظل واحدا ولا البديهيات نفسها ظلت بديهيات...

نص الالف خمسمية حقيقة لا تتغير بالنسبة لزياد سنة 2006.... ولكننا اليوم في 2017... وبين السنتين زلازل اصابت المكان والزمان وعصفت بزياد وفيروز شخصيا، فأصبحا عرضة للهجوم من أولئك الذين كفروا بالبديهيات واتبعوا أي موجة.....

فهل لا زالت نصف الالف خمسمية؟ ام ان هذا تغير؟



وجاوبتني أغنية فيروز "لمين" بتألق وثقة: في اشيا بتضلها هيي ذاتها، مثل نصف الالف خمسمية، ومثل فيروز....



عن فيروز وزياد ومن معهم، ولهم:

هنيئا لنا ب "لمين" وكلّ ما سيتبعها من روائع

فيروز بالنسبة لنا حقيقة ساطعة مثلها مثل نص الألف خمسمية، حقّ مثل ما أنّنا ننطق.

اليوم هو الغد أو بعد الغد... هو بكرا الذي عادت فيروز فوقفت فيه معنا (بكرا برجع بوقف معكن)، حتى دون أن تنتظر أن نقف نحن معها....

فهي الثابتة، وكل ما لها ثابت، وكل ما عليها عابر....

أما بالنسبة لإجابة سؤال الأغنية فهو لا إلك ولا إلي وإنما الخيار الثالث: مش لشي ولا أيّ شي، مع أنكما حتما تستحقان أن تدور الأرض أو تتوقف كرمالكما.