كفانا من أنصاف الحلول


عبد الله الحريف
2017 / 6 / 13 - 23:17     


كفانا من أنصاف الحلول

لقد وصلت الأوضاع في بلادنا مستوى لا يطاق من الانحطاط على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأصبحت حقائق ساطعة يقر بها كل مواطن ومواطنة شريف(ة) ولا حاجة هنا للتذكير بمظاهرها وتجلياتها.
المهم والجوهري اليوم هو الاتفاق، بدون تردد أو مواربة، عن المسئول عن هذه الأوضاع لتوجيه كل الطاقات النضالية ضده.
صحيح أن المسئولية عن ذلك تقع على عاتق الكتلة الطبقية والمخزن، وبالخصوص المافيا المخزنية، كوكلاء للامبريالية الغربية، وخاصة الفرنسية. لكن تتركز، في الفترة الحالية، التناقضات كلها والحقد الشعبي ضد هذه المافيا المفترسة والمنكلة بالشعب ومناضليه ومناضلاته باعتبارها القابضة على السلطة و الممثل السياسي للكتلة الطبقية السائدة والخادم الأمين وكلب حراسة مصالح الامبريالية الغربية.
لكن هناك من لا يزال يتوهم أو يريد إقناع الشعب، خدمة لمصالحه أوتماشيا مع أوهامه، بإمكانية التوافق مع هذه المافيا. وهؤلاء بذلك، عن وعي أو بدونه، يعملون على إدامة سيطرتها من خلال دفعها إلى تقديم تنازلات لن تكون سوى جزئية وترقيعية وشكلية. وتاريخ المغرب حافل بالمحطات التي تم فيها اجهاض نضال الشعب بسبب القبول ب”التوافقات” المزعومة والتي أدت كلها إلى تقوية وتوغل المافيا المخزنية. إنهم بالتالي يتحملون مسئولية إجهاض السيرورة الثورية في بلادنا، مؤقتا، أو، على الأٌقل، التشويش عليها وإضعافها بواسطة السعي إلى تقسيم صفوف الشعب بين “معتدلين” و”متطرفين” أو “رادكاليين” ومحاولة تسعير الخلافات بينهما.
لذلك لا بد من التذكير هنا، عسى أن تنفع الذكرى، بأهم المحطات التي أدت فيها “التوافقات ” المزعومة والعرجاء إلى إجهاض نضال شعبنا من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
فتوافق الحركة الوطنية مع الملكية، في فترة بداية نهاية الحماية، في السر وفي الحجرات المغلقة وبدون إخبار الجماهير الشعبية وقواها المناضلة( جيش التحرير والمقاومة المسلحة) بمضمونه والغير مبني( أي التوافق) على التزامات واضحة أمام الشعب حول تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال والذي انتقده بشدة القائد اليساري المهدي بن بركة في تقريره المشهور:”الاختيار الثوري” الذي رفضته قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ذلك “التوافق” أدى إلى استقلال شكلي كرس سيطرة الامبريالية والكمبرادور والاقطاع لا زال شعبنا، لحد الآن، يعاني من تبعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أما المحطة الثانية، فهي انخراط أحزاب “الحركة الوطنية” في “الإجماع حول الصحراء” والذي لعبت فيه دور الكومبارس والمصفق لمبادرات وقرارات النظام الذي استغله لفرض “سلم اجتماعي” كان وبالا على الجماهير الشعبية التي أدت فاتورة الحرب وتواجد الجيش بكثرة في الصحراء وإرشاء بعض أعيانها وغيرها من النفقات. كما استغله لاجتثاث الحركة الماركسية-اللينينية المغربية وتقوية أركانه.
والمحطة الثالثة تمثلت في ما سمي ب”التناوب التوافقي” والذي اعتبره النهج الديمقراطي استسلاما تاما للمخزن من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي ظل مضمونه سريا حتى بالنسبة لقيادة هذا الحزب والذي ساعد على “تجاوز” الأزمة الاقتصادية العميقة التي سماها الملك السابق ب”خطر السكتة القلبية” على حساب الفئات المفقرة والكادحة بالأساس وسهل الانتقال السلس للسلطة من ملك إلى آخر.
وشكلت حركة 20 فبراير محطة رابعة كانت فرصة مهمة للتخلص من المخزن. غير أن البعض انخدع بمناورات النظام واعتبر تعديل الدستور الذي دعا له إنجازا كبيرا بينما كان للنهج الديمقراطي شرف السبق لفضح هذه المناورة حيث اعتبر أنه لن يختلف عن الدساتير الممنوحة السابقة وسيحافظ على جوهرها المتمثل في الاستبداد المخزني والحكم الفردي المطلق. وذلك ما تأكد من بعد وبعد فوات الأوان. كما خاض النهج الديمقراطي صراعا قويا ضد محاولات زرع التفرقة وسط الحركة وضد الإشاعات المسمومة والدعوات الشبوهة.
فهل بعد كل ما راكمته القوى الديمقراطية والحية من تجارب وفشالات ونكسات، أساسا، بسبب جري البعض وراء توافقات وهمية مع المخزن نيابة عن الجماهير الكادحة التي في مصلحتها التغيير الحقيقي، ستكرر نفس الأخطاء وستترك هذه الموجة الجديدة من السيرورة الثورية تمر دون شق الطريق نحو تحرر شعبنا من المافيا المخزنية كمحطة نحو تحقيق التحرر الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟
لذلك نقول: كفانا من أنصاف الحلول. كفانا من “التوفقات” الوهمية والمضرة بمصالح شعبنا.