التسلط بكونه مدخلاً للتطرف والعنف


معتز حيسو
2017 / 6 / 8 - 20:53     


إن الإطلاع على تجارب بعض التيارات الإسلامية، يكشف لنا عن إشكالية بنيوية عميقة في طبيعة وتركيبة تلك التيارات وعلاقتها بالسياسية والدولة والمجتمع. وذلك لا ينحصر على من نجح منها في القبض على السلطة. لكن يتجاوزه إلى تيارات وحركات أخرى فَشلت، أو أُفشلت في الوصول للسلطة. ويتجلى ذلك بوضوح في سوريا التي حولتها عشرات من التنظيمات الجهادية العالمية، وأخرى محليه إلى ساحات جهاد ورباط. أما عن أسباب تفاقم مخاطر الإسلاميين وبشكل خاص الجهاديين. فإنها تتوزع على عدة مستويات من أهمها أن البنية الثقافية العقائدية للجماعات الدعوية السلفية والجهادية، تشكلت من التراث الإسلامي الأكثر تطرفاً. يضاف لذلك عوامل أخرى خارجية لها علاقة بمصالح دول متعددة تشتغل على صناعة وتوظيف العنف والتطرف. وتتقاطع العوامل المذكورة مع بنية السلطة وآليات اشتغالها الأحادية، إضافة إلى بعض الإشكاليات المرتبطة بنمط وبنية التفكير السائدة، التي ما زالت تتسم في مستويات كثيرة بالتخلف والأحادية الإقصائية وأحياناً القهرية. وجميعها أسهم في تقليص وانحسار المجال العام أمام تيارات فكرية وسياسية مدنية وعلمانية.
من جانب آخر فإن تمثُّلنا للعقلانية السياسية والاستفادة من تجارب البلدان الديمقراطية. يحتاج منِّا دولاً وشعوباً وحكومات، الاشتغال على تأصيل نماذج وآليات تفكير وتحليل منفتحة، وأيضاً الاشتغال على تأسيس آليات سياسية تشاركيه، يكون فيها نظام الحكم منفتحاً على المجتمع والأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية دون استثناء. فالمجتمعات والحكومات الأوروبية بشكل خاص، استطاعت في سياق انفتاحها البيني الداخلي، وأيضاً على العالم والتطور، من معالجة أزماتها وتخطي كثير من إشكاليات تجاربها السياسية. وكان لذلك دور كبير في تعزيز وتمكين تجاربها السياسية المدنية، وتأصيل تطورها الديمقراطي. ونشير في ذات السياق إلى نجاح ماليزيا في تقديم نماذج من الحكم والتنمية متميزة. وتقاطعت معها في لحظات معيِّنة التجربة التركية. لكن من المرجح أن تعزز السياسات الحالية للرئيس أردوغان نهج الاستبداد السياسي، ومن التعصب والانغلاق القومي والإسلاموي.
ونشير في ذات السياق إلى أن آليات اشتغال حكوماتنا، وطرق التفكير السائدة في مجتمعاتنا يخالف أوضاع المجتمعات والحكومات الأوروبية. إذ يشكِّل إغلاق المجال السياسي أمام التيارات السياسية وتحديداً الدينية، السمة الأبرز. وذلك يخالف ألف باء الديمقراطية، وأيضاً يساهم في تأبيد التخلف وأشكال الحكم الأحادي القهري. وجميعها عوامل أسست إلى ما نحن فيه من صراعات. في المستوى المذكور لا يكفي ادِّعاء حكومات عربية حرصها على استقرار مجتمعاتها كي تغلق أبواب المشاركة السياسية. فذلك يفاقم من مخاطر الأحزاب والتيارات الإسلامية، ويعمِّق من نظرتها العدائية تجاه السلطة والدولة والمجتمع. فإقصاء التيارات والتجمعات السياسية المعارضة وإخراجها من دائرة الفعل السياسي، وبشكل خاص الإسلامية منها، يساهم بدفعها إلى التطرّف والعنف، وفي أحيان أخرى إلى تجذيرها اجتماعياً. علماً إن تجارب الإسلاميين تشير حتى اللحظة إلى أنهم يرفضون التقيُّد بأدنى المعايير السياسية الديمقراطية. واتضح ذلك جلياً في فترة حكم محمد مرسي الذي اعتمد كغيره من زعماء
التيارات الإسلامية على«عقل الجماعة» كمنهج للحكم.
بالمقابل فإن تجارب أخرى أطلق عليها اصطلاحاً « الاشتراكية المحققة» «رأسمالية الدولة» لم تكن تقل خطورة في بعض اللحظات عن بعض التجارب الإسلامية. فالأوضاع في غير دول« اشتراكية» كشفت عن نماذج من التوحش والتفرد والاحتكار يصعب تصورها. ما يدلل على أن تحوُّل «العلمانية ـ الاشتراكية ـ الشيوعية» إلى أيديولوجية مغلقة، وإدعاء زعماءها امتلاك الحقائق المطلقة، أسس في لحظة الهيمنة على السلطة، إلى قوننة القمع السلطوي، وتجفيف تربة المشاركة السياسية والتفرد بالسلطة واحتكار مصادر الثروة.
من جانب آخر يمكننا القول إن استسهال الانتقال إلى التشاركية السياسية والتداول السلمي للسلطة، دون تجاوز أسس النظام السياسي العربي الفكرية والسياسية والاقتصادية الإستئصالية القهرية والاحتكارية. يمكن أن يحوِّل السلطة/ الدولة إلى مجال لتجارب غير مضمونة النتائج. وأحياناً يساهم في تهديم بعض الأسس المتوفرة لبناء نظام ـ مجتمع ديمقراطي. ويمكن أن يساهم في حالات أخرى بنشوء كوارث سياسية واجتماعية. وما نشهده في غير بلد عربي يدلل على ذلك. ما يعني ضرورة الاشتغال على تمكين حقوق المواطنة والأطر الدستورية اللازمة لضمان الحريات السياسية والمدنية، وقوننة التداول السلمي للسلطة. وجميعها تشكَل مدخلاً إلى ارتقاء آليات التفكير الديمقراطي. ويؤسس إلى مناخات سياسية وثقافية أخرى مختلفة عما هو سائد.
فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا نرى أنه يقع على عاتق السلطة والمعارضة واجب الارتقاء بمسؤوليتها الوطنية تجاه محنة السوريين ومعاناتهم الإنسانية، ورفض ثقافة العنف والإكراه ونبذ التباهي بعقلية المكاسرة والغلبة، مقابل تثقيل الوجه السياسي والمدني للتغيير. فقد شكّل الانزلاق إلى أتون العسكرة والتأسلم مجالاً ملائماً لانتشار فوضى الاقتتال الجهادي، وفتح الباب واسعاً أمام التنظيمات السلفية وحركات «الجهاد العالمي». ما حوِّل سوريا إلى ساحات صراع بين مشاريع إسلاموية عدمية قاتلة. وأخرى سياسية سلطوية قهرية. وجميعها يستقي نمط تفكيره وآليات اشتغاله من منبع الأحادية الإقصائية الإلغائية و«التكفيرية».
نشير أخيراً إلى أن القاسم المشترك بين الجماعات الجهادية المتحاربة في سوريا، وكذلك التيارات والتنظيمات الإسلامية السلفية الدعوية. يكمن في نظرتها الطهرانية لذاتها. فعلاقات الاقتتال والتناقض والتنافس على الهيمنة يتم تغليفها بحجج «شرعية». هذا في وقت يبقي فيه سيف «الشريعة» الفيصل لتسوية الخلافات بين «أخوة المنهج». وجميعها عوامل تشير إلى أن مخاطر كبرى ستكون بانتظار السوريين. تحديداً في وقت يبدو فيه أن السوريين العلمانيين واليساريين والمدنيين غائبين ومغيبين عن المشاركة بتحديد هوية الدولة المستقبلية وطبيعة نظام الحكم. ويعزز من ذلك تفاقم حدة الصراع الذي تستثمر وتشارك فيه وتديره قوى خارجية متناقضة ومتصارعة. وذلك يشير إلى أن أوضاع شعوبنا ومآلاتها ما زالت تُدار وظيفياً. وينطبق ذلك على التنظيمات الإسلامية الجهادية منها والدعوية. وجميعها يضعنا أمام أوضاع واختبارات كارثية.