العروبة في خدمة ... أعدائها

إبراهيم إستنبولي
2006 / 1 / 31 - 09:30     

ساد في مرحلة ما فكر عنصري عروبي موجه ضد الأكراد... و الآن بدأت تنطلق صيحات عنصرية عروبية على أساس قومي - مذهبي تجاه إيران . و في الحالتين كانت العنصرية العربية تخدم مصالح أعدائها : الأتراك و حلفائهم عندما كانت موجهة ضد الأكراد خصوصاً في زمن صدام حسين ؛ و الآن إن العنصرية العربية التي تثار ضد الفرس على أساس ديني و قومي إنما هي تخدم بالدرجة الأولى إسرائيل .
و العروبة بالنسبة لي ما زالت مفهوماً ملتبساً و غامضاً ، بل و قد يكتسب المفهوم مسحة سوداء مظلمة إذا ما حاول أحد ربط العروبة بالعرب الذين أتوا من الخليج أو إذا ما جرى الحديث عن رسالة العروبة و الإسلام ، كما أراد لنا يوماً مؤسس حزب البعث الشيخ محمد ميشيل عفلق .
و نحن كنا ، منذ أكثر من نصف قرن ، و لا زلنا نسمع ما يسمى بالأنظمة التقدمية سابقاً تردد صباح مساء أن الصراع مع إسرائيل هو صراع عربي – إسرائيلي ! في حين أنه بات معروفاً أن الدول الخليجية – الخزان الأساسي المفترض" للعروبة " حسبما يحاولون إقناعنا ، كانت تنأى بنفسها عن هذا الصراع في كثير من الأحيان ( إن لم نقل أنها كانت تتعاون مع إسرائيل و مع أمريكا في السر و في العلن من ناحية - لمد الدولة العبرية بكل مقومات الحياة من مال و نفط ، و من ناحية أخرى – لمحاربة الشيوعية و الماركسية فكراً و حكومات ) . أي أن دول الخليج ، و على رأسها المملكة العربية السعودية ، لم يكن همها الرئيس - خصوصاً بعد مقتل الملك فيصل في نهاية السبعينيات من القرن الماضي- في يوم من الأيام لا القضية الفلسطينية بشكل خاص ( كما بات معروفاً و كما جاء في مذكرات مسؤولين أمريكيين سابقين – إذ كان المسؤولون الخليجيون يناقشون معهم أي شيء .. و عندما يطرح المسؤول الغربي عليهم سؤالاً حول تصورهم لحل القضية الفلسطينية كانوا يتهربون و يقولون أن هذا مش وقته ... ) ، و لا قضية الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً .. بل على العكس ، و ليس خافياً على أحد ، قامت بضرب الفكر القومي و ذلك عن طريق إغراق الدول التقدمية إياها و " المتطورة حداثوياً " أكثر منها – بالأدبيات الإسلامية و بدعاة الفكر الإسلامي الأصولي و بأكبر عدد من الجوامع الهائلة الكلفة و المساحة ... بعد أن قامت " بشراء " الذمم في تلك الأنظمة التقدمية إما بالترهيب ( أعمال مسلحة و تفجيرات ... ) و إما بالترغيب ( شراء الكتاب و المفكرين و الأنظمة بالبترودولار و فتح سوق الخليج للعمالة الوافدة منها ) .
و هكذا ، بينما كانت دولة إسرائيل تنمو و تزدهر و تتحول إلى أقوى دولة في مختلف المجالات ( بما في ذلك السلاح النووي ) رحنا نحن نخسر منجزات الحداثة يوماً بعد يوم ( ساعدها في ذلك أنظمة تافهة و لا علاقة لها لا بالتقدم و لا بالاشتراكية ) إلى أن وصلنا إلى حالة ابتلع معها الفكر الديني و الخطاب السياسي الديني الكريه جميع جوانب الحياة و المجتمع .
و رغم كل ما جرى للشعب الفلسطيني من عمليات إبادة منظمة ، و ما جرى للشعب العراقي من قتل و تهجير على أيدي النظام سابقاً و من ثم على أيدي القوات الأمريكية ، و ما جرى و يجري في بلدان أخرى باسم العروبة – فإننا لم نلاحظ أن تحركت " النخوة العربية " للدفاع عن هذا الشعب أو ذاك .. و لكننا كنا نلحظ دوماً رعاية عربية ( خليجية ) لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ( سابقاً ) و روسيا في القفقاس ( لا حقاً ) – فقط لأن هذا يخدم مصالح أمريكا و إسرائيل ! مع ما يرافق ذلك من نشر للفكر الوهابي الرافض لكل بني البشر الآخرين .
و كما نامت العروبة عندما كانت إسرائيل تقتل الفلسطينيين و تطور سلاحها النووي .. كذلك غابت العروبة عندما هاجمت إسرائيل المفاعل الذري العراقي .. و لكنها كانت حاضرة عندما هاجم صدام حسين الجمهورية الإسلامية دفاعاً عن البوابة الشرقية للعروبة المزعومة . و كما غابت العروبة عن الأهواز عندما كانت إيران تحت حكم الشاه المدعوم أمريكياً و إسرائيلياً لتصحو النخوة العربية تجاه الأهواز و بمباركة بريطانية في هذا الوقت للضغط على إيران الإسلامية و المعادية لإسرائيل . لتغيب مرة أخرى النخوة العربية في لبنان الوصاية السورية و بعد تحرير الكويت عندما تمت محاصرة الشعب العراقي لعشر سنوات تسببت بمئات الآلاف من القتلى من الأطفال و النساء ..
و الآن ، بعد أن صار الفلسطينيون يحلمون بأقل من ثلث أرضهم و بالحد الأدنى من الحياة الإنسانية الكريمة ، لم يعد أحد من العربان يتحدث عن الصراع العربي – الإسرائيلي ، اللهم باستثناء الشخصيات غير العربية المتمسكة بالعروبة في لبنان (معن بشور نموذجاً ) ! بل إن عربان الخليج ، و في مقدمتهم السعوديين ، ربما يلعنون السوريين و حلفائهم في لبنان في السر و في العلن على تمسكهم بالعروبة المرهقة و المكلفة في سوق السياسة الأمريكية .. و يتمنون انهيار النظام السوري ليأتي نظام طائفي شبيه بما هو حاصل في العراق .. ليصار إلى توقيع الجميع على صك " الاستسلام " مع إسرائيل ...
و لكان الأمر سهلاً لو لم تكن موجودة إيران ... بملفها النووي ، الذي يقض مضاجع الأمريكيين و الإسرائيليين .. و هنا تعود اللعبة ذاتها إلى سابق عهدها : ينفخ الأمريكيون في عقول فرسان العروبة في دول الخليج محذرين من امتلاك إيران للسلاح النووي ... و أول من امتشق السلاح ضد إيران ، و بمباركة من أمريكا و بتلقين من إسرائيل ، كان الأردن .
و هكذا كما في السابق : بدلاً من أن تقوم إسرائيل و أمريكا من ورائها بمحاربة أعدائهما مباشرة ، خصوصاً عندما يكون ذلك مكلفاً ، نرى أن الأمريكان راحوا يحرضون السعوديين .. و هؤلاء راحوا يحرضون جماعتهم في لبنان بالضغط على حزب الله باعتباره إحدى أدوات الدفاع عن إيران و عن مفاعلها النووي . و تأتي في هذا الإطار زيارة الملك عبد الله للصين و للهند قبل اجتماع هيئة الطاقة الذرية أول شباط بقصد تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن .
و هكذا نجد أن العربان لا هم امتلكوا مقومات الحداثة بل و حاربوها .. و لا هم امتلكوا التقنية النووية سواء لأغراض سلمية أو عسكرية و لا هم مستعدون أن يسمحوا لغيرهم أن يمتلكها – وكل ذلك خدمة لأهداف و لمصالح إسرائيل و أمريكا و الغرب عموماً في المنطقة .
باختصار ، لقد وقفت العروبة في السابق عائقاً أمام الفكر الحداثوي و العلمي في أهم بلدان المنطقة .. و الآن هي تقف حجر عثرة أمام امتلاك إيران الطاقة النووية و السلاح النووي .. و كما أن العروبة أضاعت فلسطين و العراق ، هي مستعدة لأن تضيع سوريا و لبنان و مصر .. و كل ذلك خدمة للعائلات المالكة ... أو خدمة لزعامات الطوائف . فكما لعبت الكويت دور المنصة للانقضاض على العراق ، كذلك يتحول لبنان إلى منصة للانقضاض على سوريا ... لكي نتحول في النهاية جميعاً إلى إمارات على شكل إمارة الكويت و لبنان الطوائف . و عندئذ تسعد النفوس المريضة . لأننا سننتقل بعون الله و العروبة من الصراع العربي – الإسرائيلي إلى صراع عربي فارسي أو سني – شيعي ... بحيث ننسى معه فلسطين و بحيث نصبح جميعاً - شيوعيين أو علمانيين أو " ذميين " - معرضين للإبادة و للتهجير إذا لم نكن مؤمنين ، سواء بالله أو بالعروبة - لا فرق .
هكذا نجد أن العروبة ، باعتبار الإسلام حاملاً لها وفق طيب الذكر ميشيل عفلق ، كانت و لا زالت تستخدم من قبل المملكة العربية السعودية سلاحاً بيد الاستعمار البريطاني ( الذي هو زرع إسرائيل بالمناسبة في فلسطين دون أن يرف حتى الآن جفن للملكيين العرب و ليس الروس أو الإيرانيين ! ) و الأمريكي و الصهيونية لمحاربة الاتحاد السوفييتي و الشيوعية سابقاً ثم روسيا ( عبر الشيشان و القفقاس ) لاحقاً ، و الآن لمحاربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ( لمصلحة إسرائيل و الغرب ) . في حين أننا لم نرَ حتى اليوم أي نتيجة إيجابية للفكر القومجي العروبي اللهم سوى استجلاب الاحتلال الأمريكي إلى العراق و ربما إلى أماكن أخرى فيما بعد ، لا سمح الله .
و أنا لا أدافع هنا عن إيران .. و إنما اعترض على الدور ، الذي لعبه و يلعبه العرب و الإسلام في محاربة خصوم و أعداء الغرب الاستعماري ، الأمريكي أو البريطاني ، هذا الاستعمار الذي صنع سايكس - بيكو و زرع إسرائيل و حماها و لا زال يمارس أشد أنواع الاحتقار للعرب ... و كلنا يعرف أن الأمريكيين ( المحافظين الجدد بشكل واضح ) كانوا يريدون إسقاط ( و سيسقطون ) الأنظمة الخليجية و نذكر كيف راحوا بعد 11 أيلول يتهجمون على السعودية مما أخرس العائلة المالكة ... إلى أن تنبه الإسرائيليون و الأمريكان إلى الملف النووي الإيراني ... فقال العربان في السعودية : هذا يومي .
فإذا كانت هذه هي العروبة فلماذا نحن بحاجتها ؟ و لماذا لا نتوقف عن التمسك بها لصالح بناء دول تقوم على أسس المواطنة بعيداً عن أي تعصب قومي أو عرقي أو ديني ؟ و نتوقف عن التآمر على روسيا و إيران و شعوب المنطقة ككل من خلال نشر ثقافة التعصب و الكراهية تجاه مكونات الشعوب في المنطقة ، و بالتالي دون أن نخسر طاقات و موارد بلداننا في الدفاع عن مصالح إسرائيل و بريطانيا !
لماذا لا يصار إلى تحديد المصالح الحقيقية للعرب ؟ و لماذا لا يستطيع الزعماء العرب (أو لا يريد – لأنهم لم يكونوا أحراراً يوماً ) أن يفهموا و لو قليلاً أن المصالح القومية العربية على المدى المنظور إنما تتهددها المخططات الأمريكية و الإسرائيلية للمنطقة .. و ليست المصالح الكردية أو المخططات الإيرانية . و من أبسط قواعد الاستراتيجيا أن يتحالف المستهدفون من قبل عدو واحد جبار و خطير حتى و لو كانوا مختلفين فيما عدا ذلك .. كما هو حاصل بين الصين و روسيا ، اللتين تعتبران أن الخطر المحدق بهما يأتي من أمريكا و اليابان و إن لم تكونا متفقتين على ملفات كثيرة ...
الكل يعرف ذلك إلا العرب . إلى متى سيبقى العرب دمى أ و مجرد أحجار في رقعة الشطرنج العظيمة ؟ و بالتالي سيظلون عائقاً على طريق تقدم الشعوب الأخرى في المنطقة أكراداً أو فرس ؟ دون أن يتمكنوا من التحول إلى أمة عظيمة ، كما يحاول ذلك الإيرانيون .. أو كما وعدنا به القرآن الكريم !