في الفلسفة: مناقشة مع الزميل نعيم ايليا


مالوم ابو رغيف
2017 / 6 / 3 - 10:51     

وصف الزميل نعيم ايليا الماركسية بانها
(دين إلحادي لم يتخلص من مثاليته. أساس فلسفته: أيهما أسبق الوعي أم المادة)
ولم يتوقف الزميل نعيم ايليا عند وصف الماركسية بالدين بل قال بفساد تركيب السؤال ايهما اسبق الوعي ام المادة! فقال:
(وهذا تركيب فاسد من أصله ، متناقض؛ لأنه في الوقت الذي يرفض فيه الماركسي وجود الوعي، يقر بوجوده)
اما كيف!! فيجيب:
(يحتوي التركيب على تقديم شيء على شيء آخر: المادة تسبق الوعي أي تتقدمه. وحين تقدم شيئاً على آخر، فلا بد أن يكون الآخر موجوداً بالضرورة وإلا فما معنى أن تقدم شيئاً موجوداً على شيء غير موجود)
ثم يفترض ان اجابة الماركسي على فساد هذا التركيب الفاسد حسب رأيه (ايهما اسبق المادة ام الوعي) ستكون كالتالي:
(المقصود من التركيب أن الله ليس موجوداً)
ومع ان الزميل يقتنع بتبرير الماركسية ( ان التركيب يعني ان الله غير موجودا) لانه متفق مع عقيدة الماركسي الالحادية، لكنه ياخذ عليه عدم استخدامه لفظ يلائمه! فيقول
(ربما قال الماركسي: المقصود من التركيب أن الله ليس موجوداً. وهذا تفسير لا غبار عليه، لأنه يتفق مع عقيدته الإلحادية، ولكن لماذا لم يختر الماركسي أن يعبر عن مقصوده بلفظ يلائمه؟)

ثم يستطرد في مشاركته فيفترض ان الماركسي سيجيب على سؤال:
(ما هو الوعي الموجود عند الانسان؟)
بإنه اللامادة (انعكاس لامادي)
ويعتقد الزميل ان الماركسي عندما يجيب على سؤال ما هو الوعي الموجود عند الانسان الذي افترضه الزميل نعيم بانه اللامادة، فانه يقع في تناقض. وان هذا التناقض لا يختلف عن تناقضات الدين وغرائبه الذهنية فيقول:
(وعندما تسأل الماركسي، ما هو الوعي (الموجود) عند الإنسان؟ يجيبك بكل سرور واطمئنان وثقة: إنه اللامادة (انعكاس لامادي) في الوقت الذي لا يعترف فيه بوجود شيء غير المادة، وفي الوقت الذي لا تفيد فيه كلمة (انعكاس لامادي) أي معنى. إنها نفس تناقضات الدين وغرائبه الذهنية

على ما يبدو ان الزميل نعيم كتب مشاركته على استعجال لذلك لم يعِ التناقض الذي وقع فيه بقوله ان الماركسية دين لم يتخلص من مثاليته!!
فاذا كانت الماركسية دين، فلماذا تتخلص من مثاليتها، فكل الاديان مثالية ولا يوجد دين مادي اذ ان ذلك لا يستقيم (ان يكون الشي هو ذات ضده)
اذا كانت الماركسية الحادية لا تقول بوجود خالق فكيف لها ان تكون دينا؟
واذا كانت تقول باسبقية المادة على الوعي فكيف لها ان تكون مثالية ؟
ان السؤال الاساسي بالفلسفة هو ايهما اول المادة ام الروح( الفكرة، الوعي)
كتب إنجلزيقول : إن الإجابات التي قدمها الفلاسفة لهذه المسألة قسمتهم إلى معسكرين عظيمين. أولئك الذين أكدوا على اولية الروح على للطبيعة شمل معسكر المثالية. أما الأخرون الذين اعتبروا الطبيعة هي الاول، فإنهم ينتمون إلى المدارس المادية المختلفة
من المفيد هنا ان نذكر بان الفلسفة المثالية هي تلك التي تقول باولية الروح على الطبيعة،وان الواقع او الواقع كما نعرفه هو واقع ذهني او عقلي اي (لامادي) واننا لا نستطيع معرفة اي شيء مستقل عن العقل فلا يوجد شيء خارجه (المثالية الذاتية)
اما المادية فهي:
فهي فلسفة تقول باولية المادة على الفكر و ترى أن المادة هي جوهر الطبيعة، وأن كل شيء، بما في ذلك الأشياء العقلية والوعي، هي نتائج للتفاعلات المادية.
وبما ان الماركسية فلسفية مادية، تقول بأولية المادة واحاديتها وليس بـ (اسبقيتها) كما يقول الزميل نعيم فحتى لو افترضنا (مجازا) انها اصبحت دينا، فانها ستكون دينا ماديا يقدس الطبيعة ولا يقدس الله، اذ ان المثالية نقيض للمادية.
ينبغي الاشارة هنا الى اني عندما كتبت مقال (الماركسية والدين اساس التشابه والشبهات) اشرت الى ان العقل الشرقي المقولب دينيا ينطلق دائما من رؤية دينية او قل من اساس ديني في تصنيف النظريات والاخلاق.
الالحاد انكار الله وانكار الدين، فلا معنى لانكار الدين دون انكار الله اذ انه كينونة افتراضية موجودة فقط في خيال المؤمنين، وليس من دليل على وجود هذه الكينونة سوى افتراضات الدين.
لذلك: ان نكران الدين يعني بالضرورة نكران الله لان الدين هو الاساس الذي يستند عليه وجوده المزعوم.
وهذا ما ناخذه على الاستاذ ضياء الشكرجي الذي ينكر الدين لكنه يصر على وجود الاله، مع انه لم يعرف الله كــ (مبدأ او تصور) الا من خلال اطروحات الدين فـ الله فرضية الدين لتفسير الوجود.
كما لا معنى لوجود اله دون وجود دين، اذ ما فائدة كينونة معطلة، خاملة لا تتأر ولا تؤثر؟
ان اي شكل من اشكال الاعتقاد(تنزيه او تسبيح او تمجيد) هو ايضا نوع من انواع الدين.
يعتقد الزميل نعيم ان الماركسية تستند في فلسفتها على سؤال (أيهما أسبق الوعي أم المادة)
والحقيقة ان الفلسفة معنية بالبحث عن اجوبة اكثر من طرحها للاسئلة، لذلك لا يمكن افتراض ان الفلسفة الماركسية تستند على سؤال!
لكن الزميل نعيم، مع انه هو الذي طرح السؤال بصيغته التي خطها في تعليقه، الا انه ينتقد هذا السؤال ويعتبره تركيب فاسد!!
لكن ما الذي جعله يظن بانه تركيب فاسد؟
الجواب: هو انها صياغة السؤال هي التي سببت الارباك مما قاد الزميل نعيم الى الاعتقاد بفساد التركيب، ذلك انه اعتقد بوجود شيئين منفصلين يسبق احدهما الاخر هما المادة والوعي.!
الفلسفة المادية تقول باولية المادة بينما الفلسفية المثالية تقول باولية الروح، او الفكرة او الله حسب الفرضيات الدينية:
المثالية الموضوعية:
تقول بان الروح او الفكرة المطلقة او الله هي خارج عقل الانسان، وتعتقد بوجود واقع موضوعي خارج وعي الانسان.
المثالية الذاتية هي المذهب القائل بأن العقل والأفكار هي الأشياء الوحيدة التي يمكن تأكيد واقعها، وأنه لا يمكن معرفة أي شيء خارج العقل. وهكذا، فان الكائنات توجد بحكم تصورنا او وعينا لها او بحكم الافكار التي في وعينا عنها وفي وعي الكائن الإلهي، أو الله ( في البدأ كانت الكلمة)
لكن كيف لنا القول بان صياغة الزميل نعيم للسؤال هي التي اوقعته في ارتباك (مفهومي)؟
لنقرأ ما كتبه الزميل نعيم:
(المادة تسبق الوعي أي تتقدمه. وحين تقدم شيئاً على آخر، فلا بد أن يكون الآخر موجوداً بالضرورة وإلا فما معنى أن تقدم شيئاً موجوداً على شيء غير موجود؟)
هنا يعتقد الزميل ان اولية المادية على الوعي تعني اولية في الترتيب، في الاصطفاف، بمعنى ان الاثنان موجودان بنفس الوقت لكن احدهما تقدم على الاخر.
بينما المادية تقول انها الاولية في الوجود في التكوين في الصيرورة.
لذلك يتسائل باستغراب:
(ما معنى أن تقدم شيئاً موجوداً على شيء غير موجود؟)
يجدر الاشارة ايضا بان الوعي هو خاصة الانسان فقط، فليس هناك من وعي اخر لذلك لا معنى لتمييزه بالقول بـ (وعي الانسان)
اما اذا نسبنا الوعي لاله مفترض، فهو انتقاص من قيمة الاله نفسه، ذلك ان الاله وعي بدون وعي وادراك بدون ادراك، فهو واع ومدرك بالقوة، اي ان الوعي غير طاريء عليه وغير مكتسب.
ان سؤال
هل يوجد وعي دون مادة، دون واقع موضوعي كفيل بان يجعل الزميل نعيم يعتقد باولية الواقع الموضوعي على الوعي وليس بوجود الاثنين بوقت واحد.
ويستمر الزميل بطرح الاسئلة وافتراضات الاجابة عليها فيقول:
(وعندما تسأل الماركسي، ما هو الوعي (الموجود) عند الإنسان؟ يجيبك بكل سرور واطمئنان وثقة: إنه اللامادة (انعكاس لامادي) في الوقت الذي لا يعترف فيه بوجود شيء غير المادة، وفي الوقت الذي لا تفيد فيه كلمة (انعكاس لامادي) أي معنى. إنها نفس تناقضات الدين وغرائبه الذهنية)
الفيلسوف الالماني Gottfried Wilhelm Leibniz غوتفريد فلهلم لايبنيتس كتب (لنتخيل اننا تمكنا من صناعة ماكنة كبيرة لها قابلية على التفكير والاحساس والوعي ودعنا نتصور انها كبيرة بالقدر الذي يمكننا الولوج في داخلها، فهل نرى سوى اجزائها التي يدفع بعضها البعض الاخر دون ان نرى شيئا اخر يشير الى حالة الوعي )
الوعي بالنسبة لي هو ادراك خصائص المادة وقوانينها وعلاقاتها وتأثيراتها المختلفة على الواقع الموضوعي وهذه العلاقات والارتباطات والصيرورات والتأثيرات المختلفة موجودة موضوعيا في الحالتين في حالة ادراك الانسان لها او عدم ادراكه ولا دخل لوعيه في وجودها الا اذا اراد التدخل بهدف تغييرها او التأثير عليها.
نشير ايضا ان الوعي مكتسب، اي انه لا يحدث تلقائيا، فانت لا تعي الرياضيات ان لم تكتسب معرفتها بالتعلم والدراسة والتجربة والخبرة، ولا تعرف الملوحة من الحلاوة الا عن طريق التجربة الحسية ولا تستطيع قهر الجاذبية ان لم تعرف قوانينها. والاطرش منذ الولادة لا يستطع الكلام والاعمى منذ الولادة لا يعرف الالوان.