التحليل السياسي والتخريف الديماغوجي


محمد باليزيد
2017 / 6 / 1 - 04:42     

نعت منار السليمي، مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، زعيم حراك الريف المعتقل، ناصر الزفزافي، بكونه "شيعي"، ويتلقى دعما من جماعات شيعية في أوروبا، بغية ادخال الحشد الشعبي للمغرب.(انظر الرابط 1)
قبيل الاطلاع على هذه الأسطر على الشبكة، كنت قد تفرجت على برنامج في الجزيرة الوثائقية بعنوان "اكتشاق الصين" ومن ضمن ما ذكره البرنامج أن هذا الشعب العظيم [العظيم بمسلميه وملحديه وكونفوشسييه وبوذييه...] هذا الشعب العظيم ينشئ الآن أكبر تليسكوب في العالم من أجل الأبحاث الفلكية وتاريخ الكون. أكيد أن المركز العلمي الذي يشرف على إنشاء ذلك التليسكوب يحتوي فقط على "مواطنين صينيين" وليس على بوذيين صينيين أو مسلمين صينيين... فهل تستطيع دولة تحسم "صراعها"(2) السياسي/المطلبي مع مواطنيها من داخل المساجد، دولة تخرج مطالبين بحقوق أو معارضين عن "مذهب الجماعة" كي تخَونهم، هل تستطيع دولة كهذه أن تحلم بالتقدم ولو بعد يوم القيامة؟ كيف تستطيع دولة كهذه أن تنتمي لهيئات الأمم المتحدة وتصادق على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ما لم تكن دولة منافقين؟

ساكنة الريف كانت لهم مطالبهم التي لا تجهلها الدولة المغربية (حتى وإن كان عالم أو محلل من المحللين الذين لا يغادرون مكاتبهم يجهلونها)، هذه الدولة التي سوفت وراوغت واستعملت جميع الأسلحة بما في ذلك اتهام الريفيين بمحاولة الانفصال أو العمالة للخارج. وفي الحقيقة، الحقيقة المرة، أن الريفيين "خرجوا عن الجماعة". فما دامت جل جهات المغرب مهمشة وغير منماة بدرجة تصل وقد تفوق حال الريف، ما دام الأمر هكذا فإن احتجاج الريف على التهميش هو "خروج عن جماعة المهمشين الصامتين" الراضين بقضاء الله وقدره الذي أخرجهم إلى الدنيا في تلك البقعة من الأرض ولم يخرجهم في السويد أو الدانمارك. الدولة المغربية التي صرحت، على لسان ممثلين حكوميين، أن حراك الريف انفصالي، والتي أقحمت فقهاء المساجد في "صراعها" هذا كي تدخل إلى بسطاء الحراك فكرة التخلي عنه بما أنه فتنة "لن يرضاها الله" وكي تهيئ المواطنين المغاربة الآخرين كي يتقبلوا هجوم الدولة العنيف على الحراك، هذه الدولة لن تتورع في إنهاض كل من يحس بأن كرسيه جزء من ريع تلك الدولة لمجابهة هذا الحراك، ليس مجابهة الحجة بالحجة النمطقية الأخرى، ولكن بجر نقاش المغاربة داخل وخارج الريف إلى مجال لا علاقة له أصلا بالموضوع. ولن يكون أنجح في هذه المهمة شخص أكثر ممن يعلق يافطة عالم أو باحث كي يتوهم الناس أنهم يتناقشون نقاشا علميا مجردا من كل المسبقات.
هذا المحلل السياسي، بدل أن يذهب إلى المنطقة ويعاينها ويحاور أهلها لمعرفة واقعهم، بدل ذلك يأخذ "خطب الزفزافي" (وكأننا هنا إزاء شخص تاريخي يريد ناقد أو باحث فلسفي أن يعرف مذهبه الفلسفي)، يأخذ هذه الخطب التي يجمعها عبر الهواء وهو على كرسيه، ليستخرج لنا منها/ومن تحليله أن "مطالب الريف شيعية" !؟ ثم، ما دام الزفزافي شيعيا، يستنتج باحثنا أن هناك جماعات شيعية بأوربا تريد أن تدخل الحشد الشعبي إلى المغرب. منطق ليس بعيدا عن منطق الدولة نفسها، فالدولة التي تحدد دينها كدولة(3)، هي دولة تعني أن المواطنين المخالفين لهذه المواصفات هم مواطنون من الدرجة الثانية والأسوأ أنهم يمكن أن يتحولوا في أية لحظة إلى "خونة" لصالح دولة خارجية لها دينهم أو مذهبهم.
الزفزافي حسب تحليل السيد السليمي "شخص تمت صناعته"!؟ إن الغريب في هذا المنطق كما قلت هو أنه منطق يحاول جاهدا إخراج المسألة عن إطارها وجر النقاش إلى ما لا قيمة لنقاشه. فحراك الريف لا يتلخص في شخص الزفزافي. وحتى إذا قدر لهذا الحراك أن يخمد نظرا ل... ول.... ول، فإن الظروف التي أنتجت زفزافيا(4) واحدا اليوم سوف تنتج آخرين بعد هذا اليوم لكن هذا تعرفه الطبقة الحاكمة ولا يهمها في شيء. ذلك أن برجوازية وطنية حتى وإن كانت تعمل لمصالحها فهي تنظر بمنظور بعيد وتحافظ بالتالي على مستقبل الوطن الذي سوف تتربع على كراسيه أبناؤها، أما البرجوازية اللاوطنية فلا تهتم بالمستقبل لأن حدسها يقول لها، وهي ربما محقة، أن أبناءها سوف لن يستطيعوا أن يعيشوا إلا على ما هربته إلى الخارج.
تحويل النقاش إلى نقاش حول شخص الزفزافي هو مجرد هرطقة لأن القضية الأصلية، هي مطالب منطقة بكاملها وعلى الدولة أن تتعامل معها حتى وإن ارتكب زعماء هذا الحراك أخطاء تكتيكية، وما أظنهم فعلوا ذلك، لأن أخطاءهم لا تلغي مسؤولية الدولة عن واقع التهميش الذي تعاني منه عدة مناطق بالمغرب.


1)انظر الرابط: http://www.akhbarona.com/politic/209470.html
4) كلمة صراع قد لا تفي بالغرض هنا لآن الطبيعي هو أن الدولة لا يجب أن تكون في صراع مع مواطنيها. قلت "الطبيعي"، ذلك أن دولة "طبيعية" هي دولة منبثقة من مواطنيها، أي أن الدولة هي بالذات مواطنيها فلا يمكن أن يكونوا في صراع مع أنفسهم. وبهذا المفهوم فالدولة التي تعتبر نفسها في صراع مع مواطنيها هي دولة مكونة غصبا عن مواطنيها.