حول حقيقة حملة الاعتقالات الاخيرة لبعض رموز الفساد في تونس: حين تحاول السلطة تحويل هزائمها إلى انتصارات


محمد الحباسي
2017 / 5 / 31 - 01:42     

حول حملة الاعتقالات الاخيرة لبعض رموز الفساد: حين تحاول السلطة تحويل هزائمها إلى انتصارات
ائتلاف يتخبط في ازمة حادة وعميقة:
بلغت أزمة الائتلاف الحاكم درجة من الحدة أصبح معه رحيلها هو الحل الوحيد لبعث رسالة أمل للتونسيين مفادها أن إنقاذ البلاد والنهوض بها على طريق تحقيق أهداف الثورة لا يزال ممكنا بعد ست سنوات عجاف تلت الثورة . حكومة تحاصرها الاحتجاجات التي ما انفكت دائرتها تتوسع لتشمل عددا متزايدا من الجهات والفئات وهي تتخبط في عمائها و لا تجيد حتى لعب دور رجل المطافئ وتمضي في نفس الخيارات القديمة التي لم تولد سوى التفقير والتبعية والرفع من منسوب الاحتقان الاجتماعي وهي نتيجة منطقية لتواصل نفس الخيارات الكبرى او مايسمى بمنوال التنمية الذي ثار عليه الشعب التونسي ذات 14 جانفي وبعد اكثر من 6 سنوات من الثورة عرفت البلاد اكثر من 8 حكومات ولكن الجوهر ظل هو نفسه؛ خيارات لفائدة أقلية فاسدة مرتبطة بالدوائر الامبريالية في حين تزداد وضعية الشعب سوء يوما بعد يوم رغم كل محاولات البرجوازية ضمان استقرار الامر لها مجربة كل اشكال انواع الحكومات من حكومة انتخابية الى حكومة تكنوقراط الى حكومة انتخابية واسعة الى حكومة انتخابية مدعومة بمشروعية توافقية واسعة تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية ...ان ما تغير هو شكل السلطة السياسية من شكل حكومة ديكتاتوتوريية الى شكل حكم ديمقراطي اما المضمون والجوهر فهو نفسه دولة طبقية تتمترس وراء جهاز حكمها القمعي بأدواته المادية والمعنوية لضمان سيطرة أقلية مترفة على حساب عموم الشعب والحصيلة أزمة شاملة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية تتسبب فيها الاقلية الجشعة وتتحمل وزرها الاغلبية الشعبية. هذه الاغلبية تواصل رفضها للوضع القديم طالما ان ما وقع من تغيير على اهميته يظل شكليا .
الرئاسة تعمق الازمة وتتحول الى بؤرة تآمر على الثورة:
و رغم هذه الحصيلة الكارثية، فإن رئيس الدولة الذي من المفترض أن يكون الضامن لاحترام الدستور ولوحدة الدولة واستقلالها ظل يصر على تمرير مشروع قانون يكرس المصالحة مع منظومة الفساد القديمة غير ابه باعتراض جزء كبير من الرأي العام على هذا القانون الذي يفتقد للمشروعية والشرعية لا يتوفر على أية مردودية . وقد عبر رئيس الدولة من خلال هذا الحرص على تمرير مشروع القانون سيء الذكر انه لا يشغله سوى شغل واحد وهو رد الجميل لللوبيات الفساد التي قامت بتمويل حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية والمرتبطة عضويا بحزبه الحاكم اضافة الى دعم الشق المساند لابنه واغلبهم من رموز الفساد في المنظومة السابقة والذينن يريد رأس الدولة ونجله المسكون بهاجس التوريث اعادتهم الى تصدر مشهد الحكم ولعب دور اكبر داخل حزب نداء تونس لضمان سيطرة الابن على حزب "العائلة". وقد تأكد هذا المنحى في خطاب رئيس الدولة الأخير الذي أطل فيه على الشعب بالتهديد والوعيد فكان هذا الخطاب بمثابة إعلان حرب على الشعب، حرب اقتصادية من خلال اقرار رئيس الائتلاف الحاكم بعدم توفر الدولة على حلول للمحتجين المطالبين بالكرامة في دولة مابعد الثورة وحرب عسكرية يزج فيها بالمؤسسة العسكرية لحل ازمة الاءتلاف الحاكم عبر قمع الاحتجاجات الاجتماعية تحت ذريعة حماية المؤسسات والمنشأت العمومية , هذا الخطاب كان بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة مما زاد في تاليب الراي العام ضد الائتلاف الحاكم الذي أصبح عائقا أمام تقدم البلاد إلى الأمام والنهوض باوضاعها.
أحداث تطاوين والمنعرج الحاسم:
ثم كانت أحداث تطاوين التي بدأت من خلالها الحكومة، وعلى جناح السرعة، في تفعيل ماجاء في خطاب رئيس الدولة فشنت حملة قمع وحشية على المعتصمين والمحتجين بالجهة مما خلف سقوط شهيد وعدد كبير من الجرحى وحالات اختناق بسبب الاستعمال المفرط للغاز المسيل للدموع. فكان ذلك بمثابة جرعة الموت الرحيم للحكومة. ولكن خطورة الوضع وانفتاحه على انفجار ثوري عارم قد يعصف باركان الائتلاف الحاكم المتداعية للتهاوي جعل هذا ا لائتلاف وكل المستفيدين منه يتداركون أمرهم وينتفضون من الرماد عبر إقرار تجديد حالة الطوارئ وإعلان حملة اعتقالات ووضع تحت الإقامة الجبرية شملت بعض رموز الفساد. حملة رافقتها هالة دعاية اعلامية قوية جعلت جزءا كبير من الرأي العام يبدي تعاطفه ومساندته لرئيس الحكومة في حربه على الفساد.
حين تحاول الحكومة قلب هزائمها الى انتصارات.
هذه الحملة هي في حقيقة الأمر، وبعيدا عن تهليل جوقة الحكم وتطبيلهم، مجرد مناورة سياسية أخيرة للسلطة تحاول من خلالها قلب هزائمها الكثيرة إلى انتصار و يرمي الائتلاف الحاكم من خلال هذه الحملة إلى تحقيق 5 مغانم سياسية على الأقل:
اولا :الخروج من مأزق تطاوين والتغطية عن التجاوزات الخطيرة للحكومة من خلال الهالة الإعلامية التي رافقت حملة الاعتقالات والتي نجحت في حرف الرأي العام عن أحداث تطاوين واعتصام الكامور وتوجيهه إلى الحملة الأخيرة.
ثانيا: المزايدة على موقف هيئة الحقيقة والكرامة الأخير وعكس الهجوم عليها والظهور بمظهر الاحرص منها على مقاومة الفساد،
ثالثا: التخلص من أحد أجنحة الفساد الذي تجاوز الخطوط الحمراء ودخل في عملية كسر عظام مكشوفة مع أجنحة أخرى من أجنحة الفساد ولوبياته المتنفذة وأصبح يمثل تهديدا لنفوذها ولهيمنتها على جهاز الدولة حتى وصل به الأمر إلى درجة تحدي رئيس الحكومة على الملأ.
رابعا :خلق ظروف أفضل لتمرير مشروع قانون المصالحة وتهيئة الرأي العام لذلك من خلال محاولة إيهام الرأي العام بأن هذا القانون لا علاقة له بالفساد والمفسدين كيف ذلك وهم الذين قاموا بإيقاف الفاسدين والحقيقة أن قانون المصالحة هو قانون موجه للجناح الأكثر تنفذا في جهاز الدولة والمعادي للجناح المستهدف بحملة الايقافات والوضع تحت الإقامة الجبرية.
خامسا: تاتي هذه الحملة كاستجابة لبعض اشتراطات الدوائر المالية العالمية التي اعربت في اكثر من مناسبة عن احترازاتها ازاء عدم اتخاذ الحكومة لاجراءات واضخة وملموسة لمقاومة الفساد الذي يعطل عملية الانتقال الديمقراطي وما يتطلبه من اصلاحات حسب القاموس الاقتصادي النيوليبرالي للمؤسسات المالية العالمية. وكان تردد الحكومة في تطبيق اول نقطة من اتفاق قرطاج وهي مقاومة الفساد قد جعل الاطراف المقرضة تتردد في دعم "التجربة التونسية" وبعبارة اخرى فان هذه العملية الاستعراضية تعد بمثابة رسالة الى صندوق النقد الدولي مفادها ان الحكومة جادة ومسؤولة في الايفاء بتعهداتها خاصة وان مقاومة الفساد ستكون من بين المعايير المعتمدة لصرف القسط الرابع من القرض المسند من قبل صندوق النقد الدولي والبالغ قيمته 2.7مليار دينار.
وفي الاخير يجب التنبه إلى أن الصراع بين أجنحة الفساد داخل جهاز الحكم لا مصلحة للشعب فيه وعلى القوى الثورية تحمل مسؤوليتها وكشف مناورات الائتلاف الحاكم التي تستهدف الشعب وترمي إلى ايهامه بأن مقاومة الفساد يمكن ان تتم بعملية ارتجالية والحال أن اختيارات هذا الائتلاف اللاوطنية واللا شعبية لايمكن إلا أن تغذي الفساد الذي تطلب مواجهته انتهاج خيارات جديدة ووجود إرادة سياسية حقيقية تترجم إلى إعداد استراتيجية شاملة لمقاومة الفساد وتفكيك منظومته اذ لا يعقل أن يواجه هذا الائتلاف الفساد بيد تصالحه (قانون المصالحة) وأخرى تريد لي ذراعه... إن هذه المنظومة الفاسدة بخياراتها ومؤسساتها لا يمكن أن تقاوم الفساد الذي هو شرط وجودها واستمرارها. وحتى وان لقيت حملة الاعتقالات الاخيرة تاييد جزء كبير من الراي العام فان الامر سينكشف لهذه الاوساط مع مرور الوقت مع عجز رئيس الحكومة على المضي في حربه ابعد من هذه المناورة، ذلك ان مقاومة الفساد لا يمكن ان تكون بعملية خاطفة وجزئيةمصحوبة بفرقعة اعلامية بل عبر وضع استراتيجية شاملة وجادة تستهدف المنظومة في كل ابعادها الاقتصادية والمالية والامنية وتحتاج اليات واطرا وامكانيات وقبل كل شيء ارادة سياسية جادة وحقيقية. والمسألة لا تتعلق بالحماسة او بالعواطف الجياشة بل هي مرتبطة بشروط موضوعية وهذه الحكومة هي في نهاية الامر تعبير عن مصالح هي بالضرورة مصالح طبقية لاقلية لا تستطيع مواصلة الحكم الا بالفساد والخيارات الطفيلية. فمقاومة الفساد ليست مسالة ظرفية بل هي مسألة هيكلية ترتبط بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية وبمنوال التنمية المنتهج اذا ان خيارات التفقير والتبعية المعتمدة من قبل حكومات ماقبل الثورة ومابعدها شكلت وتشكل حاضنة لتفريخ الفساد وترعرعه، ولا يمكن بالتالي مقاربة منظوم الفساد باعتبارها ملفا منفصلا بل باعتبارها ترتبط وتتداخل بعمق الخيارات التنموية ووحدها الخيارات الوطنية الديمقراطية والاجتماعية كفيلة بضرب قاعدة الفساد واجتثاث جذوره العميقة.
محمد الحباسي