بدايات بحوث الاقتصاد الزراعي في مصر (2-4) الجرائد والمجلات العِلمية


محمد مدحت مصطفى
2017 / 5 / 29 - 01:05     

الصحف الأولى:
أنشأ الفرنسيون بعد وصولهم مصر جريدتين الأولى هي "كورييه دي ليجبت" تصدر بالفرنسية كل أربعة أيام في أربع صفحات من القطع الصغير وصدر العدد الأول منها في 29 أغسطس 1798م، والثانية هي مجلة "لاديكاد ايجيسيين" أو “العشرية المصرية” حيث تصدر مرة كل عشرة أيام وتقوم بنشر أبحاث المجمع العلمي المصري، وصدر العدد الأول منها في أكتوبر 1798م. أما محمد علي فقد أنشأ عام 1827م "جرنال الخديو" باللغتين التركية والعربية من مائة نسخة فقط ليعرف منها أخبار مشروعاته، وكان تداول "جرنال الخديو" قاصراً على كبار رجال الدولة. في 3 ديسمبر 1828م أصدر الباشا أمراً بإنشاء "الجرنال الرسمي- الوقائع المصرية باللغتين العربية والتركية"، ولما تولى رفاعة الطهطاوي رئاسة تحريرها جعل النص الأصلي "للوقائع المصرية" باللغة العربية، وكانت نسخة الوقائع الصادرة في 23 جمادي الآخرة سنة 1263هـ "1847م" نمرة 68 هي أول نسخة وجدت باللغة العربية، أما آخر نسخة وجدت على النظام القديم فكانت الصادرة في 21 جمادي الآخرة سنة 1262 هـ "1846م" نمرة 17. هذا ولم تصدر في زمن محمد علي جرائد أخرى إلا جريدة متخصصة هي "الجريدة العسكرية" لنشر أخبار الجيش ولوائحه، وكان ذلك عام 1833م. وفي عام 1264 هـ أصدر إبراهيم باشا أمراً بإصدار جريدة زراعية جاء فيه "لما كان أمر التجارة والزراعة أساسا للرفاهية والثروة وقد أراد الجناب الخديوي أن يطبع جرنالاً جامعاً في شأن ذلك بحيث يشتمل على أخبار التجارة والزراعة والإعلانات الملكية وان يُنشر على البلاد والقرى كافة زيادة على نسخ الوقائع المعتاد نشرها في كل أسبوع".

وفي يوم السبت الموافق 17 أغسطس 1833 ظهر بمدينة الإسكندرية العدد الأول من صحيفة مصرية تصدر باللغة الفرنسية باسم المونيتير إجبسيان Moniteur Egyptien، وقد أثارت هذه الصحيفة التي كان يرأس تحريرها شاب فرنسي يدعى كاميل تور Camille Turles ويمولها بيت تجاري فرنسي في مصر هو "بيت باستريه" قدر من الجدل حول دور الحكومة في إنشائها. حيث اعتقد القنصل الفرنسي ميمو Mimaut أن الحكومة قامت برعاية هذه الصحيفة رداً على صحيفة عثمانية تصدر باللغة الفرنسية في الآستانة باسم المونيتير أتومان Moniteur Ottoman وكانت تهاجم الباشا في كل مناسبة. كما ساعد في انتشار هذا الاعتقاد أن العدد الأول منها تضمن مقال بعنوان "المقدمة" كان ترجمة حرفية لما أمدت به الحكومة المصرية رئيس التحرير. إلا أن ما يدحض ذلك أنه عندما تعرضت الجريدة لأزمة مالية وتدخل نفس القنصل الفرنسي لدي الباشا ولدى بوغوص يوسف بطلب دعم الجريدة ومدها بالأخبار والبيانات لم يلق استجابة كافية حتى توقف بيت باستريه عن التمويل ومن ثم توقفت الجريدة بعد أن أصدرت 31 عددا كان آخرها العدد الصادر يوم السبت 22 مارس 1834. ويذكر أمين سامي أن محمد علي أصدر أمراً إلى أرتين بك بصرف مبلغ 6124 فرنك اشتراك جرنال المسيو بوردو عن سنة 1846م لبيت الخواجه باستريه حسب المعتاد وخصمه على طرف الديوان، ولكن من غير الواضح أية معلومات عن هذا الجرنال.

المجلات العِلمية:
البحوث التي يُمكن تصنيفها على أنها بحوث اقتصادية زراعية ظهرت لأول مرة في بداية القرن التاسع عشر على يد عُلماء الحملة الفرنسية، ونخص بالذكر منهم جومار، إلا أن ظهور أول مجلة علمية متخصصة في الاقتصاد الزراعي وهي "المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي" تأخر صدورها إلى العِقد الأخير من القرن العشرين. لهذا السبب نجد أن بحوث الاقتصاد الزراعي بشكلها العِلمي الحديث كانت تُنشر في مجلة "مصر المُعاصرة" وهي أول مجلة علمية متخصصة ظهرت عند نهاية العقد الأول من القرن العشرين. إلا أن هناك مرحلة سابقة على مرحلة المجلات العِلمية المتخصصة لا يُمكن إغفالها، لأنها تضم عدد كبير من المقالات والبحوث الهامة، وهذه المرحلة تضم مجموعة الصحف والمجلات الزراعية والاقتصادية والثقافية بصفة عامة والتي تهتم بنشر مقالات وبحوث الاقتصاد الزراعي، ونتناول فيما يلي أهم هذه الصحف والمجلات، على أن نعود إليها بشيء من التفصيل بعد ذلك.

صحيفة الزراعة المصرية:
صحيفة "الزراعة المصرية" هي صحيفة زراعية تعني بشئون جميع الأنشطة الزراعية من نصائح وإرشادات، والقرارات الرسمية التي تصدرها الدولة. أما الموضوعات المتعلقة بالاقتصاد الزراعي المنشورة بها فكانت تضم: والبيانات الإحصائية، وأسعار السلع الزراعية، وأوضاع البورصات المحلية والعالمية، وحالة زراعات القطن في مصر والعالم، بالإضافة إلى إعلانات الدائرة السنية ومزادات بيع الأراضي الزراعية، وأخبار المعارض الزراعية. أما مدير تحرير الصحيفة فكان السيد/ اسكندر كوكر، هذا ولا تتوفر بيانات عن تاريخ صدور أول عدد وتاريخ توقفها عن الصدور.

مجلة المقتطف:
ويُمكن اعتبار مجلة "المقتطف" أول مجلة علمية مصرية تصدر كما ورد على غلافها بالعربية والإنجليزية، وأسسها كل من الدكتور يعقوب صروف والدكتور فارس نمر وهما من أوائل العرب الشوام الذين يحصلون على درجة دكتوراه الفلسفة، صدر العدد الأول منها في يناير 1908م وقام على طباعتها شهرياً مكتب المقتطف للطباعة بالقاهرة. وبنظرة سريعة على محتواها نجد أنها تضم مقالات علمية في جميع المجالات والتخصصات العلمية بما فيها المقالات الاقتصادية. وهي بذلك تسبق افتتاح جامعة القاهرة الذي تم في 11 سبتمبر من نفس العام 1908م.

صحيفة الجامعة المصرية:
وفي عام 1924م يجتمع خريجي الجامعة المصرية وطلابها على إصدار مجلة شهرية تهتم بنشر أخبار الجامعة والدفاع عنها وعن حرية البحث العلمي مع نشر مقالات علمية أدبية وتاريخية واقتصادية باسم "صحيفة الجامعة المصرية" وكان مديرها المسئول ورئيس تحريرها عبد الكريم احمد السكري الحاصل على ليسانس في الآداب، وصدر العدد الأول في نوفمبر من ذلك العام، وكان يتم طباعتها في مطبعة التقدم بشارع محمد علي في القاهرة. وجاء في صدر صفحة غلاف العدد الثامن الصادر في يونيه 1925م مقتطف من مقال للدكتور على العناني جاء فيه "للجامعات ميزة خاصة تمتاز بها عن كل ما سواها من المعاهد العلمية وتلك الميزة هي الحرية المطلقة والحياد التام. أما الحرية فحق لها أن يمنحها أن تضم إلى برامجها كل ما أنتجه الفكر الإنساني. وأما الحياد فمعناه أن يشمل التدريس فيها جميع الآراء المتباينة بذاتها كما هي بدون أي ترويج لجهة معينة من جهتها. وعلى الأخص في المعتقدات والسياسات".

مجلة الفلاح الاقتصادي:
مجلة "الفلاح الاقتصادي" مجلة اقتصادية تُعنى أساساً بالشأن الزراعي. تتميز هذه المجلة عن غيرها من المجلات بأمرين: يتمثل الأول في أنها تصدر أول كل شهر زراعي، والسنة الزراعية في مصر تستخدم التقويم المصري القديم وهو "التقويم القبطي" الذي يبدأ بشهر توت المُقابل ليوم 11 سبتمبر في التقويم الميلادي. أما السنة الزراعية فتبدأ مع بداية الشهر القبطي الثاني وهو شهر بابة المُقابل ليوم 11 أكتوبر في التقويم الميلادي، وعلى ذلك كانت المجلة تقوم بتنبيه المزارعين نحو الإجراءات والممارسات الزراعية اللازم اتخاذها خلال الشهر الذي تصدر فيه. أما الأمر الثاني فهو أن المجلة كانت توزع مجاناً كهدية للقراء حيث كان صاحب هذه المجلة ومحررها هو السيد/ ثابت ثابت وهو من كبار تجار الأسمدة الكيماوية في مصر، وكانت مخازن وكالته تقع بشارع المناخ نمرة 16 بالقاهرة، وبشارع اسحق النديم نمرة 2 بالإسكندرية، وكان أيضاً الوكيل العام لنقابة المعامل الألمانية للأسمدة الأزوتية، فكانت الصحيفة بمثابة دعاية غير مباشرة لهذه الأسمدة. صدر العدد الأول من هذه المجلة في "أول بابة 1650ق- 11 أكتوبر 1934م"، ومن غير المعروف تاريخ توقفها عن الصدور. وقد تم طباعة العدد الأول في مطبعة مصر الكائنة في 40 شارع نوبار باشا "المبتديان سابقاً"، ثم انتقلت طباعتها إلى المطبعة المتحدة لصاحبها د. فوتيادس وشركاه الكائنة بشارع المدابغ نمرة 33، وأخيراً استقرت في مطبعة الإخاء الكائنة بحارة الرويعي نمرة 17. وتضم المجلة خمسة أبواب ثابتة هي: القسم الزراعي- القسم الصناعي- القسم التجاري- القسم المالي- ثم الخلاصة الشهرية، أما العدد السنوي الذي يصدر في الصيف فكان يتم إخراجه بشكل مختلف. ومن أهم موضوعات الاقتصاد الزراعي التي تناولتها كان وصف وشرح تفصيلي لعملة إدارة المزارع الملكية باعتبارها المزارع المثالية في ذلك الوقت التي تستخدم تكنولوجيا عصرها،.

مجلة الطليعة:
صدر العدد الأول من مجلة الطليعة القاهرية الشهرية في يناير 1965 م عن دار الأهرام، وكانت تعبر عن رأي غالبية المثقفين الماركسيين المصريين بعد موافقتهم على حل أحزابهم السرية وانضمامهم إلى الاتحاد الاشتراكي العربي وهو التنظيم السياسي الوحيد في ذلك الوقت، ورأس تحرير المجلة السيد/ لطفي الخولي، وضم مستشارو تحرير العدد الأول كل من: د. إبراهيم سعد الدين، د. جمال العطيفي، د. رشدي سعيد، د. عبد الرازق حسن، د. عبد الملك عودة، د. محمد الخفيف، الأستاذ أمين عز الدين، وتولي سكرتارية التحرير كل من: ميشيل كامل، وعبد المنعم القصاص. وصدر العدد الأخير منها في فبراير 1976 م حيث أغلقتها السلطات المصرية بعد الاضطرابات الشعبية التي اندلعت في أعقاب قرار الحكومة بمضاعفة ثمن الخبز يومي 18 و 19 يناير 1976 م. عادت مجموعة التحرير وأصدرت على نفقتها الخاصة نحو ستة أعداد في أوقات متفرقة خلال الفترة (84-1987م). وقد صدر العدد الأول من هذا الإصدار الثاني في مايو 1984م اهتمت المجلة بقضايا الاقتصاد الزراعي والمجتمع الريفي حيث كان الموضوع الرئيسي للعدد الأول من المجلة تحت عنوان "قضية الأرض والفلاح في مصر"، وتم تخصيص العدد التاسع من كل عام الصادر في شهر سبتمبر ليكون مختصًا بقضايا الريف المصري.