مفاهيم حول وحدة قوى اليسار العراقي -الجزء الأخير-


فاضل عباس البدراوي
2017 / 5 / 26 - 15:57     

ج2 والآخير
كنت قد شرحت في الجزء الاول من هذا المقال عبارة (وحدة) ، وفي هذا الجزء ساشرح جملة (قوى اليسار ) حسب تصوري.
2- (قوى اليسار) جملة تدل على مجموعة من الأشخاص، يشكلون تنظيمات سياسية، تتبنى الفكر اليساري، وتناضل من أجل تحقيق البرامج الذي تشكلت من أجلها تلك التنظيمات.
فلو اسثنينا الحزب الشيوعي العراقي، عن مجموعة منظمات ظهرت معظمها الى الوجود بعد سقوط الدكتاتورية. حيث ان لهذا الحزب جذور تاريخية في المجتمع العراقي وتأسس بظروف تاريخية وموضوعية لا زالت قائمة، بالرغم من كل الصدمات والانتكاسات التي تعرض لها، على مدى أكثر من سبعين عاما من عمره النضالي. فلا أحد يمكنه ان يتغافل عن دوره التاريخي وتضحياته الجسام في سبيل قضايا الشعب والوطن العادلين. كما لا أحد ينكر ان الحزب قد وقع في اخطاء سياسية عديدة خلال مسيرته الكفاحية، ومعظم تلك الأخطاء، تعود للسنوات الطويلة للنضال السري، وما يترتب على العمل السري من تقليص للديمقراطية داخل الحزب لأسباب احترازية وضرورات العمل السري، الذي أدى بدوره الى تقليص اسهامات رفاق الحزب في صيرورة برنامجه النضالي وبروز دور الفرد (قائد الحزب وبعض من قيادييه) في رسم سياسة الحزب، اضافة للضربات التي تعرض لها الحزب على يد الأنظمة الدكتاتورية التي افقدت الحزب خيرة كوادره المجربة، خصوصا بعد فقدان الحزب لقيادته التاريخية الرفاق (فهد، حازم، صارم) الذين اعدمتهم سلطات النظام الملكي السعيدي الدكتاتوري الرجعي، بداية عام، 1949مما أدى الى تبوء عناصر لقيادة الحزب، تفتقد للخبرة والتجربة التي تؤهلها لتبوء القيادة، وقد سبب ذلك بوقوع الحزب في تلك الأخطاء. الحزب الشيوعي العراقي اليوم، شئنا أم ابينا، هو القوة الرئيسية في الحركة اليسارية العراقية ، بعد ان تمكن من جمع شتاته وامتداد تنظيماته على طول البلاد وعرضه، في الفترة التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري، لكن ذلك لاينفي ان الحزب قد تعرض لأخطاء خلال هذه الفترة، وان كانت هناك اخطاء فلا تتحملها قيادة الحزب وحده، انما يشاركه في تحمل تبعات هذه الأخطاء جميع كوادر الحزب وحتى قاعدته، لأن الحزب يمارس عمله في الظروف العلنية ويعقد مؤتمراته المحلية والعامة بصورة مستمرة، اضافة للندوات التي يعقدها ومن خلال مطبوعاته التي تنشر برامجه يعلن عبرها عن سياساته بخصوص الوضع العراقي والدول.
اما عن ظهور تنظيمات تتبنى الماركسية، فهذا أمر طبيعي، حيث لا يمكن ان تكون الماركسية حكرا على أحد. فلو أجرينا جردا لهذه التنظيمات، نجد ان بعضها تتشكل من بضعة افراد في العاصمة بغداد، وليست لها امتدادات في سائر ارجاء البلاد، يعتمدون في طرح ارائهم وافكارهم على مواقع التواصل الأجتماعي ومواقع الانترنت، كموقع الحوار المتمدن، فلو أخذنا على سبيل المثال، ما يسمى، بتيار اليسار الوطني، الذي ينشط في كتابة البيانات والمقالات على موقع الحوار المتمدن، نرى ان معظم تلك المقالات تفتقر الى الرصانة في الاسلوب، وركاكة لغوية في السرد وتبتعد عن النقاش الموضوعي، وتأخذ طابعا شخصيا في توجيه النقد الى سياسة الحزب الشيوعي، ويصب المنسق العام للتيار والناطق الرسمي بأسمه ورئيس تحرير جريدته!، جام غضبه على سكرتير اللجنة المركزية وقيادة الحزب الشيوعي، ويحملهما كل اخطاء مرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية، بل يصل به ألأمر الى حد التخوين.
المشكلة انني منذ سنوات أقرأ بأستمرار بيانات الأخ او الرفيق صباح الموسوي، لكنني بحثت ومستمر لحد اليوم في البحث عن تياره (والتيار بمعناه اللغوي أوسع من الحزب) عجزت ان أجد له مقرا، أو أحدا من كوادره او عضو من اعضائه، حتى لو أفترضنا انه يمارس العمل السري في نشاطه، فهل هذا يمنع من ان تكون له امتدادات او نشاطات ملموسة؟، ألم يمارس الحزب الشيوعي العمل السري لسنوات طويلة؟ ، لكن بصماته كانت واضحة على مجمل نضالات شعبنا العراقي، وكان يخرج من كل ضربة سالما معافى رغم الجراح العميقة التي كان يعاني منها، واليوم اصبح العمل العلني متاحا للجميع، وهذا هو المكسب الوحيد الذي جناه الشعب العراقي بعد الأطاحة بالدكتاتورية، فكيف في مثل هذه الأجواء لا نجد أي أثر لتيار الرفيق صباح؟، ولم يعلن عن عقد مؤتمرات لمنظمته طيلة هذه ألأعوام، ولا أحد يعرف شيئا عن قيادته باستثناء الرفيق صباح الموسوي!. وهل هو فعلا داخل الوطن او يمارس نضاله من الخارج فقط؟، وآخر بيان صدر عنه، هو البشرى التي حملها للقوى الثورية العراقية، وهو انطلاق الثورة الشعبية، من جبال كردستان لتمتد لهيبها الى أهوار الجنوب (ربما بقيادته)!! أنه لعمري حلم طوباوي جميل يراود الرجل.
كما وقد ظهر قبل شهور عديدة، تنظيم آخر أطلق على نفسه، الحزب الشيوعي العراقي اليساري! وهذه التسمية ملفتة للنظر، حيث لا توجد أحزاب شيوعية يسارية ووسطية ويمينية، انما هذه اجنحة في ألأحزاب الليبرالية فقط، وتتميز ألأحزاب الشيوعية عن تلك ألأحزاب بوحدة ألأرادة والعمل، ومن حق عضو الحزب ابداء آراءه بكل حرية ضمن المنظمة الحزبية التي ينتظم فيها، على ان يلتزم برأي ألأكثرية، لذلك ذكرت ان تلك التسمية لاتطلق على أي حزب شيوعي، ويبدو ان الرفيق صاحب هذا التنظيم (ان كان هو تنظيم قائم فعلا) كصاحبه، صاحب التيار اليساري! ربما لديهم طموحات شخصية يبغون تحقيقها من خلال الاعلان عن احزابهم، وهناك تسميات اخرى كأتحاد الشيوعيين العراقيين وغيرها. في واقع الحال لاوجود فعلي لتلك التنظيمات على أرض الواقع. أما الحزب الوحيد من بين تلك ألأحزاب المزعومة الذي له نشاط ملموس وله مقر وتصدر عنه صحبفة دورية ويعقد كل عام أو عامين مؤتمرا ينتخب فيه قيادة حزبية وسكرتير جديد، فهو الحزب الشيوعي العمالي العراقي، بالرغم من صغر حجم هذا الحزب ألا انه موجود على ألأرض كما أسلفت آنفا، بغض النظر عن المنطلقات الايدولوجية لهذا الحزب، يمكن أن يشكل تحالفا ثنائيا مع الحزب الشيوعي مع شخصيات يسارية وماركسية غير منتظمة في أي من تلك الأحزاب، لكن مشكلة هذا التنظيم، هو انه لايؤمن بالمشاركة في الانتخابات النيابية والمحلية، فلو اجتاز هذه العقبة يمكن آنذاك ان يكون شريكا في تحالف انتخابي او حتى أكثر، عبر النضال العمالي والشعبي المشترك لتحيق أهداف الطبقات الكادحة.
خلاصة القول، ما أحوجنا اليوم الى تحالف انتخابي، ذو قاعدة شعبية واسعة، تلتئم فيه كل التيارات والشخصيات اليسارية والعلمانية والليبرالية، تتخطى الذاتية والانانية، والأختلاف على المراكز القيادية فيها، لأن الوضع السياسي العراقي المعقد، من حيث الأصطفافات الطائفية والأثنية، التي تحوز المال وماكنة اعلامية ضخمة تمول من المال العام الذي استحوذوا عليه، من خلال السلطة التي يقودونها منذ أكثر من عقد من السنيين، كما لبعضها لها امتدادات أقليمية وحتى دولية. لذا لايمكن مقارعتها والحد من نفوذها الا عبر التحالف المنوه عنه اعلاه، اما اذ حدث العكس، فستبقى القوى المتنفذة سيدة المشهد السياسي لفترات طويلة اخرى من الزمن، وان حدث ذلك ألأمر فالقوى المنوه عنها اعلاه تتحمل المسؤولية التاريخية عن اخفاقها. ولنا من تجربة الأنتخابات الفرنسية الأخيرة خير مثال، عندما اوعزت كافة قوى اليسار الفرنسي، بضمنها الحزب الشيوعي الى أعضائها ومناصريها بالتصويت، لمرشح يمين الوسط، ماكرون، لقطع الطريق على امكانية فوز مرشحة اليمين الفاشي، مارين لوبين، وهذا هو نموذج يقتدى به من قبل كل قوى اليسار في العالم ومنها العراق.