أي تحالف لليسار في العراق ممكن ؟؟


عواد احمد صالح
2017 / 5 / 19 - 18:18     

أي تحالف لليسار في العراق ممكن ؟؟
عواد احمد

اليسار مفهوم ملتبس وغير واضح عندما يتعلق الامر بموضوع اليسار في العراق اي تحديدا الاحزاب الشيوعية واليسارية التي يبلغ عددها ستة احزاب* ... باستثناء الحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر اكبر واقدم الاحزاب الشيوعية في العراق ومن خلال استقراء توجهات وبرامج الاحزاب الخمسة الاخرى فان تلك الاحزاب لديها توجهات مشتركة تقريبا في خطوطها العامة فيما يتعلق بالوضع العراقي ضمن برنامج الحد الادنى الذي يتضمن :
- معارضة وادانة نظام المحاصصة الطائفية وتوجهاته وسياساته التي اغرقت البلد بالعنف والفساد والارهاب والخراب ورهنت العراق بيد الدول الاقليمية والوصاية الاميركية وبشكل ادق رفض مايسمى العملية السياسية التي اقامها الاحتلال الاميريكي المبنية على نظام المحاصصة الطائفية والقومية وتقسيم البشر في العراق على اساس الطائفة ، العرق، المذهب ،الدين ،القومية ، وحتى المناطقية .
- الدعوة الى فصل الدين عن الدولة وحتى التربية والتعليم واقامة نظام سياسي يقف بمستوى واحد ازاء جميع الاديان .هذه الدعوة وعلى عكس مايروج له البعض تتضمن احترام الطقوس والشعائر الدينية بوصفها خيارات فردية خارج اطار السياسة والايديولوجيا السياسية للاحزاب الدينية .
- الدعوة الى اقامة نظام قائم على اساس المواطنة المتساوية ومساواة المراة مع الرجل بشكل تام .
- الدعوة الى تكريس واحترام الحريات الفردية والمدنية وحرية النشر والتعبير والصحافة وحرية التنظيمات النقابية والمهنية للطبقة العاملة دون قيد اوشرط .
- معارضة جميع مشاريع الخصخصة في الصناعة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها وبيع وافشال القطاع العام التي تسعى الحكومة الحالية الى تكريسها وبشكل تدريجي وخفي وباستغفال تام للجماهير وفقا لاوامر وتوجهات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسياسة النيوليبرالية التي ابتدأها الاحتلال بقرارات بريمر المئة السيئة الصيت.
هذه هي الخطوط العامة تقريبا لبرنامج الحد الادنى التي اعتقد ان الاحزاب والقوى الشيوعية في العراق تتبناها او يمكن تشكل مشتركات في سياساتها وبرامجها .طبعا باستثناء الحزب الشيوعي العراقي الذي يشارك في العملية السياسية ولدية تحالفات وتفاهمات مع الاحزاب الاسلامية بما فيها تيار الصدر والاحزاب القومية الكردية وسبق ان وافقت قيادته السابقة بشخص حميد مجيد موسى على قرارات بريمير المئة عندما كان عضوا في مجلس الحكم .والحزب الشيوعي العراقي يدعو دائما من خلال تصريحات قادته وبياناته الى اصلاح العملية السياسية من الداخل ويؤكد على التزامه بالعملية السياسية والانتخابات .
الحزب الشيوعي العراقي والتحالف مع اليسار
كلنا سمع قبل فترة بالاجتماع التشاوري لبعض الشخصيات اليسارية الذي عقد باشراف اعضاء من قيادة الحزب الشيوعي والذي ترافق مع زيارة رائد فهمي وعدد من القياديين الى مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وربما كان يهدف الى التنسيق او التشاور او نوع من التفاهمات خصوصا بصدد الانتخابات القادمة . وفي الاونة الاخيرة زار رائد فهمي مسعود البرزاني وجلال الطالباني في اربيل والسليمانية لنفس الاسباب .
ومع توقف او فشل الجهود التي كانت تهدف الى اجراء نوع من التحالف بين قوى اليسار اتضح ان الحزب الشيوعي لم يكن جادا في مشروع التحالف مع القوى والاحزب الشيوعية انما كان يهدف الى جمع ما يمكن جمعة من تلك الاحزاب لاغراض واهداف انتخابية وليس من اجل هدف اقامة تحالف استراتيجي مع تلك القوى .ان النية الصادقة لو توفرت فانها تقتضي الاعتراف الرسمي من قبل الحزب بتلك الاحزاب والقوى الشيوعية اولا والتشاور والتنسيق المشترك مع تلك الاحزاب وفقا للمشتركات والخطوط التي اشرنا اليها فذلك اولى واجدى من التحالف والتنسيق مع الصدريين او الاحزاب القومية الكردية .
ومن خلال استقراء ومعاينة سياسة الحزب الشيوعي العراقي منذ 2003 وحتى اليوم والتي تؤكد على التمسك بالعملية السياسية والتحالف مع الاحزاب الاسلامية والقومية فان الحزب لم يطرح حتى اليوم على مستوى البرنامج والسياسة رؤية واضحة (شيوعية ويسارية ) لكيفية الخروج من المأزق السياسي لنظام المحاصصة والفساد المرتهن للوصاية الاميركية والدول الاقليمية انما كان دائما يؤكد على اقامة التحالف والتنسيق ضمن قوى يسميها ( التيار الديمقراطي) ذلك التيار البرجوازي والليبرالي الضعيف والمهلهل والذي تمثله نخب واستاذه جامعيين وشيوعيين سابقين ليس لديهم قاعدة جماهيرية او رؤية تنظيمية واضحة ومتماسكة .وكل هدفهم الستراتيجي هو المشاركة في الانتخابات على امل الحصول على بعض المقاعد البرلمانية تمكنهم من الوصول الى اقامة " الدولة المدنية " التي هي دولة توافقية وسطية تقف في الوسط بين الدولة العلمانية ونظام المحاصصة الطائفية والقومية الحالي .
نستنتج هنا ان الحزب الشيوعي العراقي ووفقا لبرامجه وخطابه السياسي ( البرجوازي الديمقراطي ) وتحالفاته طيلة 14 سنة الماضية مع الاحزاب الاسلامية والقومية البرجوازية ليس جادا ولا مؤهلا لاقامة اي تحالف يساري جدي على اساس برنامج الحد الادني الذي طرحناه في بداية هذا المقال ذي النقاط الخمس او غيرها رغم جميع الدعوات والنوايا الطيبة سواء تلك التي طلقها الرفيق رزكار عقراوي منسق الحوار المتمدن وغيرة من الكتاب والسياسيين .
اما ان القوى اليسارية والشيوعية وكلما تعالت الدعوات الى تحالفها او وحدتها في سياق الفشل المريع لنظام المحاصصة الطائفية والقومية المرتهن للقوى الامبريالية والاقليمية والذي ينخره الفساد السياسي والاقتصادي عليها ان تشكل قوى جماهيرية كبيرة ومعارضة ضمن برنامج واضح ومحدد استنادا الى الحراك والاحتجاج الجماهيري فتلك هي مسؤوليتها التاريخية و (الوطنية ) والتزامها امام الجماهير الكادحة والمحرومة من اجل الشروع بتغيير حقيقي جذري ذو افق (وطني وديمقراطي) واشتراكي ..والا فان اللهاث وراء الممارسات السياسية اليومية البائسة على نمط الشعار القديم للاشتراكيين الديمقراطيين الاوربيين ( الحركة هي كل شيء والهدف النهائي لا شيء ) لن تجدي فتيلا
ان النوايا الطيبة التي يحملها اصحاب الدعوة للتحالف بين القوى اليسارية والشيوعية للاسف غير كافية لتغيير القوالب السياسية النمطية الجامدة لدى بعض القوى والاحزاب وتجاربنا في العراق تشير للاسف دائما الى تمزق وتشتت قوى الشيوعية واليسار اكثر مما تشير الى امكانيات الوحدة او التنسيق .
مطلوب في هذه المرحلة من الاحزاب والقوى الشيوعية الرديكالية ان تتحالف او تندمج فيما بينها قبل ان تتم دعوتها الى تحالف واسع للقوى اليسارية والديمقراطية .
هامش
*الاحزاب والقوى الشيوعية الستة المشار اليها في هذا المقال
- الحزب الشيوعي العراقي
- التيار اليساري الوطني العراقي
- حزب اليسار الشيوعي العراقي
- اتحاد الشيوعيين في العراق
- الحزب الشيوعي العمالي العراقي
- الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي