المرأة التونسية بين السياسي المنفلت والديني المنغلق


فوزي بن يونس بن حديد
2017 / 5 / 14 - 18:11     

بورقيبة ميّعنا عندما عرّى المرأة، وبن علي أرهبنا عندما أرادت المرأة أن ترجع إلى صوابها وتغطى ما تعرّى من جسدها عنوة، فبينما كانت المرأة التونسية محتشمة، لا ترى من جسدها إلا ما أباح لها الشرع، كان الزعيم بورقيبة يسخر من لباسها، ويستهزئ من هيئتها، ويرى ذلك تخلّفا ورجعيّة وظلاميّة، ولما رأيتُه كيف يعرّي رأس امرأة تبدو عليها علامات الحشمة تفلْتُ في وجهه حينها وتذكرت أنه السبب في ما نشاهده اليوم في تونس من عُريٍ، فلم تعد العائلات التونسية تربّي بناتها على الاحتشام المطلوب الذي يبقيهن على مسافة من التحرش الذي بدا اليوم أمرا عاديا في تونس وفي غيرها من البلدان العربية.
وعندما أتحدث عن تونس إنما أتحدث عن دولة سبقت عديد الدول العربية نحو التمدن والتطور الأخلاقي المتدني، رغم الحسنات التي يضرب بها المثل في التعليم والصحة، ولا نشك أن تونس كانت في وقت ما رائدة في مجالي التعليم والصحة، واستفادت من حقبة الاستعمار والاحتلال الذي كان جاثما عليها في وقت ما، غير أن هذه الفرحة لم تدم طويلا فجاء بن علي فدمرها تدميرا، بداية من التعليم الأساسي على التعليم الجامعي، وخلق حالة من الاحتقان والتأخر الدراسي والخروج المبكر من الدراسة والتفكير في المال والأعمال، هذه الحقبة ليست قصيرة، فهي امتدت لنحو خمسين عاما من إذلال الشعب التونسي، وزرع الانحلال الخلقي من خلال التضييق على النساء الملتزمات اللواتي طالهن التعذيب والتنكيل والاغتصاب الفردي والجماعي في زنزانات تونس الكثيرة والمتعدّدة إضافة إلى سماحها بوجود أوكار الفساد المعروفة في تونس بكافة ولاياتها التي تسمح للشباب بممارسة الدعارة وعلى أعلى مستوى.
هذا الانحلال الخلقي خلال فترة غير قصيرة من الزمان أنتج مجتمعا إباحيا إلى حد النخاع، وسمح للشباب بأن يتخذ خليلة متى أراد وبموافقة الفتاة، بينما يجرّم القانون التونسي من يتزوج ثانية وبطريقة شرعية تقلل من حالة العنوسة التي نعيشها اليوم في مجتمعاتنا العربية عموما وفي المجتمع التونسي الذي كثرت فيه حالات الطلاق بعد الزواج، والسبب في نظري هو تمتع الشاب بخطيبته سواء في فترة الخطوبة أو بعد عقد القران وقبل الزواج، وبعد الزواج تفتر العلاقة بينهما وتزداد الشكوك والظنون ودون وازع أخلاقي يقع كلاهما في مخالفات أخلاقية، ما الذي يدعو المرأة إلى ارتكابها؟ وما الذي يدعو الرجل إلى خيانة زوجته وهو يقضي وطره منها؟
ما نراه في تونس اليوم من تبجّح المرأة بلباسها وتبرّج فاضح لا سيما في فصل الصيف، وتبجح بكلمات بذيئة وواضحة، تخجل منها الكائنات الأخرى فضلا عن الإنسان ينذر بكارثة عظيمة إذا لم يتم احتواؤها سريعا، وذلك سبب للكبت الذي كانت تعيشه المرأة من تدخل سافر من قبل أعوان بن علي في لباسها، وإجبارها على الاختلاط بالرجال، وإكراهها على البغاء، والتحرش بها في أماكن العمل والأماكن العامة، مما جعل المرأة تستأسد في بعض الأحيان وتقوم بأفعال لا يقوم بها الرجال عادة، ولم يعد يهمها أن تخرج بلباس شفاف أو حتى نصف عارية أمام الرجال ولم يعد للمبادئ والقيم والعادات أثر في تربيتها، لأن المجتمع الرجالي قد تعود على مشاهدة هذه الأفلام اليومية، ولم تعد للمرأة خصوصية واحترام، فهي أصبحت تباع وتشترى كل يوم بالمزاد في أعين الرجال، وما يحدث في المجتمع من مصائب ومشكلات نتيجة هذا الانفتاح الزائد عن حده الذي جاء به بورقيبة وزبانيته، ومن بعده بن علي وأعوانه.
إذا أرادت تونس أن تنهض عليها بإصلاح الأخلاق أولا، فالأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، ولا يمكن أن نصنع السياسة أو الاقتصاد أو غيرهما من مجالات الحياة إلا بالأخلاق ولا شيء غير الأخلاق، ولا تستقيم المجتمعات كلها أيضا إلا بالأخلاق، ولا يعني ذلك التطرف والخروج عن الاعتدال، بل يعني الاعتدال في كل شيء في الحياة، وأخذ الأمور من الوسط، لأننا في الأساس أمة وسط، وإذا أرادت أن تخرج تونس من قمقمها السياسي ووضعها الاقتصادي ومأساتها الاجتماعية فما عليها إلا أن تشمّر ذراعيها وتبني مستقبلها بيديها، وتبدأ أولى خطواتها نحو الرقي والإصلاح، ويبدأ تطهير الفساد من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، مع التدريج نحو الإصلاح الخلقي في الأساس لأنه هو الذي يصنع الأجيال القادمة، وإصلاح التعليم وبناء ذات الإنسان على أسس قويمة بعيدة عن معاني التزمت والتطرف، فبناء الإنسان جسديا ونفسيا وتربويا وخلقيا هو الذي يصنع الأمم الراقية.
هذه نظريتي لبلد أنتسب إليه وعشت فيه وأعرف تفاصيله، وهذه رسالتي للمرأة التونسية أن تؤوب إلى رشدها وتعود إلى تاريخها، فهي التي صنعت الرجل وهنأَت بحياتها معه في ظل من التفاهم والتناغم والتناسق، وهي التي كانت رائدة في كل المجالات دون أن تتبرج في لباسها أو تتفسخ في أخلاقها.