صلاح الدين اليوبي و سقطة يوسف زيدان


محمد فيصل يغان
2017 / 5 / 12 - 18:15     

صلاح الدين الايوبي و سقطة يوسف زيدان
يوسف زيدان مفكر و مؤرخ و روائي كبير، يقول في مقابلة تلفزيونية ان صلاح الدين الايوبي احقر شخصية في التاريخ و يقدم من جعبته المعرفية الواسعة افعال و مواقف لصلاح الدين تبرر هذا الحكم و ترسخه في الاذهان بهدف اسقاط ما يراه رمزا مزورا في التايخ يساهم في تأجيج رغبات العنف لدى الشباب المنتمين للاسلام السياسي، في حين ان مشروعه الحقيقي هو صراعه ضد عروبة هوية مصر منذ غزوة العك (الاخابث) كما يصف فتح مصر و تحيزه للهوية للفرعونية، هدم هوية و بناء بديل، و الظرف السياسي القائم في مصر يبارك مهاجمة كل ما له علاقة بالاسلام السياسي و فكره و من هذه الفسحة يدخل زيدان.
زيدان مؤرخ و يعلم ان التاريخ جرد و سرد و نقد، اي ان لدينا الوقائع و الصحاف و الحفريات بداية و منها تصاغ السرديات التي تتوافق و اهواء او اهداف السارد. حسن النية او سوءها في انشاء السردية لا يحدد قيمة السردية المنتجة، فالسرد ليس علما بالمعنى الكامل و انما تتحدد قيمتها بقدرتها على تحقيق هدفها. سوء النية او حسنها مدخل من مداخل نقد السردية القائمة و احلال اخرى تهدف لامر آخر تماما. و زيدان يعلم ان هوية الانسان ببعدها الاجتماعي تقوم على سردية مثالية بل الاصح اسطورية، فالاسطورة ما هي الا سردية مؤسسة للهوية و حين ندمر هذه الاسطورة علينا ان نتيقن باننا نبني الهوية على سردية مؤسسة بديلة و هو في حالة زيدان الاسطورة الفرعونية. و هو يعلم ان التاريخ و البحث فيه لا يمكن ان يكون حياديا بالكامل، فطبيعة الموضوع لا تسمح خصوصا في حالة السرد، و اهمية التاريخ من خلال السردية هو في رفع شأن الهوية و احترام الذات. فماذا يربح زيدان من هز ثقة الشعب المصري بقيمة هويته و خصوصا في هذه الظروف التي تمر بها مصر؟ و هل يعتقد حقا ان انشاء هوية مصرية جديدة قائمة على الفرعونية هو مشروع قابل للتحقق؟ ام ان الموضوع مجرد تحميل وزر التخلف الذي تعيشه مصر للهوية العربية (الطارئة حسب زيدان) و ان الشعب المصري متميز عن العرب الذين يقفون اليوم في موقف تاريخي لا يحسدوا عليه؟
اذن زيدان يعود الى المجرودات و يعيد ترتيبها في سردية تطبع صلاح الدين بالحقارة، سردية تقوم على تفاصيل يهملها المؤرخون و التاريخ نفسه، لا على دور الرمز في مفاصل التاريخ و مدى تمثيل هذا الرمز لروح المرحلة التاريخية. سقطة عالم ولدت رد فعل شديد لدى العموم، فهويتهم قد اهتزت، و مكانتهم في نظرهم بالمقارنة بالآخر قد اهتزت، و هي اهانة في الصميم لكل من يصف نفسه بحفيد صلاح الدين. من تكلم هنا ليس زيدان المؤرخ بل زيدان السياسي، و السقطة تتمثل في توظيف العلم في السياسة و ادعاء العلمية لترويج موقف سياسي.
اذن سردية مقابل سردية، موقف فكري و توجه سياسي مختلف خلف كل منها، و قيمة سردية زيدان ليست اكثر علمية و لا حيادية، لان نتيجة الاثنتين هي قيمية، و هذه من طبيعة التاريخ، هل نقيم الرموز احداثا او اشخاصا حسب تفاصيل وقعت ام نقيم على اساس دورهم في مجرى التاريخ العام و تاثيرهم فيه؟ الم يستشهد هيغل بالمثل القائل (الرجل ليس بطلا في نظر خادمه الشخصي) لأن الاخير يرى التفاصيل الشخصية من حاجات طبيعية و عيوب و نقص بشري، و لو اخذنا مقياس التفاصيل و ابرزناها في السردية لكان بالامكان نزع و تحطيم السرديات المؤسسة لكل الهويات الانسانية و منها الفرعونية، فماذا لو تبنينا السردية القائلة بان رمسيس الثاني هو فرعون موسى؟ هل سيدعوه المؤرخون بالحقير؟
التريخ حمال اوجه، و هو جزء من الحاضر و يعيد تشكيل ذاته بما يناسب هذا الحاضر و شتان ما بين العلم و الخباثة السياسية.