سوريا بين التصعيد العسكري وتنافس الإمبرياليات


غياث نعيسة
2017 / 5 / 8 - 19:52     



سوريا بين التصعيد العسكري وتنافس الإمبرياليات

ازداد المشهد السوري اسودادا بعد الضربة الامريكية ضد قاعدة الشعيرات الجوية في ليلة 7 نيسان/ابريل ردا على الهجمة الكيماوية التي تعرضت لها بلدة خان شيخون.

وتعالت اصوات في حركة مناهضة الحرب العالمية تتحدث عن مخاطر حرب امريكية وشيكة. في حين ان المرجح هو ان هدف هذه الضربة الامريكية ليس بداية غزو امريكي واسع لسورية بل هو اقرب ما يكون لضربة « اعلامية » تخص حسابات ترامب.
والحال٬ فقد صرح الرئيس الشعبوي ترامب لمحطة فوكس نيوز في 12 نيسان بانه وخلال تذوقه «  لأجمل قطعة كاتو بالشوكولاتة يمكن ان تراها عين » مع نظيره الصيني جي جينبنغ وصلته رسالة من الجنرالات بانهم جاهزون للضربة٬ فاعطاهم موافقته على اطلاق 59 صاروخا تجاه العراق ( اضطرت الصحفية الى تصحيحه : تجاه سوريا).
وهكذا ٬ مع تنفيذ الضربة٬ اشاعت وسائل الاعلام انطباعا بان ثمة عودة الى حقبة « الحرب الباردة » ولا سيما مع التصريحات الحادة للمسؤولين الامريكيين والروس التي رافقت ضربة مطار الشعيرات. وتم الترويج لفكرة بان الضربة الامريكية لمطار الشعيرات انما هو تطبيق لاستراتيجية امريكية جديدة في سوريا مخالفة وفي قطيعة مع تلك التي مارستها ادارة اوباما . لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية ايغور كوناشينكوف صرح بان فقط «  36 صاروخ توماهوك من اصل 59 اصابت المطار٬ بينما مايزال مكان سقوط الصواريخ الاخرى مجهولا ». وما له دلالة في محدودية ورمزية الضربة الامريكية هو ان الاضرار التي اصابت قاعدة الشعيرات لم تمنع النظام من استعادة نشاط المطار منذ اليوم التالي٬ حيث حلقت الطائات من جديد ومارست عملياتها المعهودة في الغارات والقصف٬ تماما كما كانت مهمته قبل القصف الامريكي.

وفي 12 ابريل رفعت روسيا مجددا٬ وللمرة الثامنة٬ الفيتو في مجلس الامن ضد قرار يدين جريمة استخدام السلاح الكيماوي في مدينة خان شيخون التي جرت في 4 ابريل وهو قرار يدعو الي تشكيل لجنة تحقيق دولية في الحادثة. ومرة اخرى٬ قامت روسيا بوتين بحماية حليفها النظام المجرم للاسد. وهكذا يستمر الحال كما كان في السابق..

لعبة خطيرة
وفي المقابل٬ فان اجتماع الدول السبع الكبرى الذي عقد يومي 10-11 لم يبدل كثيرا في المعزوفة المكررة للدول الغربية: «  لا يوجد مستقبل ممكن لسوريا مع بقاء الاسد ». كما صرح وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرو معبرا عن التسوية التي توصل لها اجتماع الدول السبع الكبرى. في حين لم يصدر عن الاجتماع اي قرار بعقوبات اضافية٬كانت رشحت عبر وسائل الاعلام وبعض التصريحات لمسؤولي الدول الغربية سبقت انعقاد المؤتمر. في الواقع٬ فان التصريحات المتشددة والعنيفة التي تصدر٬ من حين او اخر٬ عن مسؤولي الدول الغربية تجاه نظام الأسد٬ لا تخفي حقيقة ان اهتمامها وهاجسها٬ في الوقت نفسه٬ هي المحافظة على النظام السوري…

فما تزال سياسة الدول الكبرى تجاه سوريا هي نفسها لم تتبدل ٬ انها سياسة « الانتقال المنظم » التي تعني الحفاظ على النظام مع تغيير رأسه٬ ان امكن. كما ان الدول الغربية تسعى الى احتواء الازمة الانسانية الاكثر كارثية منذ الحرب العالمية الثانية ٬ والتي أدت الى الموجات المتعاقبة من الهجرات الكبيرة الى اوربا٬ ولهذه الاسباب تسعى الدول الغربية٬بكل ما في وسعها٬ الى وقف هذه الهجرات نحوها.


وعلاوة على ما ذكرنا٬ تحظى الضربة الامريكية على مطار الشعيرات باهمية جيو استراتيجية في اطار التنافس الجاري بين القوى الكبرى. حيث انها ترافقت بالقاء الولايات المتحدة باكبر قنبلة غير نووية على افغانستان يوم 13 ابريل٬ لاظهار جبروتها وقدراتها٬ تلاه اعلانها ارسال حاملة الطائرات كارل فينسون وطاقم حمايتها الى شبه الجزيرة الكورية. ما قد يشير٬ في هذا المجال ٬الى لعبة جيواستراتيجية خطيرة تمارسها ادارة ترامب في محاولة منها لفرض هيمنة عالمية ٬ بالرغم من ضعفها الملحوظ والمتزايد بعد هزيمتها في العراق.

المدنيون في قبضة الكماشة
وفي هذه الاثناء يكثف نظام الأسد وحلفائه من هجومه على كل الجبهات ويحقق تقدما ٬ كما اظهرته استعادته لمدينة صوران في ريف حماة يوم 16 ابريل . وعمليات تبادل السكان القسري المستمرة٬ بتأثيراتها الديمغرافية والاجتماعية العميقة٬ التي تتم بين النظام وحلفائه من جهة . والمجموعات الجهادية٬ من جهة أخرى. مثلما جرى مؤخرا في عملية تبادل سكان الزبداني ومضايا قرب دمشق مقابل سكان بلدتي الفوعة وكفريا في ريف ادلب. رغم احتجاج سكان هذه البلدات على هذا التبادل او مغادرة بلداتهم. ولكن السكان اجبروا على التهجير من قبل الميليشيات الطائفية : النظام وحزب اللله٬ من جهة. وجبهة النصرة وحلفائها ٬ من جهة اخرى.

وكأن بشاعة المعاناة لاضطرارهم مغادرة بيوتهم وهجرة بلداتهم لا تكفي. اذ تعرضت الباصات التي تقل مهجري الفوعة وكفريا (المحسوبين على الموالاة) الى عملية تفجير انتحاري٬ لم يتم تبنيها حتى الان٬ سببت في مقتل نحو 129 شخصا منهم حوالي 60 طفلا . لكن مقابل هذه العملية الوحشية٬ شكلت حمة التضامن مع الضحايا وعمليات الانقاذ التي قام بها مقاتلو الجيش الحر المتواجدين قرب حادث التفجير حدثا بارزا ومميزا فندت الدعاية التي طالما روج لها النظام٬ وقدمت ممارسة نقيضة لممارسات النظام البشعة. كما ان حملة تضامن مع الضحايا وادانة العملية الانتحارية الدموية شملت العديد من مناطق سورية ومدنها٬ وعلينا هنا ان نشير الى الموقف العام لاقسام المعارضة السياسية السورية التي ادانت هذه الجريمة البشعة وتضامنت مع الضحايا. والحال٬ فان قوى الثورة المضادة المتعددة الاطراف التي تتقاتل فيما بينها انما تستهر دوما بحياة المدنيين الذين يدفعون الثمن الاكبر و الباهظ لاقتتالها.



بالرغم من الوضع الشديد الصعوبة الذي يعيشه الشعب السوري وقواه الديمقراطية والتقدمية في نضالها من أجل تحررها٬ لكننا نشهد بأن الجماهير السورية مستمرة في النهوض والتظاهر ضد كل من النظام وكافة قوى الثورة المضادة وضد التدخلات الاجنبية . فالجماهير السورية مستمرة٬ رغم الكارثة التي تعيشها٬ في النهوض والتظاهر من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وكانت اخر هذه المظاهرات تلك التي جرت يوم 17 ابريل في مدينة السويداء التي تقبع تحت سيطرة النظام. هذا النضال للجماهير والقوى الديمقراطية والتقدمية السورية من أجل تحررها يتطلب تضامنا أمميا.

غياث نعيسة
الرابع والعشرين من نيسان 2017
——
نشر المقال بالفرنسية في العدد 380 من جريدة « انتي كابيتاليست » للحزب الجديد المعادي للرأسمالية الفرنسي.