تعويم الدرهم وإغراق المواطن بين التخويف والتطمين (ج1)


محمد باليزيد
2017 / 5 / 8 - 15:02     

اتخذ المغرب، في بداية سنة 2017 قرار تعويم الدرهم. ومر هذا القرار، كما قال المهدي لحلو، الخبير الاقتصادي المغربي: "في ظل تأخر تشكيل الحكومة المغربية، انتقلت سلطة اتخاذ القرار المالي إلى والي البنك المركزي، وتقرر تخفيض قيمة العملة المغربية، والرضوخ لضغوط صندوق النقد الدولي" (المصدر/الرابط). مر هذا القرار المهم جدا في غياب الحكومة [لكن من يعتقد أن أية حكومة شكلية سوف تقف ضده؟] . لكنه كذلك مر في غياب ذوي الرأي الحر الذين يستطيعون أن ينوروا المجتمع المغربي ويفهموه إيجابيات وسلبيات هذا الانتقال ومدى ضرورته من عدمها.
قال عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح لـ"الأناضول"، "أنا ضد تعويم العملة، فهذا يعبر عن أزمة مالية لست مقتنعاً بها". وأوضح الكتاني أن تعليمات صندوق النقد الدولي لم تكن يوماً في مصلحة الدول التي ترضخ لها. (المصدر/الرابط).
الأستاذ هنا لا يقول سوى أنه ضد وأنه غير مقتنع، قد تكون طبيعة المقام (استجواب سريع مع جريدة) هو ما فرض هنا طبعا هذا الكلام العام، لكن بمجرد أن ينتهي الأستاذ من هذا الاستجواب ويصل بيته أو مكتبه حتى (يفترض أن) تنطرح لديه ضرورة الكتابة في الموضوع بتفصيل من أجل تنوير الرأي العام. (1)
أما عمر العسري، أستاذ المالية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، فيرى أن قرار تعويم الدرهم قد تكون له تداعيات سلبية على تحرير الاقتصاد والمعاملات الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالمبادلات الدولية، "مع أن ذلك يمكن معالجته من خلال تسريع إطلاق البنوك التشاركية، وتحفيز المنظومة البنكية لجذب وتعبئة المدخرات والاستثمارات الوطنية والدولية"(المصدر/الرابط).
"قد تكون له"، هل المسألة مسألة حظ؟ " قد تكون وقد لا تكون له سلبيات أو إيجابيات"؟ ثم ما علاقة الأبناك التشاركية(2) بالمسألة حتى يتم تقديمها هنا كأمل وحيد في "التصدي" لما يمكن أن ينجم من تداعيات سلبية عن التعويم؟
أما نجيب أقصبي فيقول حول المخاطر التي تهددنا بعد التعويم: "نحن بلد نستورد ما بين 45 و50 في المائة مما نستهلكه وفي حالة انخفاض قيمة الدرهم مقارنة بالدولار مثلا بـ 10 في المائة فإن نفس الكمية من مستهلك معين سترتفع ب 10 في المائة وهو ما يعني ارتفاع سعرها في السوق، أي المواطن هو من سيدفع الفارق". رغم أن ما يقوله أقصبي هنا غير مناف للمنطق، إلا أن المشكلة هو أن تحليله هذا بني على فرضية لم يبرهن على صحتها كي يستخرج منها منطقيا مستتبعات. هذا الأسلوب في التحليل يجعل القارئ يتبنى بعض الفرضيات وكأنها مسلمات لا تحتاج إلى نقاش أو برهنة. الفرضية هنا هي "في حالة انخفاض قيمة الدرهم مقارنة بالدولار". والتحليل الاقتصادي إذا أراد أن يكون تحليلا علميا وليس مجرد إنشاء فعليه أن يقدم كل فرضية ليس كمسلمة حتمية لا بد أن تحدث وليس كشيء غير خاضع لأي قانون وإنما لقدر مجهول قد يحدث وقد لا يحدث، وإنما عليه أن يقدم فرضياته مع الظروف والحيثيات التي ستفرض حدوثها أو العكس، على الأقل بنسبة احتمال تفوق 90%. والقول "في حالة انخفاض قيمة الدرهم" هنا لا يعطي أية إفادة. وكي يكون الكلام في الموضوع مفيدا، أرى حسب فهمي، أنه لا بد من طرح بعض الأسئلة والإجابة عنها(من طرف المختصين). ومن ضمن هذه الأسئلة:
أ) كيف يعمل نظام الصرف الثابت ؟
ب) كيف سيعمل نظام الصرف العائم ؟
ت) ما هي العوامل التي تؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع عملة ما مقابل العملات الأخرى؟
ج) هل الانتقال من النظام الثابت إلى التعويم سيكون في مصلحة جهات(مغربية) على حساب أخرى، وما هي هذه الجهات؟
ح)هل التعويم سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض قيمة الدرهم؟ وكيف ذلك؟
خ) التعويم، سواء أدى إلى انخفاض قيمة الدرهم أم لا، ماذا سيكون أثره على الميزان التجاري؟
د) التعويم، سواء أدى إلى انخفاض قيمة الدرهم أم لا، ماذا سيكون أثره على الديون المتراكمة على المغرب وخدمتها؟
ذ) هل الانتقال من النظام الثابت إلى التعويم سيكون له فعل في تغيير انتقال الثروة بين كل الداخل المغربي وباقي العالم، أعني هل هذا الانتقال سيؤدي إلى زيادة إفقار المغرب لصالح الخارج أم العكس أم أن مسألة إفقار المغرب لا علاقة لها بنظام الصرف بين المغرب والخارج؟ إلى غير هذا من الأسئلة.
الملاحظة رقم 0: ربما نحن في غير حاجة إلى مثل هذا الجهد لمعرفة ما ذا سيربح المغرب من الانتقال من نظام الصرف الثابت إلى نظام الصرف العائم، لماذا؟ الجواب في المقتطف التالي بين [[....]]:
[[ الباب الأول، الإحداث ورأس المال والنظام القانوني والمقر، المادة 3
يعتبر البنك تاجرا في علاقاته مع الغير. (بنك المغرب)
الباب الثاني، المهام، المادة 14
يشارك البنك في التفاوض حول الأوفاق المالية الدولية ويمكنه أن يكلف بتنفيذها. كما يبرم كل الاتفاقيات الضرورية للتنفيذ التقني لهـذه الأوفاق.
تنفذ الأوفاق و الاتفاقيات الواردة في الفقرة الأولى أعلاه من هـذه المادة لحساب الدولة التي تتحمل المخاطر والتكاليف المتعلقة بها.
المادة 37(من مهام مجلس البنك)
III وفقا لأحكام هذا القانون، يتولى المجلس إدارة البنك. ولهذه الغاية، يقوم المجلس بما يلي :
...............
- تحديد النظام الأساسي والنظام العام للمرتبات والتعويضات وكذا أنظمة التقاعد والاحتياط الاجتماعي الخاصة بمستخدمي البنك .
............................
الباب السادس، أحكام محاسبية و تقرير التدبير،المادة 56
- إن الربح الصافي للبنك بعد ما يزاد عليه أو ينقص منه، حسب الحالة، المتحصل المنقول عن السنة المالية السابقة، يخصص في حدود عشرة في المائة (10 %) منه على الأقل لتكوين مال عام احتياطي إلى أن يبلغ هذا المال مبلغا يساوي رأسمال البنك.
- يجوز للمجلس أن يمنح مستخدمي البنك حصة من الأرباح باقتراح من الوالي. كما يجوز له أيضا أن يقرر تخصيص قسط من الأرباح لتكوين أموال احتياطية خصوصية.
إن الباقي المتوفر من الربح الصافي بعد الاقتطاعات المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين وبمقتضى الاتفاقيات المبرمة بين الدولة والبنك يؤول إلى الدولة. ]]
هذا مقتطف من ظهير شريف رقم 1.05.38 صادر في 20 من شوال 1426 (23 نوفمبر 2005 ) بتنفيذ القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب (ظهير جديد وليس قديما). (المصدر/الرابط)
قد لا يحتاج أي إنسان، مهما كان مستواه المعرفي متدنيا أو حتى أمي، أن نؤكد له بأن مؤسسة بنك المغرب هي مؤسسة عامة. فحتى الأمي يفهم بأن من يمكنه أن يصك النقود ويطبع الأوراق المالية هي الدولة (المخزن) وليس أية شركة خاصة مهما قويت وكبرت.
وإذا كانت المادة 3 (يعتبر البنك تاجرا في علاقاته مع الغير) يمكن أن يقبلها المنطق لأن هذه الصفة (تاجرا) هي وحدها ربما التي تستطيع أن تمنح البنك القدرة على أداء المهمة المنوطة به. فإن ما لا يقبله العقل هو ما يليها. ف" الدولة التي تتحمل المخاطر والتكاليف المتعلقة بها". هذا مقبول لأن هذه مؤسسة عمومية لا يمكن لموظفيها أن يتحملوا المخاطر(الخسائر) الناجمة عن مهمة المؤسسة. لكن مقابل هذا إليكم:
* من مهام مجلس البنك: تحديد النظام الأساسي والنظام العام للمرتبات والتعويضات وكذا أنظمة التقاعد والاحتياط الاجتماعي الخاصة بمستخدمي البنك.!؟ !؟ !؟
موظفو هذه المؤسسة هم من يحدد(بأنفسهم) مرتباتهم وتعويضاتهم ومبالغ تقاعدهم واحتياطاتهم الاجتماعية. فهل يعقل أن يحدد موظف أو مجموعة موظفين (في مؤسسة عمومية) كل رواتبهم وامتيازاتهم التي سوف تخصم من المال العام؟!؟
** المادة 56: يجوز للمجلس أن يمنح مستخدمي البنك حصة من الأرباح باقتراح من الوالي. !؟ !؟ !؟
الأرباح هي ما تبقى بعد كل التكاليف، وضمن هذه التكاليف أجور وتعويضات الموظفين التي حددوها بأنفسهم لأنفسهم. ضمن ما حققه البنك من أرباح (يجوز) لوالي البنك أن يعطي قسطا منها للموظفين. هل هذا "بنك المغرب" أم هو "بنك والي بنك المغرب"؟
إنه الريع الذي لا مثيل له ولهذا نجد أن بعض الوظائف في المغرب لا يلجها أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة مهما حشوا جماجمهم بالكتب والحواسيب.
لنرجع إلى الموضوع:
ولأن مقالاتي يوجهها بالخصوص هم تنوير جمهور المغاربة غير المختصين في الاقتصاد، فهذا يفرض علي منهجا يتلخص في ضرورة شرح جل المفاهيم الواردة في المقال وعدم اعتبارها شيئا معروفا من طرف الجميع. وهكذا فلا يمكن أن نمر إلى الكلام عن موضوعنا قبل إعطاء نبذة ملخصة عن نظام النقد الدولي(Système monétaire international (SMI)).
هذا النظام تعرفه موسوعة ويكيبديا كما يلي:"إنه مجموع الأساليب (أو الطرق) المستخدمة من أجل تبادل البضائع والخدمات والديون بين دول ذات عملات مختلفة." (المصدر/الرابط).
لقد مر هذا النظام بمراحل هي:
*) (L étalon-or)(أو الذهب هو المعيار) فترة الاعتماد على الذهب قبل 1914: كان الذهب هو العملة المقبولة عالميا. لكن شيئا فشيئا بدت تظهر صعوبة تحويل الذهب قل وقت من أجل تصفية الميزان التجاري. ومن هنا بدت إمكانية الثقة في عملة قوية يمكنها القيام بهذا الدور.
**) (L étalon de change or) أو قاعدة تبادل الذهب(ترجمةgoogle ) :
عمل بهذا النظام في فترتين، من 1922 حتى 1229 ثم من 1944 حتى 1971. في الفترة الأولى اعتبرت ثلاث عملات هي الجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي والدولار الأمريكي، كعملات يحدد سعرها بالذهب وتقبل في التسويات بين جميع الدول المتفقة على هذا النظام، كما أن الدول ذوات هذه العملات تكون في أية لحظة قادرة وقابلة لتسليم الذهب لحامل عملتها أو العكس. لكن في الفترة الثانية وهي فترة ما بعد الحربين العالميتين استعمل الدولار فقط كمقابل للذهب وذلك على إثر اتفاقيات (Bretton Woods )( المصدر/الرابط). لقد حددت هذه الاتفاقية الدولار كعملة مقابلة للذهب بسعر 35دولار للأونصة (الأوقية) من الذهب مع مرونة لا تزيد عن 1% زيادة أو نقصانا. لكن سنة 1971 قررت الولايات المتحدة، من جانب واحد، عدم قبولها بعد تعويض الدولارات بالذهب لحامليها، علما أنه قبل قرارها هذا لوحظ أنها طبعت من الدولارات أكثر مما يؤهلها اقتصادها(خلقت تضخما) وأثر ذلك على المتعاملين معها.
***) (le système de change flottant) نظام الصرف العائم : في ال7 وال8 من يناير 1976 وقعت في جامايكا (Accords de Jamaïque) (المصدر/الرابط) اتفاقية هي مجرد الاعتراف بالأمر الواقع، وهي أن العملات يحدد سعرها في السوق وأن أي عملة لم تعد مرتبطة بقيمة من الذهب وأن السلطات البنكية لأي بلد لم تعد ملزمة بدفع الذهب لحامل عملتها. والاعتماد على ( DTS, Droits de tirage spéciaux)( المصدر/الرابط) حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي كوسيلة للتسويات الدولية.
لكن مع هذا لم تحرر كل الدول، خاصة ذات الاقتصاد الضعيف، عملتها وإنما لجأت لربطها بعملة، أو سلة عملات، قوية في السوق.
- بعد الاستقلال صك الدرهم المغربي سنة 1959 وبقي مرتبطا بالفرنك الفرنسي حتى سنة 1973 بسعر ثابت.
- منذ 1973 ارتبط الدرهم بسلة من العملات القوية لينهي التبعية الكلية مع الفرنك الفرنسي.
- 1990 تقوية حصة العملات الأوربية في السلة وخفض قيمته ب 9,25%.
- 1999 وضع الأورو € مكان العملات الأوربية في السلة.
- 2001 إعطاء الأورو € نسبة 80% والدولار نسبة 20% في السلة وخفض الدرهم ب5%.
- 2015 إعطاء الأورو € نسبة 60% والدولار نسبة 40% في السلة. (المصدر/الرابط)

1) أعتذر إذا كان الأستاذ قد كتب وأنا لم أطلع.
2) بصدد هذه الأبناك المرجو من القارئ الاطلاع على مقالي السابق:"الأبناك التشاركية (الإسلامية)، أية شراكة؟"