الرئاسية الفرنسية للمرة الاخيرة : ماكرون إستثناء -شكلاني- او ماهو دور اليسار الاشتراكي الراديكالي


محمد نجيب وهيبي
2017 / 5 / 8 - 14:04     

الرئاسية الفرنسية للمرة الاخيرة : ماكرون إستثناء "شكلاني"
افرزت صناديق الإقتراع في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية عن فوز ايمانوال ماكرون بحصوله على ما يقارب 66 % من الاصوات السليمة المحتسبة (ما يفوق 20 مليون صوت ) أمام 34 % لمارين لوبان (أي ما يقارب 11 مليونا من الاصوات ) بينما صوت 12 % من الناخبين بأوراق بيضاء أو ملغاة (أكثر من 4 مليون صوت ) وقاطع (إمتنع ) عن التصويت 25% من الناخبين المسجلين (ما يقارب 12مليون ناخب مسجل ) ، وهذا يعني في المحصلة أن الرئيس الفرنسي المنتخب وصل الى الايليزي ب43 % فقط من أصوات الفرنسيين المسجلين للانتخاب (من جملة 47 مليون ناخب مسجل ) اي أقل من النصف !! .
إشتدت التجاذبات في الدور الثاني وظهرت في تناقض حدي بين مشروعين مجتمعيين متناقضين لفرنسا يرتكز الاول على "أوروبيتها" ويمثله ماكرون ذو 39 سنة بوصفه تجاوزا للنظام الحزبي الكلاسيكي حامل لواء تشبيب فرنسا الاوروبية بوجهه وحضوره الشاب ، بينما تمترست لوبان خلف شعار فرنسا للفرنسيين تعيد لها ولهم مجدها بتجاوزها للنظام السلطوي والحزبي الكلاسيكي القائم أيضا و بلغة أخرى تشبيب فرنسا الاستعمارية ، ورغم حدة وإستعار هذا التناقض وعمل كل أدواة الدعاية والتحريض و الاعلام الفرنسية والاوروبية الرسمية وغير الرسمية على إستجلاب الاصوات والتركيز على استثنائية ماكرون "الشاب" وحركته "اللاحزبية"/الغير نظامية ، الفتية بوصفه منقذا للجمهورية الفرنسية الخامسة وقيمها المقدسة في ومع محيطها الاوروبي ، ضد المد اليميني المتطرف الذي يهدد بتقويض السلم الاهلي الفرنسي والاستقرار الاوروبي والعالمي ...الخ لم تكن النتائج في الدورين الاول والثاني استثنائية لصالح الرئيس الوسيم صاحب 39 سنة من العمر .
تجمعت كل القوى النظامية الرسمية الكلاسيكية و رموزها بشكل معلن وصدامي خلف وحوالي حركة "الى الامام" لتجعل من الشاب دمية أخرى صنيعة للنظام القائم رغم خطابه وحضوره "التثويري" وإنتصرت له وسائل الاعلام ومراكز صناعة وتوجيه الرأي ليخرج في النهاية ب43 % فقط من أصوات الناخبين و منافسته المباشرة 23 % من ناخبي فرنسا بينما إمتنع 25 % عن الذهاب للصندوق و الاهم أن ما يقارب 10 % من الناخبين الجمليين تكبدوا عناء الذهاب للصندوق ليعبروا بكل صراحة عن رفضهم للإثنين معا !!
ماكرون لا يحتكم على جهاز حزبي واضح المعالم لينظم و يوجه ال20 مليون فرنسي لصالحه في التشريعة المقبلة وما يليها من إنتخابات محلية ...الخ ليكون من خلالها حامل مشروع حكم "تجديدي" شامل وهو ما سيجعل حضوره باهتا ورهين القوى الحزبية الاساسية الداعمة له وخاصة الحزب الاشتراكي بعد القيام بعملية تغيير الادوار داخله وتصحيح مساره الذي أدى الى الهزيمة النكراء لممثله (هامون ) في الدور الاول ، خاصة وأن ماكرون "الشاب" لم يحدث الرجة الموعودة في أوساط الناخب الفرنسي ولم يحقق فوزا إستثنائيا على عدوة النظام رقم واحد ، المتطرفة ورافظة الاتحاد الاوروبي الاولى !! فلم ينجح خطابه الحربي الترهيبي في رص صفوف كل الفرنسيين في معسكره.
في المقابل حققت مارين لوبان للجبهة الوطنية ومشروعها الكلاسيكي بحلفائها المحدودين وعدائها الصريح للنظام القائم تقدما تاريخيا بنجاحها في رص صفوف 11 مليونا من الناخبين أي ربع ناخبي فرنسا في معسكرها استنهاظا لهم للمعارك السياسية و الانتخابية القادمة موحدين منضبطين لخياراتها الواضحة والمعلنة .
وتمكن ميلونشون بشكل إستثنائي في إنجاح وحدة إستثنائية منضبطة لليسار الاشتراكي الفرنسي (الراديكالي ) خارج السيطرة الكلاسيكية الرسمية للحزب الاشتراكي ، عبر تحصيله على 7 مليون صوت (19% في الدور الاول ) اثروا بشكل قاطع في نسبة 12% من الاوراق البيضاء والملغاة في الدور الثاني (4 مليون صوت ) .
لئن أعلنت أغلب استطلاعات الرأي أن قوة ماكرون الناخبة (8 مليون في الدور الاول ) تشكلت من الطبقة و الشرائح والوسطى والميسورة من الاجراء والموضفين خصوصا فإن حضوره بين الشباب (الشريحة العمرية 18-34 ) والعمال ذوي الاجور المتدنية وفي الاحياء والاحواز الشعبية لم يكن إستثنائيا و لم يتجاوز حضور كل من لوبان وميلونشون الذين ظهرا أكثر إستقطابا للشباب و الشرائح العمالية ذوات الدخل المتدني والحياة الاجتماعية الصعبة وخاصة العاطلين ، حيث يشترك كل منهما في رفضهما رفضا قطعيا صريحا للمنظومة القائمة واوروبا الحالية و عدائهما الصريح للجمهورية الخامسة ، رغم تناقضهما الجذري في الاطروحة والبرنامج من أقصى اليسار الاشتراكي الى أقصى اليمين القومي !!
هذا الحدث التاريخي الذي برزت فيه القوى الراديكالية يمينا ويسارا بشكل منظم برنامجي وهيكلي قادرة على الحشد الانتخابي هو الاستثناء الفرنسي الحقيقي في رئاسية 2017 وفيه تكمن بذور تغيير المجتمع الفرنسي خاصة مع الانضباطية العالية التي تحلى بها ناخبوا اليسار الاشتراكي "الراديكالي" بتوجههم الى الصندوق للتعبير الصريح عن رفضهم المزدوج لليمين المتطرف من ناحية و لليسار النظامي الرسمي المتخفي في جبة وسطية الى "الامام" وخلف قناع التشبيب الذي يرتديه ماكرون الابن غير الشرعي لتطبيع الحزب الاشتراكي مع بيروقراطية النظام ومؤسساته .
وهذا ما ستترجمه الانتخابات التشريعية القادمة أو ما يجب أن تترجمه مزيدا من وحدة اليسار الاشتراكي الديمقراطي تجميعا للقوى وتصدرا للمعركة المقبلة ضد مشروعي اليسار الرسمي و القوى اليمينية المتطرفة منها والمعتدلة "الجمهورية" خاصة مع الضعف الذي سيكون عليه زائر الايليزي ذو 39 سنة ومدى الارباك الذي يمكن أن يخلقه في صفوف المنظومة الحزبية الكلاسيكية .