الحكومات العربية التي شيطنت الجسد واحتقرت العقل


محمد بوجنال
2017 / 4 / 23 - 07:05     



الحكومات العربية مؤسسة مصطنعة وتفتقر إلى الوعي بمعنى الوجود؛ فهي، من هذه الناحية، لا تتجاوز مستوى الوعي الأدنى بمعنى الوجود العربي. وباللغة البسيطة، لغة اليومي والمعيشي، فهي حكومات لا تفهم الشعوب ككائنات بشرية، بقدر ما أنها تفهمها ككائنات ذات المستوى الأقرب من الوجود الصفر؛ بل والأخطر من ذلك أنها هي نفسها تجهل معنى وجودها. فحكومات تجهل معنى الوجود وبالتالي معنى الشعوب وكذا معنى ذاتها هي، بفعل وضعها ذاك، حكومة وشعوب مسلعنة وإن بدرجات.
حكومات بهذا المستوى من الضعف لنتفهم معنى ودلالات الكائن العربي التي هي العلاقة الجدلية بين الجسد والعقل. فالجهل ذاك غذاه ويغذيه طموح افتراس موارد هذه الشعوب، تارة بشكل فج، وأخرى بشكل مؤدب، وتارة بهما معا. لذا، فكل العوامل التي تهدد مصلحتها تقوم بتوفير شروط تنويمها وعرقلتها والتي تتلخص في الجسد والعقل. فالعاملين تنصب أنشطتهما وترتبط بالواقعي الذي هو اليومي والمعيشي أو قل المادي؛ لذا، ألصقت الحكومات العربية بهما نعث الشيطنة والدونية التي هي ،في نظرها، رجس من عمل الشيطان. ومن هنا الاستغلال البشع للأديان والأيديولوجيات ذات نفس المنحى. لقد تجند اللاهوت الإسلامي والأيديولوجيات اليمينية السائدة والمتقاطعة معه عمقا، بمحاصرتهما وقمعهما قصد فصلهما عن المادي الدنيوي الذي هو ملكية الحكومات وباقي النخب المشتغلة من خلفها، بل وشيطنتها قبليا وبشكل إطلاقي؛ وهي نفس الوظيفة التي قامت وتقوم بها مختلف الأيديولوجيات (أحزاب، نقابات، جمعيات، منتديات...الخ) المستفيدة منها ماديا؛ ناهيك عن الوظيفة تلك التي تقوم بها باقي المؤسسات كالأسرة والتعليم والإعلام والأغاني وغيرها. إنه التكتل المراقب والمدمر لقدرات الجسد والعقل على السواء وبناء مختلف المناهج الكفيلة بالتخلص من آثارهما وسلبياتهما. والتخلص ذاك معناه الانفصال عن الدنيوي المدنس قبليا وإطلاقا الذي أهمه الجسد والعقل.هكذا، فالموجود العربي كجسد وعقل يوجد دوما خارج دائرة الصواب، حاملا بداخله كل أشكال النقص والدونية والدناءة. وعليه ، فنحن أمام حكومات عربية ذات وعي أدنى بمعنى الوجود وشعوب أكثر جهلا من حكوماتها بمعنى الوجود. إذن ما الذي بقي من الحكومات والشعوب العربية عندما نشيطن الجسد ونحتقر العقل. يجيب رجال اللاهوت والأيديولوجيات التابعة لذلك: الروح محررة من المادي والمدنس. إنه المبرر الذي استغلته إسرائيل جيدا في احتلالها الأرض الفلسطينية قائلة: إنها أرض بدون شعوب، لذا، فهي لنا.
فعندما نجرد الشعوب العربية من جسدها وعقلها، ما الذي بقي؟ كلمة روح معلقة في الفضاء بدون أرض ولا جسد ولا عقل وهو مستوى وجود يتناقض مع ما ينادي به إسلام المسلمين وأدبيات العلمانيين، بل يتناقض وقانون الوجود.بهذا المعنى وهذه الدلالة، هل هناك حكومات عربية وشعوب عربية تسكن وتنمي وتطور الأراضي العربية؟ فالشعوب العربية علميا مادة أي جسد وعقل، والأرض العربية مادة؛ وبما أن الحكومات العربية واللاهوت الإسلامي يتهمان المادة بالتدنيس، فالحكم هذا يعني، وبالكاد،أن العرب المسلمين غير موجودين وكذا أرضهم بما أنها مادة
نستنج من الوارد أعلاه، أن حكومات تفتقر إلى الوعي بمعنى الوجود هي، وباللزوم المنطقي، حكومات أولا غير مسلمة كما تدعي (تتناقض ومنطوق نص القرآن)، وثانيا غير أخلاقية (تفتقر إلى الوعي بالضمير)، وثالثا متوحشة (افتراس موارد شعوبها بما فيها الشعوب تلك). إن شيطنة الجسد واحتقار العقل يتناقض ومنطق قانون وقاعدة الوجود؛ فلا وجود للوهم الذي يباع ويشترى في مناطقنا العربية؛ فإما أن يوجد الجسد والعقل فوق أرض شرعية، وإما ،وفق كلامولوجيا الحكومات العربية، لا يوجد لا جسد ولا عقل ولا أرض. فهل هذه حكومات أم أشباح حكومات مرمدت وما زالت تمرمد الشعوب العربية؟