ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 5-20


حسين علوان حسين
2017 / 4 / 22 - 01:50     

في الحلقة السابقة ، عرضت ترجمة للمطاليب السبعة عشر التي حررها ماركس و إنجلز عام 1848 ، و التي صادقت عليها لجنة "السلطة المركزية" لأول منظمة شيوعية في العالم – عصبة الشيوعيين الألمان المؤسسة بلندن عام 1847 – كبرنامج للحد الأدنى من النضال الشيوعي السياسي لما يجب أن يقوم . و هي توضح بجلاء رحابة الأفق الستراتيجي لماركس و إنجلز في قراءتهما العلمية لما هو قائم ، و استشرافهما الصحيح لما يجب أن يقوم – على العكس تماماً من المزاعم الفارغة للأستاذ عصام الخفاجي المحترم – و هو الاستشراف الذي زكته حركة التاريخ حتى اليوم . فقد تحققت الوحدة الألمانية للست و عشرين ولاية و مدينة بقيادة بروسيا عام 1871 تحت اسم "الرايخ الألماني" (Deutsches Reich) ، و طبقت المطاليب 6-9 . و في نفس ذلك العام ، حصل كل مواطن ألماني من الذكور البالغين العشرين من العمر على حق التصويت (و تأخر فوز الإناث بنفس هذا الحق حتى عام 1918 ) ، مع تخصيص الرواتب لممثلي الشعب المنتخبين ، علاوة على تطبيق مجانية الخدمات القضائية للمعوزين بنفس العام لأول مرة في أوربا (تذكروا أن عصبة الشيوعيين الألمان كانت هي أيضاً أول حزب شيوعي يتأسس في أوربا) . و في عام 1876 ، تأسس البنك المركزي الألماني الموحد (Reichsbank) ، ليحل محل (31) مصرفاً خاصاً لإصدار العملة الألمانية الذي كان قائماً قبلئذ . و اكتمل توحيد دوائر البريد الحكومي الألماني باسم (Reichspost) عام 1872 ، و قبلها بعام أسست الدولة أول دائرة مصلحة حكومية للسكك الحديد (Länderbahn) و أقرّت التعليم المجاني (مع إلزامية التعليم الابتدائي) و فصل الدين عن الدولة ، و طبقت الضريبة التصاعدية على المدخولات عام 1920 خلال عهد جمهورية "فايمار" (Weimar) التقدمية . و بفضل نضال الحركة العمالية الألمانية و معها الحزب الاشتراكي الألماني ، فقد حصلت الشغيلة الألمانية على الحق في الإضراب عام 1872 ، و على أول قانون للضمان الاجتماعي و الصحي يُطبَّق في أوربا و ذلك خلال الأعوام 1883 ، 1884 ، 1889 .

كل هذه المطاليب لم تتحقق بفضل نضالات الشيوعيين فقط ، طبعاً ؛ و انما كانت ثمرة كفاح جبار مشترك لكل الشغيلة و المثقفين الثوريين الألمان جيلاً بعد جيل . الحقوق لا ينالها أصحابها إلا بالحراك الشعبي الفاعل و الذي بدونه لن يتبرع الرأسماليون لهم بها قط . و لكن ، من الذي كان أول من رفع هذه المطاليب و ثقَّف بها و ناضل بثبات من أجل تحقيقها طيلة حياته بتضمينها في البرامج السياسية للأحزاب الشيوعية المؤسسة من عام 1848 و لغاية وفاة انجلز عام 1895 - "لما يجب أن يقوم" على حد تعبير الأستاذ عصام الخفاجي المحترم ؟ إنهما ماركس و إنجلز ، و ليس أحداً غيرهما . و لقد ألهم تحقيق هذه المطاليب نضالات كل التقدميين منذ عام 1848 و حتى هذه الساعة في شتى بلدان العالم بلا استثناء ؛ بعضها تحقق بين مد و جزر ؛ و بعضها ينتظر التحقيق في هذا البلد أو ذاك ؛ غير أن التاريخ قد أثبت و يثبت مراراً أنها ضرورات لكل البشر ممن ينشدون الحرية ؛ و الحرية إنما هي وعي الضرورة ، مثلما تعلمنا من ماركس .

أي مطلب من هذه المطاليب الماركسية لم يتحقق على وجه العموم و الاستمرار ؟ إنهما : التسليح العام للشعب ، و ورش العمل على نطاق الوطن . و لكن هذين المطلبين فرضا نفسيهما فرضاً - بحكم الضرورة التي سبق و أن اكتشفها ماركس و إنجلز - على قادة كل بلدان أوربا الغربية الرأسمالية من أعدى أعداء الشيوعية المشتبكين في أتون الحربين العالميتين : الأولى (1914-1918) ، و الثانية (1939-1945) ؛ كما طُبِّقا و ما زالا يُطبَّقان بنجاح بهذا الشكل أو ذلك ، هنا و هناك ، في البلدان الاشتراكية أو ذات التوجه الاشتراكي .

كيف إذن يسمح الأستاذ عصام الخفاجي لنفسه بنسف كل هذه الوقائع التاريخية المعلومة لكل يساري متتبع ، و من ثم الزعم بكون "الماركسية تنتمي إلى حقل الدراسات الأكاديمية و ليست برنامجاً سياسياً لما يجب أن يقوم "؟ هل المطاليب أعلاه هي مجرد "ترف أكاديمي معزول عن الواقع" مثلما يحاول الأستاذ عصام الخفاجي إيهامنا به تحكماً ، أم أنها لصيقة بمتطلبات العيش الحر الكريم لكل شعب من شعوب العالم ؟
و ما دامت الماركسية "تنتمي إلى حقل الدراسات الأكاديمية و ليست برنامجاً سياسياً لما يجب أن يقوم" -مثلما يزعم الأستاذ عصام الخفاجي المحترم لقارئات و قراء الحوار المتمدن الأكارم - فكيف يسمح هو لنفسه بالمطالبة في لقائه إياه بالعلمانية (فصل الدين عن الدولة) ، و هي مطلب أساسي ثبته ماركس و انجلز "لما يجب أن يقوم" منذ عام 1848 ، و قام الأستاذ عصام الخفاجي المحترم بتهريبه "أكاديمياً" عبر الحدود لنفسه "لما يجب أن يقوم" ؟ و إذا كانت الرأسمالية نظاماً ثورياً يسارياً فعلاً – مثلما يزعم الأستاذ عصام الخفاجي المحترم – فلماذا لا يطبق النظام الرأسمالي "الثوري اليساري" في الولايات المتحدة الأمريكية الضرورات الماركسية و الاجتماعية الأساسية مثل مجانية التعليم بمراحله الثلاث (الابتدائية ، الثانوية ، الجامعية) ، و المساوات في الرواتب و الأجور بين العاملين الأمريكان الذكور البيض من جهة و الملونين و الإناث من جهة أخرى ؟ و لماذا يرفض نفس هذا النظام الرأسمالي "الثوري اليساري التقدمي" ، حتى في القرن و الواحد و العشرين ، توفير نسبة ( 100% ) - وليس فقط نسبة ( 20% ) الحالية - من قيمة تكاليف الخدمات القضائية للمعدمين من ابناء جلدته الأمريكان ، مثلما سبق و أن طالب به ماركس و انجلز منذ عام 1848 "لما يجب أن يقوم" ؟
المصدر :
Helaine M. Barnett, President, Documenting the Justice Gap in America: The Current Unmet Civil Legal Needs of Low-Income Americans, pages 4 and 9. Legal Services Corporation, September 2005.

في حين يخصص نفس هذا النظام "الثوري اليساري التقدمي" – على حد زعم الأستاذ عصام الخفاجي المحترم – ما مجموعه (569) مليار دولار على ميزانيته الحربية العدوانية لهذا العام (2017) ؟
المصدر :
Montanaro, Domenico (January 20, 2017). "The Trump Foreign Policy Doctrine — In 3 Points". NPR. Retrieved: April 21, 2017.

على سنان مثل هذه المحكّات ينجلي ألق معادن الثوريين اليساريين الحقيقيين ، و سخام معادن المزيَّفين من أعداء اليسار الحقيقي و الشيوعية من المتقنعين بالثورية الأكاديمية الكلامية الفارغة من أصحاب أهل الكهف .
يتبع ، لطفاً .
الحلة ، 21 نيسان ، 2017 .