هل للماركسية -مستقبل-؟


سعيد زارا
2017 / 4 / 21 - 23:28     

نشر الرفيق علي الاسدي مقالا بعنوان :"مستقبل الماركسية" عن سايرس سين في الحوار المتمدن عدد 5466, يبشر بمستقبل مشرف للماركسية بعد أن زاد انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي من ثقة طلائع البورجوازية في تفوق النظام الرأسمالي , الذي لم يلحظ رفيقنا الاسدي انهياره في سبعينيات القرن العشرين.

لم يشخص احد الاقتصاد الرأسمالي كما شخصه كارل ماركس و ما كان له لينجح في ذلك لولا اكتشافه قوانين تطور التاريخ البشري, الاكتشاف الذي قابله انجلز من الناحية العلمية باكتشاف داروين لقانون تطور الطبيعة العضوية. تشخيص ماركس الدقيق للنظام الرأسمالي أسفر عنه مجموعة من الحتميات و ليس "التوقعات" كما يشير الاسدي في المقالة, و كأن التشخيص قام به "عراف" أو "منجم" و ليس عالم التطور.فماركس يطرح مسالة الانتقال إلى الشيوعية: "كما يطرح عالم الطبيعيات, يقول لينين, مسالة تطور نوع جديد, لنقل مثلا, من الأنواع البيولوجية بعد أن عرف مصدره و اتضح الاتجاه الذي يسلكه تطوره". لئن أراد ماركس أن يلقي بتشخيصه الثمين في غياهب "التوقعات" لتحدث عن الشيوعية , فقد رفض الحديث عن تفاصيل دولة دكتاتورية البروليتاريا لان العلم وحده يجيب عن ذلك, لكنه أوضح حتمية دكتاتورية البروليتاريا , مثلا, في العبور الاشتراكي إلى اللاطبقات.

إن المرور جانبا بهذه الحقيقة, حقيقة أن الماركسية هي علم تطور التاريخ البشري قادت الرفيق الاسدي بان يقول أن " بعض توقعات ماركس لم تكن صحيحة خلال التطور التاريخي المنصرم . لقد أثبت المجتمع الرأسمالي المتقدم النجاح اقتصاديا وديمقراطيا وسياسيا بخلاف ما اعتقد ماركس أو الاشتراكيين أتباعه. فبعكس توقعات ماركس لم تعاني الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية من الفقر أو تحولت إلى قوة ثورية" . لكن نسأل الرفيق الاسدي هنا قبل أن أتقدم في كشف ضلالة أحجية " أخطاء توقعات ماركس", على ماذا تفوق المجتمع الرأسمالي المتقدم ليعلو شانه اقتصاديا و ديمقراطيا و سياسيا؟؟؟

فعلا إن المجتمع الرأسمالي المتقدم تفوق على التشكيلات الاجتماعية التي سبقته في جميع مناحي الحياة من إنتاج كثيف للخيرات و تكنولوجيا و علوم و أدب و فنون ... و قد نقل البشرية من عصر الظلمات إلى الأنوار , و هذا ما أكده ماركس فلم ينف بتاتا فضائل الرأسمالية في تقدم رحلة الإنسانية بتثويرها الدائم لقوى الإنتاج. فعلى من تفوق المجتمع الرأسمالي المتقدم إذن, أ على الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي؟؟؟

لقد احتاج المجتمع الرأسمالي قرنين من الزمن ليتبوأ تلك المكانة العالمية قبل سبعينات القرن الماضي, لكن الاشتراكية التي صممها لينين و قاد بناءها ستالين نقلت روسيا في اقل من ثلاثة عقود من الزمن إلى اقوي دولة في الأرض بعد الحرب العالمية الثانية و قد تفوقت على الرأسمالية ,كما يفرض منطق التاريخ , اقتصاديا و ديمقراطيا و سياسيا عندما انتصرت على النازية. لكن إن كان الرفيق الاسدي يعرف هذه الحقيقة و قد اعترف بذلك "فالثورة الروسية في أكتوبر عام 1917انجاز تاريخي بدون منازع وتأثيرها في العالم كان واضحا ، فبالرغم من الحرب الأهلية وما خلفته الحروب العالمية تطورت روسيا من دولة شبه إقطاعية متخلفة اقتصاديا إلى دولة صناعية وقوة دولية ذات شأن." , فهل يقصد أن الرأسمالية نجحت لأنها تخطت الأزمات التي واجهتها؟


كثيرا ما يوصف النظام الرأسمالي بالنظام المرن لنعت قدرته الذاتية على مجابهة الصعاب و تجاوز الأزمات التي تعترض سبيله, و في ذلك جانب من الصحة مادام تاريخ النظام الرأسمالي هو تاريخ الأزمات و بنيته هي بنية مأزومة, لكن ما يغفله هؤلاء هو أن مناورات الرأسمالية و مرونتها في إدارة أزماتها كانت ممكنة فقط عندما كانت علاقات الإنتاج الرأسمالية تتسع لقوى الإنتاج المتنامية و لم تعد ممكنة عندما لم يعد هناك متسع للتطور المتنامي لقوى الإنتاج.

الحقيقة التي يغفلها الاسدي و كافة الشيوعيين هي حقيقة انهيار الرأسمالية في سبعينات القرن العشرين حيث لم تنفعها مرونتها التي صدعوا رؤوسنا بها و كأن النظام الرأسمالي نظام سحري تندمل جروحه العميقة بعد كل انتعاشة. انهار النظام الرأسمالي كما شرح ماركس تماما الذي قال بأنه سيغرق في إنتاجه الفائض و هو ما حصل عندما فكت المحيطات عن مراكزه و لم يعد له مصاريف يلقي بها ما فاض عليه من إنتاج فاضطر الرأسماليون إلى الإقلاع عن الإنتاج البضاعي و هو الخصيصة الرئيسة للنظام الرأسمالي فبدونه لا يمكن أن يقوم. و هكذا بتنا نرى القلاع الرأسمالية السابقة لا يتعدي مجمل إنتاجها البضاعي الآن 20 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي.

لكن "اذا كانت توقعات ماركس عن النظام الرأسمالي ما تزال صحيحة فان توقعاته عن الاشتراكية والأزمة التي تواجهها ليست كذلك وهذا ما يجعل من تلك التوقعات موضوعا لإعادة النظر..." يقول الاسدي عن سايرس و قد حدد بعض مظاهر تلم الأزمة في الديمقراطية , الاشتراكية و دور السوق.

في موضوع الديمقراطية و الاشتراكية يبرهن سايرس جهله بماهية الديمقراطية الاشتراكية كما يراها أباء الشيوعية الذين لم اقروا أن الاشتراكية هي مرحلة انتقالية يتم فيها إلغاء كل الحقوق بما فيها الحقوق الديمقراطية , فالحقوق دائما هي بورجوازية الجوهر. الاشتراكية الديمقراطية لا تطبع مجتمعا بدون طبقات كما أورد الاسدي , بل هي التعبير السياسي لدكتاتورية البروليتاريا من اجل محو كل الطبقات و هو ما يعني أن الاشتراكية ليست مجتمعا بدون طبقات بل هي مرحلة للإعداد و الانتقال إلى مجتمع بلا طبقات, فهي المرحلة التي ستطهر فيها البروليتاريا و بطليعتها الواعية كل أفراد المجتمع من أوساخ و قاذورات التاريخ الطبقي من مشاكل عنصرية و فردانية و ...

أما في موضوع دور السوق فان سايرس يأخذ على الاتحاد السوفياتي, كما تقر بذلك "الاشتراكية التقليدية" و أظنه هنا يقصد اشتراكية ماركس, انه هجر السوق ليعظم من دور الملكية العامة لوسائل الإنتاج و التخطيط.
التخطيط الذي يعيبه سايرس على لسان الاسدي كان يقرره كل العمال في الوحدات الإنتاجية في الاتحاد السوفياتي و هو من نقل الاتحاد السوفياتي في ظرف ثلاث مخططات فقط إلى أقوى دولة في العالم هزمت النازية التي هزمت اعتى الإمبراطوريات الرأسمالية. و لولا اتها كان يحيا بالماركسية لما انتقلت الاتحاد السوفياتي في ظرف اقل من ثلاثة عقود إلى أقوى دولة.


ختاما نقول لسايرس و للاسدي ان الماركسية علم يقوم على القانون العام لحركة المادة و هو ما يعني أنها تفلت انفلاتا تاما من بعد الزمن كأن يكون لها ماض أو حاضر أو مستقبل. لكن الأمر هنا يتعلق بقراءة هذا القانون قراءة صحيحة بعيدة عن كل تضليل قد يحجب عنا اتجاهات هذا القانون و سلوكياته و فعله على الطبيعة و المجتمع ما ينعكس سلبا عن دورنا كبشر تسريع وتيرة تطوره .