المجتمع والمعلم (لا جنة ولا نار)


مصطفى محمود علي
2017 / 4 / 18 - 01:59     

(أسفاً) لأى مجتمع لا يحترم معلميه، وندماً على مُعلم ضاع فى غياهب الدنيا بحثاً عن لقمة عيشه، وياااا ويلاتاه على مُعلم يخرج من بيته فى السادسة صباحاً ليعود إليه مترنحاً فى العاشرة مساءاً، لا من سكرٍ بلْ من تعبٍ فدرس هنا وآخر هناك، ارتضى لنفسه مجبراً أن يكون داخل ترسٍ كبير يطحن من يدخل فيه طحناً، فلا التفات من الدولة إليه، ولا تقدير من المجتمع نحوه.
وبين هذا وذاك خرج جيل من أطفالنا ومن ثم شبابنا لمْ يأخذ حقه من تعلم حقيقي، وقصدي من التعلم هنا ليس مقصوراً على تعلم المواد الدراسية فحسب، بلْ تعلم القيم السامية، قيم الأخلاق، والحب، والصدق، والعدل، والمساواة .. والتقدير، والاعتزاز بالنفس، والاتزان النفسي تجاه مجتمعه الذى يعرفه عن طريق معلمه.
وأين المعلم هنا من هذا الدور القيمي والأخلاقي، وأين نحن منه، ولماذا نُحمله فوق طاقاته، بعدما أثقل المجتمع كاهله بما ألقاه عليه من أعباء، وهو يريد منه أن يؤدى دوره كما يجب.
ماذا ننتظر من معلم تم إهماله عن عمد من قِبل الدولة التي تُقدِّم غيره عليه، وهو من هو؛ فلا أحد يصل لمرتبته، كما قال الشاعر: قم للمعلم ووفيه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا.
ماذا ننتظر من معلم يسمع اللعنات تنهال عليه ليل نهار فى وسائل المواصلات، وفى الأحاديث الجانبية، وفى جلسات النساء اللاتي هن أكثر احتكاكاً بالمعلم، لعنات تصيب المعلم فى مقتل، وتصل به إلى أن يترك تلك المهنة السامية، بلْ ان بعضهم تركها بالفعل، هذه اللعنات مصدرها الأساسي تلك الدروس التي يعطيها المعلم لتلاميذه.
نلومه على أنه سمح لنفسه أنْ يعطي درساً ويمد يده! أم نلومه على سوء وضعه الاجتماعي! أم ماذا نفعل تجاهه، ولماذا تتجاهل الدولة مكانته؟ وإن مكانته تفوق أيْ مكانة أخرى مهما علت، ومهما مشى الحراس بجانب أصحابها.
أحدثكم حديث من القلب، لتعرفوا كم يعاني المعلم من صعوبات، ولتحكم بنفسك على مستوى ثقافته بعد ذلك.. انظر إلى هذا المعلم الذي يخرج من بيته إلى عمله ثم بعد انتهاء عمله يخرج إلى دروسه الموزعة فى أماكن مختلفة، نراه فى المواصلات: شارد البال، فاقداً للتركيز، تائهاً فى أحواله، يسابق الزمن .. يأكل فى طريقه، وينام على نفسه من شدة التعب، وبعد هذا المشوار الطويل يصل إلى بيته متأخراً وقد نامت زوجته، ونام أطفاله، فلا هو أدى حقه تجاه أهله، ولا هو علَّم أولاده وجلس بجوارهم فظلم نفسه وظلمهم معه.
هذه لمحة صغيرة من دورة حياة المعلم اليومية، وبالطبع ليس كل المعلمين هكذا بل الأعم الأغلب منهم.
وهنا نقف ونستنتج عدة حقائق، أهمها: معرفتنا للمستوى الثقافي له، ونردد من أين تأتى له الثقافة ولم يجد وقتاً للقراءة، ولمْ يجد ذهناً صافياً للتأمل والتفكير العميق.
ونتيجة أخرى تعكس لنا مأساة كبيرة تتضح على أولادنا متأثرين بمعلميهم الذى تفلتت أعصابهم من طول السهر والتعب، فبعض الألفاظ تخرج من بعضهم لعدم سيطرته على نفسه، وتحكمه في أعصابه، فيقتبس المتعلم ذلك من معلمه، ويزول العجب عندما نعلم بأنَّ أغلب المتعلمين جاء محملاً بألفاظ خادشه للحياء، تسمعها فيقشعر بدنك.
لا أقول اهتموا بالمعلم المصرى لينهض بالمجتمع، ولا أتحدث عن مساواة المعلم المصرى بالأستاذ الجامعي، ولا أتفوّه بوصول راتب هذا المعلم كراتب من يحكم بين الناس، ولا أنوه بأن يكوّن وضع المعلم الاجتماعي كمن يحرس البلد.
لا أدرى كيف أختم مقالي، لذا سأترك لكم التعليق.