الحرب على سوريا: امريكا والهلال الشيعي


مالوم ابو رغيف
2017 / 4 / 13 - 19:41     

الهلال الشيعي مصطلح سياسي طائفي صاغه الملك الأردني عبد الله في سنة 2004 أثناء زيارته للولايات المتحدة ، لوصف خطورة وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان . ورأى الملك الاردني في بروز هلال شيعي ما يمكن أن يحمل تغيرات واضحة في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة وهذا ما يدعو إلى وجوب التفكير الجدي في المستقبل.
ودول المنطقة التي قصدها الملك الاردني هي الدول المؤلفة لما يسمى بمحور الاعتدال، وهي السعودية ودول الخليج والاردن ومصر والمغرب والتي ترى امكانية حل القضية الفلسطينية بالحوار السياسي والدبلوماسي بين جميع الاطراف وتطبيع العلاقات مع اسرائيل وتليين المواقف الفلسطينية المتشددة والتنازل عن بعض المطالبات ومنها حق العودة.
بينما المحور الثاني والذي يسمى محور المقاومة والممانعة، يرفض اي توجه للحوار ويصر على مقاومة اي شكل للتطبيع مع اسرائيل ورفع شعار ان ما يؤخد بالقوة لا يسترد الا بالقوة.(الاغرب ان محور المقاومة والممانعة لا توجد فيه فصائل فلسطينية كبرى، مثل منظمة التحرير الفلسطينية او حماس، فحماس قد شاركت عسكريا وسياسيا في دعم محور الاعتدال في حربه ضد النظام السوري)
ومن اجل منع وصول حكومة عراقية موالية لايران وعرقلة اكتمال حلقات الهلال الشيعي، عملت دول الخليج والاردن وبعض الدول العربية والاحزاب الاسلامية(وخاصة الاخوان المسلمون) على التدخل في الشؤون العراقية الدينية والاجتماعية واثارة الاضطربات السياسية والطائفية ودعم توجهات العنف ماليا وسياسيا لوقف او الحد من النفوذ الايراني في العراق واضعاف التوجهات الشيعية للحكم.
لكن دول المنطقة، وان هي استطاعت تحويل العراق الى منطقة ملتهبة وفاشلة اقتصاديا واجتماعيا(ساعدة في ذلك فساد الاحزاب الشيعية) لكنها لم تستطع منع الاحزاب الاسلامية المتهمة بولائها لايران من التربع على عرش السلطة ولم تستطع تخريب العملية السياسية وذلك لعاملين:
العامل الاول هو ان النزاعات الطائفية وان هي خدمت الاحزاب السنية لكنها بنفس الوقت خدمت الاحزاب الشيعية ايضا، ففي النزاعات الدينية تقف الناس خلف رايات طوائفها وليس خلف رايات الوطنية.
لقد استطاعت الاحزاب الشيعية توظيف الصراعات الطائفية لمصلحتها وفرضت نفسها على الشأن السياسي والثقافي الشعبي وزاد نفوذها وتأثيرها على الشيعة الذين يمثلون الاغلبية السكانية في العراق.
العامل الثاني هو ان الادارة الامريكية لا تسمح بتخريب العملية السياسية في العراق، فهي التي صممتها ووضعت حجرها الاساس وبنتها على غرار النموذج اللبناني باتباع المحاصصة الطائفية وتقسيم المناصب والرتب والامتيازات بين احزاب الطوائف واتباع ما يسمى بديمقراطية التوافق التي تعني اعطاء الاهتمام والاعتبار الاول لمصلحة الاحزاب المشتركة بالعملية السياسة وتجاهل المصالح الوطنية.
غيرت دول الخليج وبعض الدول الاخرى مواقفها من العراق واعتمدت على تعهدات راعية العملية السياسية العراقية(الادارة الامريكية) بالحد من النفوذ الايراني كل ما زادت واتسعت وتائره.
لكن بقى خطر اكتمال الهلال الشيعي ماثلا في اذهان الوهاببين الذين يرون فيه خطرا صفويا ينتشر في المنطقة لخدمة المصالح الايرانية. كما هذا الهلال هو احد منغصات سياسات محور الاعتدال وخاصة دول الخليج فليس هناك من يضمن عدم اكتمال حلقاته الذي يعني تكاملها انتصار ايران في صراعها المذهبي ضد السعودية الوهابية.
فما هي اضعف حلقات هذا الهلال واهمها ؟
في لبنان فشلت كل مناورات السعودية ودول الخليج لنزع سلاح حزب الله او اضعافه وحتى الاقلال من اهميته وبقى يفرض شرعيته بقوة اسلحته وبتوفق مسلحيه حتى على الجيش اللبناني وكذلك بالتشدق بالمقاومة والممانعة.
اما ايران فان دول الخليج خائفة مرعوبة منها مضطرة على مجاراتها والتواصل معها رغم بغضها الشديد لها ورغم اتهامها بالتدخل بالشؤون الخليجية خاصة في البحرين الذي تشكل فيه الاغلبية الشيعية المدعومة من ايران مصدر قلق دائم اذ اي تغير فيه يعني احداث ثغرة في الجدار الخليجي الاجتماعي والسياسي المبني على دكتاتورية التوارث العائلي للحكم.
سوريا هي اضعف حلقات الهلال واهمها لاعتبارات طائفية وسياسية وقومية. فالنسيج الاجتماعي السوري لا يوجد مثله في ما يسمى بالوطن العربي، اكان اثنيا او طائفيا او قوميا وسياسيا، والاغلبية الطائفية هي السنية.
النظام السوري هو حبل الميشمة السري الذي يربط حزب الله بايران ويمده باغلب مصادر القوة. من جانب اخر فان حزب الله ورقة الضغط الوحيدة التي تستخدمها الحكومة السورية ضد اسرائيل في اي مباحثات مستقبيلة.
وبما ان حزب البعث السوري هو الحاكم في سوريا، وهو حزب لا يتخذ الايدلوجيات الطائفية شريعة لحكمه ولا يبني توجهاته السياسة على الاسس الدينية او المذهبية فان الانتماء العلوي لشخص الرئيس كان الاساس التي بنيت عليه تهمة الطائفية. لقد وجدت هذه التهمة صدا لها عند الشعوب العربية التي انتعشت فيها ثقافة التطيفن بعد اسقاط نظام صدام حسين ثم اعدامه في صباح العيد.
وبدا الامر وكان اسقاط سوريا العلوية( كما هي التهمة الطائفية) واقامة حكومة سنية فيها هو تعويض امريكي عن اسقاط العراق السني واقامة حكومة شيعية فيه. لقد تعاونت الادارة الامريكية الاوبامية مع كل شذاذ الأفاق والتيارات الاسلامية المتطرفة والارهابية وسهلت لهم الانتقال واشرفت على تدريبهم في الاردن وفي تركيا بينما غصت الجوامع المسلمين في كل البلدان العربية والاسلامية والغربية بالاف مؤلفة من الشباب العازمين على الجهاد والشهادة طمعا بالعشاء مع محمد ومعاشرة حور العين في الجنة.
حقيقة الصراع في سوريا ليس هو الانبوب القطري الذي يمر عير سوريا الى الموانئ التركية لينقل الغاز الى اوربا مما يؤثر على الاقتصاد الروسي كما تقول بعض التحاليل الصحفية غير الصائبة ذلك ان السعودية لا تشترك في جهد عندما تقطف ثماره توضع في سلة غريمتها قطر ولا يمكن ايضا تصور ان دويلة قطر تستطيع تجييش الغرب والشرق لمصلحتها الاقتصادية.!!
هناك وجهان للصراع!
الاول هو الموقف المتشدد من اسرائيل!
حزب الله وايران تشكلان شوكة ضاغطة في خاصرة اسرائيل وتعيقان بشكل وآخر عبر التأثيرعلى المنظمات الجهادية الفلسطينية اي جهد يصب في حلحلة القضية الفلسطينة عن طريق المباحثات السياسية بين الاطراف المعنية. وهذا ما يفسر حرص ايران على ابقاء علاقتها مع حماس التي دعمت الفصائل الارهابية لاسقاط النظام السوري بالضد من الموقف الايراني.
لنا ان نشير الى ان سلاما قد يكون (غير عادل) يمكن التوصل اليه لحل القضية الفلسطينية، ذلك ان المنظمات والاحزاب الفلسطينية لم تصل الى درجة من الضعف والهزال السياسي والتنظيمي كما هي عليها الآن والمستقبل ينبئ بما هو اسوء. كما ان السياسات الفلسطينية المبنية على مبدأ العنف المقاوم قد فشلت وتحولت الى عنف يأكل الفلسطينين انفسهم بينما تحول قسم منه الى عنف ارهابي وجد تمثيلا له في العراق وفي سوريا وفي افغانستان.
نشير ايضا الى ان الرئيس الامريكي ترمب كان واضحا جدا في اشاراته السياسية لكن مجسات النظام السوري لم تستلمها. فقد اعرب مرات عديدة عن مساندته الكاملة والشاملة لاسرائيل من جانب ومن جانب اخر اشار الى ان اسقاط النظام السوري ليس من اولياته بل انها محاربة الارهاب، وهي اشارة الى ضرورة تغير الموقف السوري من اسرائيل وكذلك تخفيف العداء الاعلامي والسياسي الايراني ضدها وخاصة تهديدات حزب الله اللبناني.
ان اي تغيير ايجابي في السياسة الايرانية والسورية تجاه اسرائيل ستكون نتائجه تغييرات ايجابية في السياسة الامريكية تجاههما.
الوجه الثاني للصراع هو الصراع المذهبي الطائفي الذي يجد تمثيلا له في كثرة المنظمات الجهادية الوهابية المقاتله بشراسة هائلة ضد العدو النصيري كما يسمونه. هو صراع مبني على تصورات دينية تتخذ من ايديلوجيا التكفير اساسا تستند عليه في شرعنة القتل والارهاب وهذا ما تود الادارات الامريكية محاربته اذا ما هدد مصالحها او امنها القومي.
هذا الصراع الطائفي باق ما بقيت دول تخلط الدين في السياسة.
نشير الى ان المخابرات الامريكية ليست بذلك الغباء الذي يجنح نحو اعطاء صك براء للارهاب من استخدام الغازات الكيمياوية بينما عقيدة الجهاد تستند على اية قرآنية تقول
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)
الادارة الامريكية رغبت ان تكون صواريخ توماهوك رسائلا اكثر وضوحا من هذر التصريحات بضرورة تغيير السياسة السورية الداعمة لما يسمى بمحور المقاومة والممانعة.
الرسالة قد وصلت فهل يعيها الفقهاء!!