مساهمة في نقد خلاصة قراءة الرفيق النمري المختلفة للتاريخ


سعيد زارا
2017 / 4 / 13 - 10:36     

نشر الرفيق فؤاد النمري أمس على صفحات إيلاف مقالا بعنوان : "قراءة مختلفة للتاريخ". و المقال فعلا قراءة مختلفة للتاريخ بحيث تقول بانهيار العوالم الثلاث التي افرزها التطور التاريخي للمجتمع الرأسمالي, و هي القراءة التي اتفق معها تماما, إلا أن رفيقنا الكبير يخلص خلاصة يصعب هضمها دون نقدها . و هي خلاصة لا اتفق مع رفيقنا فيها.

مما لا شك فيه أن قراءة الرفيق النمري تختلف على باقي القراءات الأكثر رواجا و شيوعا و التي صنفها في ثلاث قراءات رغبوية و مؤدلجة:
الأولى , و هي قراءة فرانسيس فوكوياما التي تقول بنهاية التاريخ إلى اقتصاد السوق و الديمقراطية الليبرالية ." ويشرح البورجوازيون رؤية فوكوياما هذه بانتصار النظام الرأسمالي على النظام الاشتراكي رغم أن العكس هو الصحيح...".

الثانية , و هي القراءة التي تعتبر بان الثورة البولشفية كانت مغامرة و حرقا للمراحل لأنها أعلنت الاشتراكية في بلد متخلف كروسيا , و هي قراءة الشيوعيين المفلسين حتى أن فيهم من نادوا بمحاكمة لينين ك"كريم مروة" و حجتهم في ذلك سقوط الاشتراكية السوفياتية.

القراءة الثالثة, التي تجعل من المعرفة عوض قوة العمل العامل الحدي في القيمة , و هي قراءة مؤدلجة أيضا رغم أنها ترتكز إلى قوى الإنتاج في تفسيرها للتاريخ لأنها ترمي إلى تهميش دور البروليتاريا في المسرح و تعظيم دور البورجوازية الوضيعة منتجة المعارف كخالقة للثروات إلا أن العكس هو الصحيح.

أما قراءة الرفيق النمري , و التي اتفق معها شخصيا إلى جانب مجموعة من الرفاق, فهي تولي انهيار الاشتراكية السوفياتية حقها بل و تقر كما تقر الوقائع بان انهيار الاتحاد السوفياتي اثر انقلاب البورجوازية الوضيعة الذي قاده خروتشوف كان له الأثر الحاسم في انهيار الحركات الوطنية و الديمقراطيات الشعبية و كذا انهيار الرأسمالية في سبعينيات القرن الماضي و بالتالي هو من افرز شكل اللانظام الحالي.
فعلا لازال انهيار الاتحاد السوفياتي يتعاطى معه المحللون و الماركسيون منهم بسطحية و كأن الاتحاد السوفياتي لم يكن الفاعل و الرافعة التي كانت تتجه بالعالم كل العالم إلى الاشتراكية حيث كانت الخطة الخماسية الخامسة الملغاة بعد تسميم ستالين هو الدخول بالاتحاد السوفياتي إلى الطور الثاني من الشيوعية . لم يتساءل هؤلاء المحللون "الماركسيون" : ماذا سيكون العالم لو لم تنقلب البورجوازية الوضيعة على دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوفياتي؟؟؟. نحن هنا لا نحاكم التاريخ بل ننبه أدعياء الماركسية و غيرهم أن مصائر العالم كانت تقررها الدولة العمالية التي بناها ستالين, و ما يجعل سؤالنا هذا مشروعا هو أن "النظام" الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي "تم بفعل ذاتي قام به العسكر الروس و عصابة خروتشوف المتعاونة معهم."

كان للمشروع اللينيني اليد الطويلة في تفكيك النظام الرأسمالي خلافا لما يعتقده الليبراليون و "الماركسيون", فقد كان لاستقلال المستعمرات الفعل المباشر في خنق المركز الرأسمالي الذي لا يحي إلا بمحيط يصرف فيه الفائض من إنتاجه. تلك المستعمرات ,محيطات الرأسمالية, التي لم يكن لها أن تستقل و تفك ارتباطها بالامبريالية لولا قيام الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي.

وجد العالم الرأسمالي نفسه مخنوقا بفائضه الذي لم يعد له محيط يصرفه فيه بداية السبعينات , فكان الحل الذي اقترحه الخمسة الكبار في قلعة رامبوييه هو فك الدولار عن الغطاء الذهبي و إغراق الدول المستقلة في فح المديونية لتؤول السيادة إلى البورجوازية الوضيعة منتجة الخدمات بعد أن اقلع الرأسماليون عن الإنتاج البضاعي.

إلى هنا اتفق تماما مع الرفيق النمري خصوصا تأكيده على طبيعة العوالم الثلاث التي ورثناها عن الحرب العالمية الثانية.

"البورجوازية الوضيعة السوفياتية قوضت النظام الاشتراكي في الخمسينيات دون أن يكون لديها نظام بديل بالطبع ولن يكون على الإطلاق. والرأسماليون في الغرب أوقفوا عجلة الإنتاج البضاعي فكفوا عن أن يكونوا رأسماليين فآل الحكم إلى البورجوازية الوضيعة وهي التي لا تملك وسيلة إنتاج تطعم الشعب، فهي لا تنتج غير الخدمات. والعالم الثالث الذي ثار إثر الحرب وفك روابطه مع مراكز الرأسمالية كي يبني اقتصاداً وطنياً لصالح شعوبه وجد نفسه فجأة في العام 1973 طفلاً يتيماً دون معيل فليس هناك معسكر اشتراكي يساعده في بناء اقتصاده وليس هناك دول رأسمالية استعمارية تعود إلى استعماره. وهكذا فإن خريطة العالم الإقتصادية تقول بكل جلاء أن العالم فيما بعد انهيار النظام الرأسمالي، وسبقه البدء بانهيار النظام الاشتراكي، قد غدا عالماً مسطحاً حق وصفه بالعولمي، وفقد كل أسباب الحياة. لكن لماذا لم يتوفَ حتى الساعة فذلك لأنه لم يستهلك بعد كل الثروات المختزنة قبل انهيار العوالم الثلاث. يستهلك الثروات المختزنة عن طريق الدولار المزيف حيث اتفقت الدول الرأسمالية الغنية الخمسة (G 5) على أن الدولار الأمريكي هو الدولار الذهبي حتى وإن كان من الذهب المزيف. العالم اليوم هو على السرير في حالة موت دماغي وما يبقي الحياة في جسده هو الدولار المزيف الذي وحده اليوم يقيم علاقات إنتاج هشة وكاذبة ويرسم الخريطة الجيوسياسية للعالم، كل العالم. مع انهيار الولايات المتحدة الوشيك وإعلان زيف دولاراتها سينهار العالم في كارثة كونية."

لكن اختلف تماما فيما خلص إليه رفيقنا و هو يكمل المقال بما يلي : "وسيولد بعد الكارثة عالم جديد مختلف بتاريخ جديد مختلف. لا بدَّ وأن يكون عالماً اشتراكيا وبدون دكتاتورية البروليتاريا حيث تكون كل الطبقات المعادية للإشتراكية قد انقرضت".

لئن كانت الاشتراكية كما علمنا أباء الشيوعية ماركس , انجلز , لينين و ستالين هي دكتاتورية البروليتاريا و هي أيضا محو الطبقات و هي التي يحتدم فيها الصراع الطبقي بتقدم بنائها, فما هي هذه الاشتراكية التي يقول بها الرفيق فؤاد؟؟؟

لو قال الرفيق فؤاد :" "وسيولد بعد الكارثة عالم جديد مختلف بتاريخ جديد مختلف. لا بدَّ وأن يكون عالماً شيوعياً وبدون دكتاتورية البروليتاريا حيث تكون كل الطبقات المعادية للإشتراكية قد انقرضت".
لكان الأمر مقبولا على الأقل نظريا, خصوصا و أن الرفيق صارم في تعريف الاشتراكية و قد ذكر ما يلي في ذات المقال : "ما لم يتوقف عنده المؤرخون ومراجعو تاريخ الإشتراكية السوفياتية وحتى الشيوعيون أنفسهم هو أن الإشتراكية العلمية التي قال بها ماركس ليست نظاماً اجتماعياً ثابتاً ومستقراً يقوم على علاقات إنتاج محددة معلومة بل هي فترة عبور قصيرة نسبياً يتم خلالها التحضير لمرحلة الشيوعية. في الإشتراكية التي لا تتحقق بغير دولة دكتاتورية البروليتاريا تشتغل خلالها البروليتاريا متطوعة بدون أجور تتحدد وفقاً لقيمة الإنتاج بل يتقاضى العمال بدل الأجور معاشات تحددها تكاليف الحياة...".

نقدي للرفيق فؤاد هنا ليس لكشف التناقض في ما كتبه كما قد يبدو للوهلة الأولى بل بتعميق النقاش في المسالة و مطالبته بمزيد من الإيضاح فالعالم الآن فعلا تلوح في افقه الكارثة و لا تحوم في سمائه شبح الشيوعية .