معنى الجسم البشري - تجارب (2)


محمد عبد القادر الفار
2017 / 3 / 31 - 18:24     

..........

التجربة رقم (2): رجل الجنة

رجل الجنة هو رجل مثالي الأبعاد، أبعاد جسده عظيمة، ونسبه متناسقة، وقدرته على الجنس هائلة، وأبدية. هذا هو رجل الجنة استنادا إلى الموروث، فهو ببساطة روح نالت الخلاص من كل آثامها وأتيح لها أن تختار المركبة (مركافا) التي تريد أن تظهر للآخرين، وهي المركبة التي ستمارس من خلالها كافة المتع المادية، ولكن براحة تامة إزاء ما تفعله هذه المرة، ودون أدنى شعور بالذنب، أو بالحاجة إلى الانكفاء والاكتفاء في ما يخص الجنس. فلا العمر محدود، ولا الجسد سيهرم، ولا الاستغراق في اللذات ذنب.

ولرجل الجنة أن يتزوج نساء كثيرات، كاملات الأجساد، قاصرات الطرف عن غيره من رجال الجنة. فالإيغو لديه شديد الأمان، فهو الرجل الوحيد أمام إناثه، لا يتنافس مع غيره عليهن. وإن كان التنافس في العالم الدنيوي هو ما يقوي الإيجو، فإنّ في العالم الأخروي فسحة تتيح للإيجو أن يظل قويا دون تنافس. فهنّ ستخضعن له، دون أن يبثت لهنّ أنه الأجدر، من خلال القتال مع غيره، وإثبات سطوته على الرجال الآخرين. فهو الرجل الوحيد في نظر حورياته، ولا حاجة له للتصعد في هرم القوة ليثير إعجابهن. فمع افتتاح بوابة الجنة، تكوّر كل شيء ولم يعد للهرم قيمة. وهذا ما قد يصعب استيعابه، فالجموح الجنسي في الدنيا وليد كل ما فيها من نقص وتنافس وتجارب سابقة وخيبات وإرادة للقوة ومحاولات لإعادة الاعتبار، وغيره مما يتصل بالإيجو. وكما قال بطل المسلسل الأمريكي هاوس أوف كاردز: كل شيء يدور حول الجنس، إلا الجنس نفسه فهو يدور حول القوة. وفي الجنة، يسقط التنافس على القوة. ورجل الجنة بحسب التراث لا يشعر أن هناك أحدا أكثر نعيما منه. فهو كأنه لا يدري بأن الجنة نفسها درجات. هو يرى من هم أدنى منه فقط فلا يتلوع بالغيظ والحسد من التفكير بمن هم أعلى منه درجة ولا يدري بوجودهم أصلا. والأهم بالنسبة له هو أن إناثه لا يعلمن بوجود رجال أعلى منه مكانة أو في منزلة أعلى في الجنة. إن صيغة نعيم الجنة إذا هي ليست صيغة تلغي الإيجو، ولكنها تسهّل الأمور بالنسبة له. فرجل الجنة يسمع من إناثه ثناء لا يحصى على قوته ورجولته، وهو يرى في أعينهن عشقا شديدا له، ولا يخشى تسربهن من بين يديه إلى غيره، فبقاء قوته مضمون، وهنّ أصلا لا يدركن وجود غيره، أو لا يرين رجلا أعلى منه منزلة أو أشد منه قوة.

إن باطن رجل الجنة قد ظهر عليه أخيرا. والمسافة بين ذاته المتخيلة وذاته المتحققة تلاشت، فأصبح يبدو للناس كما يريد أن يبدو لهم تماماً. وهذا أراحه من القلق الوجودي، والخيبات والأمراض النفسية. فكل أشكال المعاناة في الوجود هي وليدة امتلاك أجساد غير كاملة، وكلما زاد النقص زادت المعاناة. ولهذا ذهبت بعض العقائد إلى أن التجسد في جسم أجمل أو قبح، أقوى أو أضعف، هو عقاب او ثواب على الحيوات السابقة.

رجل الجنة الممكن؟

إن رجل الجنة الممكن هو رجل ما بعد الإنسانية، إذا صحّ تفاؤل المبشرين بما بعد الانسانية ونجحت مساعيهم. هو رجل قادر على تصميم جسده، وتقوية حواسه، وإطالة نشوته، والأهم، نقل وعيه كل مدة إلى جسد جديد. ولكن تبقى مسألة التنافس وهرم القوة، فهذه ستحرمه من أن يكون الإيجو لديه مطمئنا. ولعل هذا عملي اكثر من رجل الجنة، إذ أنّى للإيجو أن يكون مطمئنا؟؟؟!



https://1ofamany.wordpress.com/