فولاند في شوارع موسكو - المعلّم و مارغريتا - في التلفزيون الروسي

إبراهيم إستنبولي
2006 / 1 / 21 - 08:08     

" فولاند " في شوارع موسكو :
" المعلّم و مارغريتا " في التلفزيون الروسي

احتفلت الأوساط الأدبية و الشعبية في روسيا منذ بعض الوقت بالذكرى الخامسة والستين لصدور رواية بولغاكوف الشهيرة " المعلِّم و مارغريتا " . و بهذه المناسبة افتتح في نهاية أكتوبر الماضي في بيت بولغاكوف الأدبي في موسكو معرض فني ضم مجموعة من الأعمال الفنية المستوحاة من عالم الرواية الشهيرة ، و شارك فيه الفنانون التشكيليون زوراب سيريتيلي ، يفغيني تشيجيفسكي و إيلينا مارتينوك .
كما شارك في الأمسية الأدبية التي رافقت المعرض بعض الأدباء الروس المعروفين و من بينهم بيلا أحمدولينا ، فيتالي وولف ، إيلينا اوبرازتسوفا ، إيمانويل فيتورغان ، مارك زاخاروف و أيغور كوستاليفسكي .
و كما صرحت مديرة بيت بولغاكوف سفيتلانا كوستينا : لقد تم اختتام الاحتفال برقصة باليه عند اكتمال البدر . و أضافت : " لا يجب البحث هنا عما هو شيطاني و مخيف . لقد تم خلق أجواء الراوية . فقد أردنا أن نعيد إلى الناس الشعور بالطيران – سواء طيران الفكرة الإبداعية ، أو الطيران السحري لمارغريتا فوق موسكو " .
و احتفالاً بهذه المناسبة كان التلفزيون الروسي قد انتهى للتو ( في أواخر كانون الأول الفائت ) من عرض المسلسل التلفزيوني " المعلّم و مارغريتا " ، الذي قام بإخراجه فلاديمير بورتكو . و من أهم أعمال المخرج المذكور السينمائية : فيلم " بطرسبورغ قاطع الطريق " ، " قلب كلب " ( المأخوذة بالمناسبة من رواية لنفس الكاتب ) ، " شقراء خلف الزاوية " ، " السيرك احترق ... و المهرجون هربوا " .
كما أخرج مسلسل " الأبله " المأخوذة من رواية دوستويفسكي، و الذي حقق نجاحاً غير مسبوق في عدد المشاهدين ، و دحض الفكرة القائلة بأن الأدب الكلاسيكي لم يعد يلقى قبولاً بين الجمهور المعاصر .
و يعتبر مسلسل " المعلم و مارغريتا " من أكثر الأفلام التلفزيونية كلفة في تاريخ التلفزيون الروسي . و اللافت للنظر أن الفيلم سجل " ريتينغاً " عالياً جداًً بين الجمهور الروسي فاق كل التوقعات و تخطى فيلم " الأبله " . فقد شاهد الفيلم ، حسب الإحصائيات ، كل ثالث روسي . و قد علق المتابعون على ذلك بقولهم : " لقد تسبب الفيلم بخلو الشوارع في المدن الروسية من الناس في أوقات عرض الفيلم ، و هذا لم يحدث منذ أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم مع عرض التلفزيون الروسي مسلسل " سبع عشرة لحظة في الربيع " ، الذي تدور أحداثه حول الحرب الوطنية العظمى و حول نجاحات الاستخبارات السوفييتية في اختراق مركز القيادة الألمانية .
و بالمناسبة نشير إلى أنه سبق و جرت من قبل محاولات عديدة لتصوير رواية " المعلم و مارغريتا ". و قد قام بأول محاولة المخرج البولوني أنـجي فايديـه الذي أخرج في عام 1971 فيلـم " بيلاطس و آخرون " . و في عام 1972 ظهر فيلم " المعلم و مارغريتا " – إخراج إيطالي – يوغوسلافي مشترك . ثم عاد البولوني ماجيك فويتيشكو و أخرج في عام 1988 على أساس الرواية مسلسلاً من سبع حلقات . كما قام في عام 1987 المخرج كليموف بالاشتراك مع هوليود بنفس المحاولة . و لكن جميع تلك المحاولات كانت توضع في صندوق الانتظار الطويل لأسباب مالية أو حقوقية و بالتالي لم يصل أي منها للجمهور . أما المخرج فلاديمير نعوموف ، الذي اشتغل على نقل الرواية إلى السينما ، فقد أكد أن روح أرملة بولغاكوف زارته في الحلم و قال له " لن يخرج هذا الفيلم أحد " .
و كان المخرج الروسي يوري كارا قد انتهى في عام 1994 من تصوير الرواية ، لكنه اختلف مع مدير الإنتاج ، و سرقت النسخة الوحيدة من الفيلم من مكتبه .
أما مخرج النسخة التلفزيونية الأخيرة فلاديمير بورتكو فقد بدأ بتصوير الفيلم في عام 2000 ، لكنه اضطر فيما بعد للتخلي عن الفكرة لأن ورثة بولغاكوف قاموا ببيع حقوق التصوير لشخص ما في الولايات المتحدة الأمريكية . ثم تجدد التصوير بعد أن قامت القناة الحكومية " روسيا " في التلفزيون الروسي بشراء الحقوق من جديد . و مع ذلك استمرت مشاكل المخرج ، كما اعترف هو بنفسه ، مع الممثلين و مع التقنيين ، على الرغم من أنه استدعى كاهناً لـ " تقديس " الأستوديو . بذلك يكون فلاديمير بورتكو المخرج الوحيد ، الذي جعل فيلم " المعلم و مارغريتا " حقيقة واقعة .
و للعلم ، لأول مرة في تاريخ السينما في منظومة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً ) تم استخدام مثل هكذا صور مركبة و بالغة التعقيد ( كما في لقطة الباليه عند فولاند و أثناء طيران مارغريتا على المكنسة ) . و أما القط بيغيموت فقد قام " بتمثيلـه " روبوت إلكتروني .
أما موقف الكنيسة من البدء بعرض مسلسل " المعـلـم و مارغريتا " فقد عبّر عنه سكرتير العلاقات العامة لدى بطريركيـة موسكو الأب ميخائيـل دودكو بقولـه لوكالــة الأنبـاء الروسـية : " نأمل أن يدفع عرض المسلسل بالكثير من المشاهدين إلى أن يأخذوا بين أيديهم لا رواية بولغاكوف و حسب ، بل و كذلك الإنجيل ، و ذلك من أجل الوقوف على حقيقة أحداث الإنجيل من وجهة نظر الرسل و الإنجيليين و ليس كما يرويها فولاند " .
و ذكّر الكاهن بأن راوية بولغاكوف كانت قد لعبت عند صدورها دوراً هاماً في حياة المثقفين الروس ، إذ قرّبت الكثيرين منهم من الكنيسة . " قال لي الكثيرون من معارفي أن الرواية قادتهم إلى الكنيسة " – أشار دودكو .
" و أيضاً آمل أن لا يلحق عرض الفيلم الضرر بالوضع الأخلاقي – الروحي للمجتمع ، بل على العكس ، سيجعله أفضل " – أضاف الكاهن . و حسب رأيه " لقد أصبح نقل الرواية إلى فيلم تلفزيوني حقيقة واقعة في الحياة الثقافية ، و لم يعد تحريم عرضه بالأمر المفيد ، و ربما يكون ضاراً " .
و أضاف رجل الدين " إننا نعرف أن المخرج فلاديمير بورتكو أعلن أثناء تصويره للمسلسل ، أنه سيحاول الابتعاد عن كل ما يمكن أن يفهم على أنه إهانة لمشاعر المؤمنين " .
و تدور شكوك الكنيسة حول إمكانية تجسيد المخلّص . و بالمناسبة ، إن فيلم بورتكو يختلف عن الفيلم المعروف لميل غيبسون " آلام المسيح " لناحية أن الممثل فيه لا يعكس المسيح بحد ذاته ، و إنما شخصية أدبية نوعاً ما " . " و هذا يخفف من الإحساس الحاد بعدم التطابق ، الذي أشعر به و أنا أراقب الفنان بيزروكوف ، الذي يمثل النبي إشعيا " – أكد رجل الدين ميخائيل دودكو .
و لفت الكاهن إلى أن والد الكاتب بولغاكوف كان برتبة بروفيسور لدى الأكاديمية الروحية ، و لذلك أعتقد أن الكاتب كان مطلعاً بشكل جيد على التقاليد الأرثوذكسية.
إلا أنّ بولغاكوف يروي أحداث الإنجيل على لسان فولاند ، أي الشيطان . و هذا لوحده كاف لكي تنظر الكنيسة بحذر كبير إلى الرواية و إلى نسختها التلفزيونية .