ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 2-20


حسين علوان حسين
2017 / 3 / 27 - 00:39     

2 . مناقشة قرار عصام الخفاجي بحجب تعليقي عن النشر

يشرح الأستاذ عصام الخفاجي لقارئات و قراء الحوار المتمدن الأغر قراره بحجب تعليقي المنوه عنه باختصار في الحلقة الأولى من هذه السلسلة بالقول :

(أكرر أنه كان بوسعي استخدام حق يوفّره موقع الحوار المتمدن للمحاور وهو أن يطلب عدم نشر التعليق إن كان هذا النوع من الكتابة يستحق تسميته تعليقا. ولم أستخدم هذا الحق خلال نقاشين استضافني فيها الحوار المتقدم إلا مرة واحدة قبل قليل حين وصل الأمر بأحد المعلّقين إلى استخدام مفردات ذات علاقة بالدعارة)"

و من حق الأستاذ عصام الخفاجي المحترم ، طبعاً ، اتخاذ مثل هذا القرار ؛ مثلما أن من حقي مناقشته مع حيثياته .
من المعلوم أن قرار أي أمرئ بحجب أي تعليق وارد إليه عبر الشبكة العنكبية انما هو الممارسة الفعلية لعملية "قمع" صريحة لحرية الكلام لا تليق بمن يدعي الإيمان بقيم اليسار و بالدفاع عن مُثلُها ؛ و إن كانت تلك الممارسة تليق تماماُ بقيم البعثيين و من لف لفهم . فمن قيم اليسار التي تعلمناها من فولتير هو قوله : "أنا مستعد للتضحية بحياتي كي أضمن مواصلة الآخر لحق كتابة ما يروم كتابته رغم بغضي لما يكتبه ذلك الشخص" . و يبدو (و هذا هو نفس "الفعل" الذي يحبذ الأستاذ عصام الخفاجي تكراره في كتاباته) أنه لم يتدبر بعد الدرس الفولتيري القائل بأن : "الانتصار الحقيقي للعقل إنما هو القدرة على التواصل مع من ليس لديهم عقلاً" . و بسبب عدم تدبره لهذا الدرس الثمين ، فقد فوت على نفسه فرصة نادرة للظفر "بالانتصار الحقيقي للعقل" .
و لكن "يبدو" أن للرجل مبرراته المعقولة لممارسة فعل القمع هذا بحقي لكوني – حسب قوله – قد "بلغ بي الأمر" حد "استخدام مفردات ذات علاقة بالدعارة" في تعليقي المقموع من طرفه . يبدو أن هذا الرجل طهراني بكل حق و حقيق ، و هو - بسبب كل هذه الطهرانية المستقطرة - يشمئز من نشر تعليق "لا طهراني" مثل تعليقي لأنه يستخدم مفردات ذات علاقة بالدعارة . يا عيب الشوم ! الجوهر يظهر ، و ظاهرة القمع العصامي لحرية الكلام جوهرية !
طيب . و لكن تعليقي يقتبس حقيقة لا يختلف عليها من يحرص على الانتصار الحقيقي للعقل ، ألا و هي أن الرأسمالية – "الثورية اليسارية" حسب ادعاء الأستاذ عصام الخفاجي – لا تحيا إلا على تسليع البشر لسرقة فائض القيمة لنفسها من شغلهم ، سواء كان ذلك في المعمل ، أم في المبغى ؛ لذا ، فإن البغاء – و هو أحد أقدم المهن – باقٍ و يترعرع برعاية و حرص و بركات النظام الرأسمالي الحبيب "اليساري الثوري" للأستاذ عصام الخفاجي لكونه يتكفل بزيادة انتفاخ جيوب الرأسماليين .

في مخطوطاته الاقتصادية ، يكتب كارل ماركس :

"و من ناحية أخرى ، يشتري صاحب المسارح و الحفلات الموسيقية و المواخير ، إلخ الإتاحة المؤقتة لقوة العمل للممثلين و الموسيقيين و البغايا ، إلخ - و بشكل موارب في الواقع بحيث أن ذلك لا يكون له أهمية اقتصادية إلا من الناحية الشكلية ، و لكن النتيجة هي أن العملية هي نفسها ... بيع (قوه العمل) هذه للجمهور يزود صاحب المشروع بالأجور و الربح ."

إذن ، فالفلاح المشخابي الشيوعي الذي اقتبست أنا عباراته في تعليقي المقموع كان واعياً تماماً للطبيعة الاستغلالية للنظام الرأسمالي عبر تسليعه لأجساد البشر، و هو على حق في مقولته بأن بقاء النظام الرأسمالي كفيل ببقاء و "تطور" البغاء بكل أشكاله . و من المعلوم و المفروغ منه أن الحق يعلو و لا يعلى عليه . البغاء بكل أشكاله قائم الآن بفضل "الجهود الثورية اليسارية للرأسمالية" التي يدافع عنها الأستاذ عصام الخفاجي . و الدليل على هذا ، أن البغاء قد أنقرض تماماً في البلدان الاشتراكية : من الاتحاد السوفيتي و الصين ، إلى كوبا ، رغم ازدهار صناعته في كل البلدان الرأسمالية في نفس الوقت . طيب ، لماذا – و الوقائع هي هذه – يشمئز إذن الطهراني عصام الخفاجي عن ذكر هذه الحقائق و هو "يتأمل" في الماركسية التي يدعى أنها لا تصلح كدليل عمل ، بل هي جثة تاريخية فاطسة ، أو تكاد ؟ هل قول ماركس المقتبس أعلاه ينطبق على أرض الواقع الرأسمالي الحالي أم أنه لا ينطبق ؟ لا يجرؤ أي عاقل منصف عن إنكار صحته التامة ، سابقاً و لاحقاً ؛ و الدليل على هذا هو أنه ما أن أنهار الاتحاد السوفيتي و بلدان المنظومة الاشتراكية ، حتى أصبحت تلك البلدان ، بعد تحولها إثر النهب اللصوصي لكل ثرواتها إلى "الرأسمالية اليسارية الثورية الجبارة "على حد تعبير الأستاذ عصام الخفاجي ، "تصدِّر" البغاء لكل من يدفع أكثر في كل بلدان العالم رغم القوانين الدولية التي تمنع ذلك .. و لكن الأستاذ عصام الخفاجي ينتأى بنفسه عن ذكر هذه الحقائق المخجلة و هو يدمغ بأبلغ العبارات ماركس و الدول الاشتراكية المنقرض فيها البغاء ، و يطوب الدول الرأسمالية التي يزدهر فيها البغاء رغم ادعاءه بممارسته للقمع لاشمئزازه من البغاء (كذا) . و غني عن القول أن تاريخ الرأسمالية متخم بفضائح المليارديرية ؛ و مثلهم الساسة الرأسماليين ممن "يستقعدون" الحسناوات ؛ من هتلر و موسوليني ، إلى روزفلت و تشرتشل و كندي و كلنتن و ترامب .. إلخ . هؤلاء "الرأسماليون الثوريون اليساريون" لا يرون في كل امرأة جميلة إلا بغياً تدفئ فراشهم . لنستمع إلى هذه المحادثة الشهيرة بين "الثوري الرأسمالي اليساري" تشرتشل ، على حد تعبير عصام الخفاجي ، و احدى الناشطات الاجتماعيات :

تشرتشل : سيدتي ، هل تنامين معي لقاء خمسة ملايين باوند ؟
الناشطة : يا الهي ، سيد تشرتشل .. حسناً ، افترض .. أن علينا التباحث في الشروط ، طبعاً .
تشرتشل : هل تنامين معي لقاء خمسة باوندات ؟
الناشطة : سيد تشرتشل ، أي نوع من النساء تعتقد أنني منهن ؟!
تشرتشل : يا سيدتي ، لقد سبق و أن حسمنا هذا الموضوع ؛ نحن نتساوم الآن على السعر !

يبدو أن الأستاذ عصام الخفاجي الذي يقمع الكلام الحر هو أطهر من تشرتشل الذي يستخدم هنا "عبارات لها علاقة بالدعارة" ؛ و لكن الاستاذ عصام الخفاجي مغرم بعشق الرأسمالية بغض النظر عن سعيها الكوني الثوري حتى النخاع لتسليع أجساد النساء و الرجال و الأطفال المحرومين من ملكية وسائل الإنتاج و المضطرين لعمل أي شيء كي لا يتضوروا جوعاً ، رغم أن النظام الرأسمالي قد ولد و ترعرع و تغوَّل بفضل جريمة تسليع أجساد كل البشر بالذات ؛ سواء شمل ذلك التسليع ما بين أيديهم ، أو ما بين أذانهم ، أو ما بين أفخاذهم ؛ و يوم يكف عن تسليع أجساد البشر، سيقرع لنفسه ناقوس جنازته بالذات .
و لكن ، لا ! من الواضح جداُ أن الأستاذ عصام الخفاجي هو مفكر يساري رأسمالي طهراني ثوري ؛ إنه أطهر مني و من تشرتشل ، و لذلك فقد مارس فعل القمع ضد مبدأ حرية الكلام بكل جد و اخلاص طهراني ؛ بل و هو أطهر حتى من الكتب المقدسة التي لا تستحي من رفضها الاقتداء بطهرانيته الرأسمالية اليسارية الثورية ، "فتستخدم عبارات ذات علاقة بالدعارة" مثلما فعلت أنا ؛ و كل ذلك لسبب جوهري هو قيام الأستاذ عصام الخفاجي بالتكفل للتصدي عبر قمع حرية الكلام "لتطوير الماركسية و الحركة اليسارية في العالم عبر تطويب الثورية الرأسمالية اليسارية" ، سيدة العهر و الحروب و القتل و الدمار بكل أشكاله على مدى قرنين متواصلين من الزمان ؛ و ما سيأتي من جرائمها أفظع و أشمل .

و لكن ، لماذا الكتب المقدسة ؟
من المعروف أنه توجد في العهد القديم (47) إشارة إلى البغايا ، إما لتحريم الزنا ، أو لتطويب العاهرات مثلما هو حاصل في (هوشع : 1) عندما يأمر الله نبيه هوشع بالزواج من البغي غومر ، فينصاع هوشع لأمر ربه . كما و يذكر سفر الملوك (11-1) أن والدة "يفته" ، حاكم بني إسرائيل ، كانت بغياً . كما يتم تطويب كل من البغيين راحاب و تامار لكونهن من جدات يسوع المسيح (التكوين : 12-19؛ يوشع : 2) .
و ما دمنا عند ذكر يسوع المسيح ، فإننا نقرأ – على سبيل المثال لا الحصر – ما يلي في أنجيل متى (21) :

31 فَأَيُّ الاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الأَبِ؟» قَالُوا لَهُ: «الأَوَّلُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ ،
32 لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَاني فَآمَنُوا بِهِ . وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

و لكن لا ، يبدو أن الرأسمالي اليساري الثوري الطهراني الأستاذ عصام الخفاجي هو أشرف من الله و أنبياءه ، بضمنهم يسوع المسيح ، و لذلك فأن من حقه ممارسة القمع لحرية الكلام ضد الآخرين وفق قاعدة " أن بعض البشر هم أكثر أنداداُ من الباقين " .

أي طرطرا ، تطرطري ...

يتبع ، لطفاً .

الحلة ، في 26 آذار ، 2017 .