الحل السديد للقضية الامازيغية: أحد أهم أسس بناء جبهة الطبقات الشعبية


عبد الله الحريف
2017 / 3 / 26 - 11:22     


الحل السديد للقضية الامازيغية: أحد أهم أسس بناء جبهة الطبقات الشعبية

تكتسي القضية الأمازيغية أهمية بالغة في الصراع الدائر من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. ذلك أن حلا سديدا لها يذكي النضال من أجل التحرر الوطني الذي هو نضال ضد الكتلة الطبقية السائدة والمخزن-المسئولين الرئيسيين عن التهميش الذي تعيشه اللغة والثقافة الأمازيغيتين والمناطق ذات الأغلبية الأمازيغية- والإمبريالية التي تستغل هذه القضية العادلة لتقسيم صفوف الشعب وإبعاد بلادنا عن محيطها العربي خدمة لاستمرار هيمنتها على المنطقة ولمصالح حليفتها الصهيونية. فالانتصار في هذه المعركة يتطلب وحدة الطبقات الشعبية، سواء مكونها العربي أو الأمازيغي، في إطار جبهة موحدة. إن تجاهل هذه القضية أو معاداتها أو طرح حل خاطئ لها من طرف القوى الحاملة لمشروع التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، فأحرى الاشتراكي، يؤدي إلى تقسيم جبهة الطبقات الشعبية وإضعافها بل حتى إلى صراع تناحري وسطها بينما التناقض في هذه الحالة هو تناقض وسط الشعب يستدعي حله الحوار الوطني من أجل بلورة الحل الديمقراطي لهذه القضية والنضال الوحدوي لكافة طبقات الشعب المغربي من أجل فرضه على أرض الواقع. كما أن حلا سديدا لهذه القضية يشكل رافعة مهمة للنضال من أجل البناء الديمقراطي لكونه يرتبط ارتباطا عضويا بقضية بناء الدولة الديمقراطية على أنقاض الدولة المخزنية الاستبدادية والمركزية، الدولة التي تتوفر فيها الجهات على سلطات واسعة تمكنها من تدبير أمورها وتنمية وازدهار طاقاتها البشرية ومواردها الطبيعية في إطار من التضامن والتكامل بين الجهات في ظل دولة فيدرالية.
ونظرا لأهمية أرضية النهج الديمقراطي حول قضية الأمازيغية التي طرحها في ندوة 15 يناير 2017، نورد بعض فقراتها:
“ويشهد لليسار الجديد خلال فترة السبعينات، وتحديدا منظمة إلى الأمام إثارتها الموضوع في مداه الفكري والسياسي وفق تصور تاريخي التفت بقوة لأهمية البعد الاثني في تمفصله مع الصراع الطبقي “.(1)
وأشير هنا، أننا خضنا( السرفاتي وزعزاع والنوضة وإذ بلقاسم وأنا حين تواجدنا في العزلة في زنازن إنفرادية في سجن “غبيلة” في 1976) نقاشا هاما وغنيا حول هذه القضية.
وقد استمر هذا النقاش، خاصة وسط منظمة “إلى الأمام” في السجون، وتوج بإصدار وثيقة نشرت في جريدة”إلى الأمام”، أواسط الثمانينات من القرن الماضي، تحت عنوان:”الخصوصيات الإثنو-ثقافية في المغرب” طرحت ضرورة تمتيع المناطق ذات الخصوصية( الريف، الأطلس، سوس) بأقصى قدر من التسيير الذاتي.
“إن النهج الديمقراطي الذي يعد استمرارا للكفاحات المجيدة لهذه المنظمة الثورية، يواصل باجتهاد طرح الأمازيغية كقضية عادلة للشعب المغربي قاطبة مصارعا مختلف الأطروحات الخاطئة والرجعية والمخزنية.
كما ان النهج الديمقراطي يضع نفسه دون تحفظ و بكل تواضع ضمن التوجه الأمازيغي الديمقراطي للحركة الأمازيغية التي تناضل من اجل انتزاع المطالب الأمازيغية ذات الصلة بالقضية الامازيغية ومن أجل أن تصبح الثقافة الأمازيغية الشعبية باعتبارها تعبيرا عميقا عن تطلعات وآمال و الآم جماهير غفيرة من الشعب المغربي، رافعة للنضال ضد الاستبداد والفساد والاستغلال والتبعية ومن اجل التحرر و الديمقراطية والاشتراكية”.(2)
لقد تبنى النهج الديمقراطي وناضل وسيستمر من أجل اعتبار الثقافة الامازيغية ثقافة وطنية ودسترة اللغة الامازيغية كلغة رسمية وسيستمر في النضال من أجل تفعيل هذا القرار الذي نص عليه الدستور الحالي ورفع التهميش عن المناطق ذات الخصوصيات كالريف والأطلس وسوس عبر تمتعيها بأقصى قدر من التسيير الذاتي وتبنى مؤتمره الوطني الأخير الدولة الفيدرالية كحل لبناء الدولة الديمقراطية الضامنة لازدهار كل مكونات هوية شعبنا.
إن النهج الديمقراطي لا يختزل القضية الامازيغية في بعدها اللغوي و الثقافي، رغم أهمية هذين البعدين وضرورة النضال، الآن ودون انتظار، من أجل انتزاع مكتسبات في هذا المجال، بل يربطها بضرورة النضال من أجل رفع التهميش المضاعف الذي تعاني منه المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالآمازيغية والذي لن يتم إلا من خلال تفكيك المخزن كجهاز استبدادي مركزي وفاسد والقضاء على التبعية للإمبريالية التي تولد، باستمرار، تركز الثروة، بالأساس، في الشريط بين مدينة الجديدة والقنيطرة مرورا بالعاصمة الاقتصادية:الدار البيضاء واسترجاع المناطق ذات الأعلبية الناطقة بالأمازيغية للتحكم في خيراتها الطبيعية التي استولى عليها الكمبرادور وملاكو الأراضي الكبار.
إن الحركة الثقافية الأمازيغية لعبت دورا مهما في التحسيس بأهمية هذه القضية. لكن بلورة حل سديد لها يتطلب نقاش أطروحاتها وأطروحات أخرى منتشرة في بعض الأوساط الأمازيغية.
لقد اختزلت الحركة الأمازيغية، على الأقل في مرحلتها الأولى، هذه القضية في بعدها اللغوي والثقافي، مما أدى إلى بناء حركة غير متجانسة تجمع بين الكمبرادور وملاكي الأراضي الكبار الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية للمخزن المسئول الرئيسي، منذ قرون، على تهميش اللغة والثقافة الأمازيغيتين و، بالأساس، شرائح مثقفة أو لنقل متمدرسة تنتمي، بشكل عام ،للبرجوازية الصغرى المتذبذبة بين حلم التسلق الاجتماعي وواقع تردي وضعها المادي. فلا غرابة والحالة هاته أن تسعى بعض النخب التي كانت مؤثرة وسط الحركة الأمازيغية إلى الالتحاق بالمشروع المخزني واستعمال الدفاع عن الأمازيغية مطية لتحقيق مطامحها الوصولية (وحالة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية واضحة في هذا المجال). تحمل الحركة الامازيغية المسئولية الرئيسية لتهميش اللغة والثقافة الامازيغيتين لما يسمى “الحركة الوطنية”. وإذا كنا نتفق على أن هذه الحركة تتحمل جزءا من هذه المسئولية، إلا أننا نعتبر أبضا أن هدف ذلك هو تبرئة المسئولين الرئيسيين عن التهميش الذي لحق اللغة والثقافة الامازيغيتين، ألا وهما المخزن والكتلة الطبقية. إن ذلك يعبر عن خوف أجزاء من الحركة الثقافية الامازيغية من الكتلة الطبقية السائدة والنظام، وربما، وهذا هو أكبر خطأ ترتكبه، أن تعتبرهما حليفين لها في صراعها من أجل الحقوق العادلة للناطقين بالامازيغة ضد التوجهات “القومجية”السائدة، حسبها، وسط أغلبية الأحزاب الديمقراطية والتقدمية، إن لم تكن كلها. إنها تجعل من القضية الامازيغية قضية خارج الصراع الطبقي الدائر داخل المجتمع معبدة بذلك الطريق لاستيعابها أو توظيفها من طرف التوجهات الرجعية ،إما المخزنية أو الامبريالية أو استغلالها من طرف عناصر برجوازية صغرى ومتوسطة لتحقيق طموحاتها الوصولية. كما أنها تعادي قوى يمكن أن تكون حليفة لها لحساب قوى أخرى مناهضة، في العمق، لرفع التهميش الذي يطال اللغة والثقافة الامازيغيتين والمناطق ذات الأغلبية الناطقة بالامازيغية.
وهناك داخل الحركة الأمازيغية توجه يعادي اللغة والثقافة العربيتين بل الناطقين بالعربية.
فهو يعادي اللغة والثقافة العربيتين على اعتبار أنهما اللغة والثقافة السائدتين في بلادنا. وهذه مغالطة كبيرة: إن اللغة والثقافة السائدتين في بلادنا هما لغة وثقافة الكتلة الطبقية السائدة التي تتسم بكونها تبعية للإمبريالية، وخاصة الفرنسية. وبالتالي، فإن الثقافة واللغة السائدتين هما، بالأساس، الثقافة واللغة الفرنسيتين. أما الثقافة واللغة، أكانتا عربيتين أو أمازيغيتين، فهما مسودتين ومهمشتين إلى هذا الحد أو ذاك. لكن مع ذلك يجب الإقرار أن اللغة والثقافة الأمازيغيتين تعانيان من تهميش مضاعف وخطير.
أما إعتبار أن الصراع في المغرب هو بين العرب والامازيغ، فهي مسألة بالغة الخطورة:
– لأنها، أولا، تؤدي إلى تقسيم الشعب المغربي على أسس إثنية وتحول الصراع من صراع طبقي بين مستغلين ومستغلين-أ كانوا ناطقين بالامازيغية أو العربية-إلى صراع وسط الشعب المغربي. والحال أن ما يجمع بين فلاح أو عامل أو كادح بشكل عام لغته الأصلية هي الأمازيغية بكادح لغته الأصلية هي العربية أكبر بكثير ،من الناحية الموضوعية، مما يجمع كادحا ناطقا بالأمازيغية بإقطاعي أو برجوازي كبير أو حتى برجوازي صغير ناطق بالأمازيغية. ونفس الشيء بالنسبة للكادح الناطق بالعربية.
إن هذا الطرح يساهم في تفتيت وحدة الطبقات الشعبية. هذه الوحدة الضرورية لانجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي.
-لأنها، وهذا هو الأخطر، تحمل في طياتها خطر حرب أهلية قد تأتي على الأخضر واليابس وتخدم، بوعي أو بدونه، المخططات التفتيتية لدول المنطقة التي تشرف عليها الإمبريالية والصهيونية والتي نشاهد الدمار والخراب الذي تخلفه في بعض دول منطقتنا.
وهناك داخل الحركة الثقافية الامازيغية من يعتبر أن الحل الأمثل لها يتمثل في بناء حزب أمازيغي. وخلافا لهذا الطرح، فإن بناء أحزاب سياسية حقيقية يجب، في إعتقادي، أن يرتكز على تمثيل والدفاع عن مصالح طبقية أو فئوية وليس على تمايزات ثقافية أو لغوية أو دينية.. فبناء أحزاب على أسس تتعلق بالبنية الفوقية (الدين، اللغة، الثقافة، الإثنية….) يساهم في عرقلة تطور الوعي الطبقي ويؤدي إلى تحويل تناقضات ثانوية وسط العمال الفلاحين وعموم الكادحين إلى تناقضات أساسية ويساهم في تفتيت وحدتهم. وذلك لا يعني رفض أن تعطي قوة سياسية أهمية خاصة للقضية الأمازيغية أو غيرها من قضايا البنية الفوقية كالدين مثلا، لكن مع ربطها بالنضال العام للشعب المغربي بأكمله من أجل إنعتاقه.
ولعل الحصيلة التي وصلتها القضية الامازيغية( تراجع تعليم الامازيغية، بقاء قضية ترسيم اللغة الامازيغية حبرا على ورق رغم مرور أكثر من خمس سنوات على إقرارها في الدستور، القوانين التي قدمت مؤخرا…) ناتجة، إلى حد ما، عن التوجهات الخاطئة لأجزاء من الحركة الامازيغية التي راهنت على النظام المخزني وناصبت العداء لكل القوى الديمقراطية. كما تبين فشل المراهنة على نخب برجوازية صغيرة لإنجاز هذه المهمة.
وخلاصة القول أن رفع التهميش الذي تعاني منه، بشكل أساسي، اللغة والثقافة الامازيغيتين و، بشكل أقل، اللغة والثقافة العربيتين، باعتباره من ضمن مهام المرحلة التاريخية الحالية لنضال شعبنا، مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، هو مهمة منوطة بالطبقات الشعبية، أي أن قضية اللغة والثقافية الامازيغيتين ليست مهمة الناطقين بالامازيغية لوحدهم بل هي قضية الشعب المغربي قاطبة، كما أن قضية اللغة والثقافة العربيتين ليست مهمة الناطقين بالعربية لوحدهم بل هي قضية الشعب المغربي بأكمله. إن ذلك يتطلب، في مسيرة واحدة، بناء جبهة الطبقات الشعبية وقيادتها من طرف القوى الممثلة لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذين يعانون أكثر من غيرهم من التهميش اللغوي والثقافي و المجالي ومن الاستغلال والتفقير وهم الذين لهم مصلحة، أكثر من غيرهم، للقضاء على هذا التهميش وهم بالتالي، موضوعيا، المؤهلين، أكثر من غيرهم للدفع بالنضال من أجل تحقيق هذا الهدف إلى مداه الأقصى.
لقد عبر النهج الديمقراطي، في وثيقته المرجعية، عن هذا الترابط الوثيق بين المكون الامازيغي والعربي في هوية الشعب المغربي كما يلي:
“وهكذا تداخلت وانصهرت في تكوين هوية شعبنا عناصر متنوعة منها العروبة والامازيغية والإسلام وأصبحت وحدة متماسكة صمدت في وجه كل محاولات زرع التفرقة والصدام. مما يفرض الدفاع عن هذه الهوية، عن مكونها العربي الذي تعرض للتهميش رغم كل الخطاب الرسمي حول التعريب، وعن مكونها الامازيغي الذي يعاني من تهميش مضاعف”.(3)
إن ارتباط المغرب الوثيق بمحيطه العربي والذي أكدته السيرورات الثورية في المنطقة ليس ناتجا، بالأساس، عن اللغة والتاريخ المشتركين ولا هو تعبير عن عنصرية بقدر ما هو تجسيد لوحدة مصير شعوب المنطقة ونضالها ضد أعدائها: الإمبريالية والصهيونية والرجعية. كما أن وحدة الناطقين بالامازيغية في المنطقة لا يصح أن تستهدف الرجوع إلى ماض سحيق بقدر ما أن تكون رافعة للنضال الحقيقي والضروري ضد نفس الأعداء( الإمبريالية والصهيونية والرجعية) ومن أجل وحدة شعوب المغرب الكبير على طريق وحدة شعوب العالم العربي والمغاربي.
إن النضال من أجل حل سديد للقضية الامازيغية يستوجب ما يلي:
-إعادة كتابة تاريخ تشكل الشعب المغربي لإعادة الاعتبار للمكون الامازيغي ولغته وثقافته.
-فضح ومناهضة تعامل الكتلة الطبقية والمخزن مع القضية الامازيغية.
-مواجهة الأطروحات الشوفينية، أكانت عروبية أو امازيغية.
-التأكيد على وحدة الطبقات الشعبية دون اعتبار للدين أو الاثنية أو غيرهما.
-تكثيف النضال من أجل تعليم اللغة الامازيغية وتفعيل ترسيمها على جميع المستويات وإعادة الاعتبار للثقافة الامازيغية وتنميتها.
-العمل على بناء الإطارات الامازيغية الديمقراطية المتجدرة وسط الكادحين والتي لا تقتصر على الناطقين بالامازيغية وحدهم.
-الانخراط في التنظيمات السياسية التي تناضل من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي والاشتراكية والنضال داخلها من أجل أن تجعل من النضال من أجل رفع التهميش عن اللغة والثقافة الامازيغيتين وعن المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالامازيغية أحد أهم مجالات اشتغالها
ونضالها.
هوامش:
(1)أرضية النهج الديمقراطي حول قضية الامازيغية المقدمة لندوة 15 يناير 2017-03-24
(2) نفس المصدر السابق
(3) الإطار المرجعي للنهج الديمفراطي-وثائق المؤتمر الوطني الثالث، ص 15
عبد الله الحريف