سقوط الغرب !.. ومكانة الطبقة العاملة


سامان كريم
2017 / 3 / 25 - 09:30     

سقوط الغرب !.. ومكانة الطبقة العاملة
سامان كريم
قرارات سريعة, تراجعات اسرع, تظاهرات منددة بالرئيس ترامب, تصارع وتطاحن وسائل الاعلام و انقسامها فوق راس الرئيس, اطلاق تصريحات مختلفة من الهيئة الحاكمة في البيت الابيض, خوف في صفوف البرجوازية الاوروبية و الخليجية و في صفوف "الاقليات القومية و الدينية " في امريكا, الخوف على الامن والفوضى اصبح قضية ساخنة عالميا ومؤتمر ميونخ الاخير للامن في شهر شباط الجاري 21/ 2 كان عنوانا لهذا الخوف بامتياز. في القضية الفلسطينية, هناك حل الدولتين وفي المقابل ليس هناك حل الدولتين . بل ربما دولة موحدة... انتقال السفارة الامريكية الى القدس, والتريث في القرار. القضاء على داعش خلال اشهر قليلة, عملية القضاء على الارهاب عملية طويلة, قرار بناء المناطق الامنة كيف و باية وسيلة ؟! الخليج يدفع اموالها... يجب الغاء الاتفاق النووي, التراجع عنه وتحويله الى فرض عقوبات الجديدة عليها, ايران عدوة رئيسية و راعية الارهاب في لبنان واليمن وسورية والعراق....لا نتعامل مع الصين الواحدة يتراجع نتعامل مع الصين الواحدة... نتفق مع روسيا , يتراجع نتفق معها بشروط وشروطها التخلي عن ايران و ميليشياتها في سورية... "الناتو" عفى عليه الزمن, يتراجع نريد ناتو بشروط والشروط هي دفع الاموال المستحقة من قبل اعضائه. نوفر الملايين من الوظائف عبر سياسة الحمائية الاقتصادية و وفرض شروط قاسية على الشركات الكبرى وجعلهم يسحبون شركاتهم من الخارج .... هالة اعلامية كبيرة على الشخصيات التي اختارها ترامب في حكومته, والاستقالات بدأت قبل ان يبدأوا بأعمالهم. اصبح ترامب بطل بلا منازع, بطل بلا مؤسسة تدافع عنه, بطل يشبه دونكيشوت اكثر مما يشبه بطلا واقعيا او حتى رئيس له موقعه ومكانته, بطلا متناقضا مع الهيئة الحاكمة او مع اكثريتها... الاعلام يركز على افعاله و شهواته سواء كان الجنسية او الاقتصادية والاقصائية الحمائية او حتى على عائلته. هذا الصراع بين التيارين المختلفين في صفوف الهيئة الحاكمة الأمريكية مستمر لحد الان.
هذه هي الوصفة التي امامنا منذ انتخاب المهرج ترامب كرئيس للولايات المتحدة الامريكية, قرارات سريعة وتراجعات اكثر, يوم بعد يوم وهو يعرف حدوده وخطوطه ويعرف الى اي مدى يجب ان يمشي, بخلافه هناك مؤسسات استخباراتية وامنية عريضة وطويلة يعرفون كيف يتعاملون معه... هذه هي الحالة ولكن اكثرية العناوين اليومية والعناوين الاخبارية.. اكثريتها مسائل ثانوية او جانبية يراد منها اخفاء القضية الرئيسة. القضية الرئيسة وراء الخوف المنتشر في صفوف البرجوازية العالمية, ليست قضية ايران ولا فلسطين ولا اسرائيل ولا سورية ولا القضاء على الارهاب, ولا حتى التهجير القسري للمهاجرين غير" القانونيين" ولا بناء الجدار على الحدود الامريكية مع المكسيك. انها كلها قضايا ولكن قضايا ثانوية مقارنة بالقضية المخفية, بالقضية التي لا نسمعها ولا نقرؤها من الاعلام السائد, ولا من تصريحات المسؤلين الكبار في الادارات الحكومية.
القضية الرئيســة:
القضية الرئيسة اوالمشكلة الرئيسة هي ان الغرب مع اليابان و استراليا بقيادة امريكا. القضية تكمن في عدم امكان البرجوازية " الغربية" بقيادة امريكا قيادة العالم الرأسمالي. القضية الرئيسة هي ان الحصان الذي جر العربة خلال السبع والعشرين سنة الماضية عبر الحروب و تغيير الانظمة والحصار الاقتصادي ودعم الارهاب الاسلامي و ممارسة ارهاب الدولة على الصعيد العالمي لم يعد بإمكانه ان يجرها بعد الأن, لم يعد بإمكان اميركا تغيير الانظمة وفق اهوائها, ولم يعد بإمكانها ان تفرض شروطها على اللاعبين العالميين الجدد من أمثال: الصين وروسيا و حتى المانيا والهند.. الحصان الامريكي الذي قاد العالم بقطبية واحدة منذ سقوط جدار برلين هلك وتعب وهو يحتضر في داخله وفي طريقه الى الإنهيار... هذا هو واقع الامبراطورية الامريكية الحالية في مرحلة تاريخية عصيبة. ان خطاب ترامب في الكونغرس يدل بما لا يقبل الشك على هذه الحقيقة حيث قال ""ليست مهمتي تمثيل العالم قاطبة ، مهمتي تكمن في تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية". وقال ايضا: "أمريكا مستعدة للبحث عن أصدقاء جدد وبناء علاقات جديدة حيث تكون المصالح متطابقة". اقوال او تصريحات واضحة لا تقبل الشك.
كان سقوط جدار برلين يعني سقوط الامبراطورية السوفيتية السابقة بصورة نهائية. السقوط بحد ذاته يفرغ اية ارضية او مبرر لوجود كتلة غربية مقابلة و حلفها العسكري "الناتو". لكن امريكا وعبر الوسائل التي ذكرتها اعلاه حاولت ولحد نهاية ولاية اوباما" ولحد الان هناك تيار مؤثر في صفوف الهيئة الحاكمة" ان تجر العربة الغربية عبر تخويفهم وتهويل الاعداء بدأ من يوغسلافيا الى العراق و افغانستان و الاسلام السياسي الارهابي,, حاولت اقناعهم و بريطانيا معها بضرورة واهمية "الناتو" ليتسنى لها ان تبقى في الكرسي المنفرد لقيادة العالم الرأسمالي. اما اليوم امريكا و رئيسها و وهيأتها الحاكمة بمعنى ان المؤسسة السياسية لديها توافق مع الرئيس في هذه النقطة وهي هشاشة "الناتو" و فرض الضرائب على اعضائه عبر دفع اسهمهم في المنظمة ليتسنى لها القيام بمهامها الدولية. اذن بقاء "الناتو" كمنظمة للتحالف العسكري الاطلسي مرهونة بدفع اموال اعضائها, بمعنى اخر ان امريكا ليس بامكانها ان تقودها منفردة مثل ما كانت سابقا. تضاف الى ذلك هي لا تحتاجها مثل ما كان عليها الحال ابان الحرب الباردة, وان التناقضات والخلافات العميقة تسربت داخل خيمتهم اي حلفهم من جانب و امريكا بدورها تفتش عن اصدقاء جدد كما يقول ترامب في خطابه امام الكونغرس, من جانب اخر.
كانت مرحلة سقوط جدار برلين اي مرحلة انهيار الامبراطورية الرأسمالية السوفييتية, في الوقت نفسه مرحلة انهيار نموذج راسمالية الدولة على الصعيد العالمي, مرحلة فيها انتصار الجزء الغربي من البرجوازية الغربية. كانت البرجوازية العالمية مرتاحة لوجود نموذج عالمي يحتذى به واصبحت الليبرالية بعد مدة قصيرة لحد ما على الاقل من الناحية الاقتصادية موديلا اقتصاديا شائعا وسائدا حتى في روسيا والصين والهند... كانت البرجوازية العالمية لديها بوصلتها و لديها نوع من الامل على الرغم من وجود قلق للمستقبل البعيد. لكن بصورة عامة كانت هناك عملية واسعة لتحويل العالم القديم من روسيا السوفيتية والبلدان الاوروبية الشرقية و العالم العربي و الصين واسيا من الهند وباقي الدول الاخرى الى العالم الجديد اي العالم الذي يدار وفق السياسة الاقتصادية لليبرالية وبصورتها الفجة اي الليبرالية الجديدة وبأحداث صدمات سريعة في بعض البلدان مثل روسيا وبولندا و في بعض البلدان الاخرى تم عبر الحروب او فرض العقوبات وعبر وصفات جاهزة لصندوق النقد والبنك الدوليين ... هذه التحولات العالمية الكبرى في تلك المرحلة مهدت وسيلة اضافية لتراكم الرأسمال الغربي وانتشاره السريع على الصعيد العالمي. الانتشار ليس اقتصاديا ونموذجا ليبرليا محددا فحسب بل سياسيا و اداريا وثقافيا و ايديولوجيا.. حيث تم غلق التاريخ و اعلان نهايته بمعنى ان ارقى ما توصل اليه التاريخ هو النموج الليبرالي الغربي.... هذا كان عنوان تلك المرحلة العصيبة التي نعيش الان في مرحلة انهيارها البطئ.
في تلك المرحلة كانت البرجوازية العالمية بقيادة امريكا اخذت زمام الامور العالمية بدون منافس. اليوم وفي المرحلة الراهنة المرض يصيب الجانب الايمن من البرجوازية يصيب البرجوازية الغربية وقيادتها برمتها, يصيب نموذجها الاقتصادي وفكرها وثقافتها و نموذج حكمها و ديمقراطيتها, يصيبها بعد ان عممها عالميا عنوة اوقسوة. يصيبها في المرحلة التي لاتزال الازمة الاقتصادية العالمية تترنح في مكانها, تلك الازمة اللعينة التي بدأت منذ سنة 2008 ومستمرة لحد الان. اليوم البرجوازية العالمية برمتها وبكافة نماذجها الدولتية والسوقية واشكالها المختلفة تقع في ازمة عميقة, تقع في ازمة اقتصادية وسياسية و ادارية و ثقافية وايدولوجية. المرحلة التي لم تسبق لها مثيل على صعيد التاريخ الرأسمالي. المرحلة التي وصلت الرأسمالية الى اعلى الاعالي من تراكم الثروة في ايدي الاقلية بحيث ليس بامكانها ان تستمر بهذا الاسلوب الفج المتعطش للدماء وللربح. البرجوازية العالمية حولت العالم المعاصر و النظام الراسمالي كنظام اجتماعي الى نظام لا يحتمل العيش في ظله, هذه هي مشكلة الطبقة العاملة والبشربة جمعاء بما فيها البرجوازية ذاتها.... لانها امام مفترق الطرق؟! اما التنازل عن جزء من ربحها و ليس ثروتها بصورة عامة للمجتمع او البربرية الكاملة, وهنا في الاحتمال الثاني النتائج غير مدروسة وغير معلومة.
التنكولوجيا والعلوم الطبيعية وصلت الى مديات غير مسبوقة, بحيث بامكان تغيير جزء كبير من العمال على الصعيد العالمي الى الروبوتات او الى الاجهزة النوعية للسيطرة و التسعير و المحاسبة و المراقبة و ....الخ. من الجدير بالذكر ان عدد العمال "الشاغلين" وصلت الى اكثر من 3 مليارات عامل على الصعيد العالمي. ولكن البرحوازية لن تتمكن من تسخير التكنولوجيا المتطورة هذه ولن تتمكن من تطبيقها نظرا لخطورتها على الامن الاقتصادي والاجتماعي من جانب و على كيفية مواجهتها من الجانب الاخر. كيف يعيش الناس ؟! وكيف يدار الرأسمال ايضا, من يشتري المنتجات التي صنعت و صدرت او استوردت ؟! اذا كان الناس ليس لديهم عمل وليس لديهم معاش او راتب ما او اذا لديهم نصيب في الراتب البطالة عن العمل وهي قليلة طبعا كيف بامكان الناس ان يشتروا التكنولوجيا الجديدة من الحواسيب الى الجوالات الذكية والى اجهزة البيت المتطورة وكيف بامكانهم ان يسافروا ويسيحوا؟! وكيف بامكانهم ان يربوا ويعلموا اطفالهم في المدارس والمعاهد والجامعات التي اصبحت كلها اواكثريتها خصوصية؟! هذه هي المشكلة العميقة العويصة التي لا تحل في ظل السيطرة البرجوازية على مقدرات ومصائر المجتمع. هذا التناقض الذاتي في صلب الراسمالية. ان علمية انتاج راسمالي هي عملية متواصلة وغير منقطعة. تبدا بالراسمال ووسائل الانتاج المتاحة اي الملكية البرجوازية(راسمال ثابت و المتغير) بعد ذلك تدخل عملية الانتاج في قطاع ما في عملية الانتاج. ينتج العامل عبر بيع قوة عمله اكثر من ما يستلمه من الاجور اي ينتج فائض القيمة ولكن ينتج السلع, لاينتج النقد بصورة مباشرة بل ينتج السلع لكي تباع في الاسواق كعملية متواصلة لعملية الانتاج الراسمالي, لكي تتحول الى نقد مع النقد الزائد" فائض القيمة". لكي يباع في الاسواق يجب ان يكون هناك مشتري, ولكن اذا لم يكن هناك من يشتريها؟! ولو ازاد افراد الطبقة العاملة خلال عشرين السنة ماضية بقفزات من )1990-2014) من يشتري اذن؟! كيف بامكان الروبوتات التي" لاتتعب ولا تطلب زيادة الاجور" على حد قول احد اصحاب الفنادق في سنغافورة, ان تحل محل العامل؟! هل بامكان الراسمالية افناء العمال كطبقة دون انهيارها او سقوطها؟! بالتاكيد لا. من هنا نقول ان الراسمالية هي التي تعيق تطور البشرية وتعيق تطور العلوم.
هذا الجانب من القضية" من يشترى؟!" أما بخصوص الجانب الاخر ... الغرب وفي ظل الصراع الدائر في مرحلة الحرب الباردة كانت تتماهى بقوتها الاقتصادية التكنولوجية المتطورة مقارنة بالكتلة المقابلة اي الاتحاد السوفيتي... اليوم لم تبق هذه الميزة على هذه الشاكلة العميقة السابقة, بل اصبح نقل التكنولوجيا مثل التيار الكهربائي وخصوصا في ظل السيطرة على المجال السبرنتي و الفساد المتوفر للسطو على بنوك المعلومات لشركات التنكنولوجيا الكبرى الموجودة في وادي السليكون في سان فرانسيسكو وغيرها...خصوصا فان الصين بارعة في هذا الميدان. هذه الميزة لم تبق تحت سيطرة الغرب وامريكا.... هذه هي احدى المشكلات الكبيرة التي يواجهها هذا القسم من البرجوازية العالمية. عليه اصبح النموذج الصيني نموذجا يحتذى به من قبل الغرب. النموذج الصيني قبل كل شي يعني افقار الجزء المرفه من الطبقة العاملة في اوروبا وامريكا وبعد ذلك يعني غلق الحريات النقابية والسياسية و الفردية والمدنية ومنع حرية التنظيم والاضراب و قلة الاجور. البرجوازية العالمية بقيادة امريكا تهدف الى توزيع الفقر على صيعد العالمي, هذه المرة تبدا من الغرب ذاته... وهذه هي مشكلة اخرى, كيف تواجهها؟!
لابد لنا ان نتحدث قليلا حول " الغرب" تلك الهالة الكبيرة التي كانت حلما لجيلين سابقين منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الان. عليه يجب ان نتحدث حول الايدولوجية او الافكار و السنن و السياسات التي تتفرع الى الدساتير والقوانين و نمط المعيشة بمعنى اخر الايديولوجيا والثقافة السائدة في الغرب. كانت هذه الثقافة ناتجة عن نمط المعيشة و الخدمات الاجتماعية وحقوق الانسان و والحريات السياسية. وحق اللجوء السياسي ... كلها مبنية على اسس اقتصادية و سياسية في مرحلة معينة من التاريخ. يجب ان اوكد ان كل تلك الحقوق السياسية و المدنية و الخدمات الاجتماعية الواسعة الى حد كبير في الغرب مديونة للثورة الاشتراكية في روسيا و والثورات والحركات السياسية العمالية والتقدمية التي اخمدت في المانيا و باقي البلدان الاوروبية. بمعنى اخر ان تاثير الثورة العمالية في روسيا وخوف البرجوازية العالمية من تكرار هذه التجربة في البلدان الاخرى خصوصا في الغرب في المانيا او فرنسا او ايطاليا... ادى الى تغير سلوك كل القوى البرجوازية العالمية فيما يخص اسلوب ادارتها لراسمال و قبولها بالتنازل عن حصة من ربحها وتراكمها للطبقة العاملة و سواء كان عبر الاجور المناسبة او عبر الخدمات الاجتماعية الواسعة النظاق, ان البرجواية الغربية فرضت عليها هذه الحقوق والخدمات خوفا منها من الثورة العمالية او حتى من انتفاضات عمالية كبيرة... اذن كل هذه الامور التي سميت " بدولة الرفاه" او "مجتمع مستهلك" أو " الحلم الامريكي" المجتمعات الغربية التي اصبحت حلما لمجتمعات عربية واسيوية وافريقية... ليس هي من هبات البرجوازية الغربية سواء كان ليبرالية او سوشيال-ديمقراطية. حتى سوشيال-ديمقراطية كحركة سياسية و كأحزاب التي انتهى عهدها كانت افرازات الثورة العمالية والحركات العمالية الاخرى ونضالاتها المستمرة بوجه البرجوازية وسلطتها. بمعنى ان قوة الطبقة العاملة ووجود كتلة تسمى "بالشيوعية, راسمالية دولة" في الاتحاد السوفيتي ارغمت البرجوازية الغربية ان تعدل اواضاعها ليتسى لها الاستمرار في الحكم.. تاريخيا سجلت باسمها اي باسم البرجوازية الغربية.
أطرت كل هذه الامور تحت عباءة الديمقراطية, كانها داء لكل دواء: الحريات السياسية والفردية و المدنية وخصوصا بوجه الاتحاد السوفيتي السابق, الذي سمي بهتانا "بالشيوعية", و اجور مرتفعة و حريات نقابية و حرية التعبير عن الراي...وخدمات اجتماعية واسعة من التعليم والصحة والتقاعدية و ....كل هذه ادى الى توفير معيشة مناسبة و رفاهية مناسبة وعالية مقارنة بمعيشة اكثرية المجتمع في البلدان التي تسمى "بالاشتراكية" او بالبلدان الاخرى على الصعيد العالمي... واصبح الغرب بقيادة امريكا قبلة للفقراء والمحرومين و المظلومين و حلما للمثقفين و اكثرية البشر و نمط معيشة يحتذى به عالميا ...
من هذا الجانب انتهى الغرب ايضا. انتهى الغرب بمعنى: انتهاء دولة الرفاه و الخدمات, و ابوابها مفتوحة لمهاجرين ولاجئين. انتهى الغرب كحلم للمعيشة و كنمط للحياة يحتذى به... انتهت هذه المرحلة وانتهى الحلم الامريكي منذ مدة على الاقل منذ سنة 2008 , وقبل ذلك بصورة بطيئة بفعل الليبرالية الجديدة. الراسمالية العالمية بقيادة الليبرالية الجديدة وصلت الى مديات غير مسبوقة من التطور والتراكم هذا من جانب و لاترى امامها خطر الثورات العمالية و لا حركات نضالية عمالية طبقية واسعة النطاق من جانب اخر" القصد هنا ليس اضرابات وتظاهرات حول الامور الاقتصادية وهي كثيرة ويومية" بل البرجوازية الاوروبية والعالمية لا ترى امامها حركة عمالية سياسية تناضل في سبيل اسقاط النظام الرأسمالي ولو حتى في شكلها البدائي. ليس هذا فحسب بل ان المشهد السياسي تغير بشكل كبير لصالح البرجوازية حيث ان الطبقة العاملة في امريكا والغرب والعالم برمته, انقسمت على حالها واتجه جزء كبير منها نحو القومية والانعزالية كبوابة للخروج من معاناتها وفقرها و بطالتها, جزء كبير منها صوت لترامب و لبريكست. عانت الطبقة العاملة في الغرب منذ خطة تاتشر-ريغان والعولمة النيوليبرالية. عانت من فقدان العمل و تقليل الخدمات الاجتماعية و تخفيض الاجور ورفع السن التقاعدي, و قبلت بتخفيض اجورها... عليه ان التيارات السياسية بمجملها تغيرت لصالح اقصى اليمين, حيث لم يعد هناك موقع او مكانة مؤثرة حتى لتيارات الوسط البرجوازي سواء كان اليساري او اليميني في المجتمع, ناهيك عن اليسار التقليدي الاصلاحي .
عليه ان البرجوازية الغربية بقيادة امريكا " وحركات اقصى اليمين من القومية المقيتة وتشعباتها المختلفة وبعد ان ضَمنت "الطبقة العاملة " الى جانبها سياسيا على الاقل في هذه المرحلة الخطيرة, لا ترى في هذه المرحلة انها مرغمة لقطع حصة من ربحها و تراكم ثروتها للطبقة العمالية او لاكثرية جماهير الشغيلة بل بالعكس تتجه نحو التقشف و البطالة الواسعة و سياسة شد البطون, تفكر كيف بامكانها اسكات اكثرية الجماهير وهي ليس لديها عمل وليس لديها معيشة مناسبة ناهيك عن الرفاهية التي تمتعت بها خلال اكثر من ستين سنة. تفكر كيف بامكانها اطعام الناس و تهدئة خواطرهم, وكيف بامكانهم, ان يديروا نظامها بصورة مستقرة نسبيا, بالتوافق على تقسيم الثروات العالمية واعادة ميزان القوى. حيث اختلط الامرين في هذه المرحلة الانتقالية . ان الراسمالية وطبقتها البرجوازية ليستا محتاجتان لهذا الكم الهائل من العمال عليه يجب التفريط بهم, بمعنى اخر يجب تحويل اكثرية العمال الى عاطلين عن العمل وفي الوقت نفسه اسكاتهم سياسيا ونضاليا. هناك نظريات عدة في هذا المجال ومنها نظرية " تيتي تينتمينت" لبرجنسكي مفادها:" بخليط من التسلية المخدرة والتغذية الكافية يمكن تهدئة خواطر سكان المعمورة المحبطين. "( فخ العولمة-الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية/ هانس - بيترمارتن-هارالد شومان). هذا ناهيك عن العمل الثقافي والفكري الرجعي المستمر منذ نهاية الحرب العالمية الاولى بوجه اليسار والشيوعية و افكار ماركس و قيادة لينين للثورة الروسية على الصعيد العالمي من جانب , تقوية الاسلام السياسي كفكر في البداية و اخيرا كحركة سياسية ومنظمات واحزاب ارهابية كما نراها الان ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العالم العربي و اسيا الوسطي, وتطوير و تقوية الفكر الليبرالي الفردانية من روح الانانية الضيقة الى سليبريتزم" الشهرة" في الغرب, والشعوذة والخرافة الدينية وغيرها من جانب اخر. ناهيك عن انحراف وتزوير التاريخ العالمي وخصوصا الغربي برمته لصالح البرجوازية الغربية وتصوير الشيوعية كانها ستالينية توتاليتارية وقمعية سافرة. بطبيعة الحال ومع ضعف الشيوعية المادية او شيوعية ماركس ادى الى افراغ المجتمع من النهج والثقافة و التقليد الماركسي والشيوعي, بحيث لم نرى مجالا لانتشار الماركسية والشيوعية او حتى افكار و تصورات تقدمية على الصعيد الاجتماعي بصورة مؤثرة. هذه احدى المعوقات الاجتماعية الكبيرة التي تواجهها الحركة العمالية و النضال الطبقي على الصعيد العالمي. بمعنى اخر ان البرجوازية العالمية هيأت الارضية منذ الحرب العالمية الثانية للتحولات المستقبلية, واليوم نرى ان البرجوازية بكافة اطيافها القومية المقيتة والاسلامية السياسية والليبرالية الجديدة هي التي تتصارع و تتعارك فيما بينهاعلى حصتها وعلى تغيير موازين القوى لصالحها. الطبقة العاملة غائبة في هذه المرحلة من التاريخ حتى الان. غائبة سياسيا .
والحال هذا اصبحت الديمقراطية الغربية حتى في هذه البلدان اي في البلدان الغربية وفي صفوف الجيل الجديد والناشئ ليست موديلا مناسباً بل اصبحت ضد تطلعاتهم واهدافهم وطموحاتهم حيث جاء في متابعة لموقع ايلاف الالكتروني تقرير تحت عنوان " ضعف ثقة الأوروبيين بحكامهم يغذّي الشعبوية " وفيه:- (تبدي غالبية من الفرنسيين (61%) والإيطاليين (60%) والإسبان (56%) قناعة بأن نوعية حياة جيلهم في تراجع عن مستوى حياة جيل آبائهم، ويشاطرهم الرأي 44% من الألمان، و43% من البريطانيين... و لا يثق الأوروبيون أو إنهم قلّما يثقون في حكوماتهم، وهو ما أعرب عنه 89% من الإسبان، و80% من الإيطاليين، و77% من الفرنسيين، و70% من الألمان، و66% من البريطانيين. و أبدى الإسبان أكبر قدر من الريبة حيال المؤسسات الدولية (77%)، غير أن الريبة شديدة أيضًا في فرنسا (65%)، وإيطاليا (64 %)، وألمانيا وبريطانيا (59%).... وتشير الدراسة إلى أن هذه المشاعر تساهم في تصاعد الشعبوية، إذ تعتقد غالبية المستطلعين في البلدان المعنية، باستثناء المانيا، أن بلادها بحاجة إلى زعيم قوي يستعيد السلطة من أصحاب النفوذ. وأعرب عن مثل هذا الرأي 72% من الإسبان، و70% من الفرنسيين، و67% من الإيطاليين والبريطانيين.)( المصدر: http://elaph.com/Web/News/2017/2/1132683.html )
وكتب غديون راشمان في فايننشال تايمز :" أن تآكل القيم الديمقراطية في الغرب أظهرته دراسة نُشرت العام الماضي قبل انتخاب ترمب، حيث أوردت أن واحدا من كل ستة أميركيين يعتقدون أن فكرة حكم الجيش "فكرة جيدة"، بينما كانت النسبة في 1995 هي واحد من كل 16، مضيفا أن 70% من الأميركيين المولودين في الثلاثينيات يعتقدون أن الديمقراطية أمر ضروري، بينما يتفق معهم 30% فقط من المولودين في الثمانينيات.وأضاف الكاتب أيضا أن أوروبا تشهد توجها مماثلا، كما أن الدراسة انتهت إلى أنه خلال العقود الثلاثة الماضية تناقصت الثقة في المؤسسات السياسية -مثل البرلمان والسلطة القضائية- بشمال أميركا وغرب أوروبا."(المصدر: http://www.aljazeera.net/news/presstour/2017/2/22/).
القضية الكبرى هي هذه التناقضات في قلب النظام الراسمالي كنظام سياسي اجتماعي. والتناقض الاكبر... هو كما اشرنا اليه اعلاه. تطور النظام وتراكم الرأسمال وتركيزه متناقض ومخالف ب 180 درجة ليس مع تطلعات و اهداف وامال المليارات من البشر بل متناقض حتى مع المعيشة الاعتيادية لاكثرية البشرية لا بل متناقض مع توفير وتامين وضمان العمل للعاملين... هذه هي مشكلة هذا النظام وبدونه اي بدون تشغيل العمال يتأكل الربح والتراكم!! مشكلة موضوعية كبيرة وقع فيها النظام الرأسمالي. خصوصا في امريكا والغرب حيث تحولت ديمقراطيتهم الى البلوتقراطية(حكم الاثرياء بصورة عامة وفي هذه المرحلة بالتحديد تعني حكم الراسماليين الكبار). هذه هي مشكلة البرجوازية على صعيد العالم ككل من الصين الى امريكا ومن اسكندنافيا الى جنوب افريقيا"مشكلة عدم التشغيل"...تضاف الى هذه المشكلة العويضة, مشكلة المرحلة الراهنة واعادة تشكيل نظام عالمي جديد على انقاض الامبراطورية الامريكية , نظام عالمي جديد يمثل موازين القوى الجديدة على صعيد العالم . النظام العالمي الامريكي الذي سمي الجديد اي نظام القطب الواحد انتهى ويحل محله نظام ذو اقطاب متعددة اليوم ... في ظل وجود مشاكل و ازمات سياسية و وحروب مختلفة. بين النظامين هنالك مرحلة انتقالية تاريخية عصيبة كما شرحتها في ابحاث ومقالات سابقة.
نحن امام انهيار او انهيار بطئ للاقتصاد الراسمالي وبنموذجه العالمي اي الاقتصاد الليبرالي الجديد المعولم, انهيار لأقصى التوجهات الاقتصادية اليمنية, التوجهات التي لم ولن ترى غير الربح والاستثمار والاستثمار" حيث الدم يجري". القضية ليست ترامب او بريكست, كلتا الظاهرتين, يجب ان ننظر اليهما كانهما افرازات سياسية واقتصادية لاتجاه سياسي برجوازي عالمي في الغرب, ترى ذاتها انها مغدورة من ابتكاراتها و من اختراعاتها العالمية من عولمة الاقتصاد بالتحديد, ترى نفسها ان العملية التي بدأت بها لعولمة نموذجها الاقتصادي ادت الى نتائج عكسية, ادت الى تقوية دول ومنظومات اخرى لا تراعي مصالحها او بالاحرى تنافسها و تعاندها وتصارعها بفضل العمالة الرخيصة في الصين و الهند و روسيا و الخليج مقارنة بالعمالة في اوروبا و امريكا. العولمة ادت الى نتائج عكسية بالنسبة لامريكا والغرب عموما"غرب بدون المانيا". القضية اذن ليست في ان الطبقة العاملة على الصعيد العالمي لم تستفد من نتائج العولمة الليبرالية الجديدة ولو ان هذه القضية لا تأخذها البرجوازية بالحسبان. بل اصل القضية وفق الرؤية البرجوازية هي فشل البرجوازية الغربية ذاتها في العملية التي اطلقتها هي ذاتها مقارنة بمنافسيها ومصارعيها من امثال الصين و الهند وروسيا....بمعنى اخر الليبرالية الجديدة التي حاولت وبكل الطرق ومنها إرهاب الدولة والحروب أن تعمم نموذجهها الاقتصادي عالميا, اي عولمة الليبرالية الجديدة, ونموذج الحكم البرلماني الليبرالي, أدت محاولاتها الى نتائج عكسية وهي محاصرة بقوى عالمية كبيرة ومؤثرة. نتيجة لفشلها السياسي من جانب و تخلفها من جانب في المنافسة التجارية و والنمو الاقتصادي بصورة عامة من جانب اخر. أمريكا ترى ذاتها محاصرة بين الصين و ألمانيا والى حد ما الهند على الصعيد الاقتصادي ولا تعرف كيف تحدد استراتيجيتها في هذا العالم المتقلب او على حد قول ميركل المستشارة الالمانية يوم 18 فبراير/ شباط 2017 في معرِض خطابها الذي ألقته أمام مؤتمر ميونيخ للأمن: "لقد تغير العالم على نحو مأساوي، ولم يعد لدينا نظام دولي ثابت." وترى نفسها محاصرة بقوة عسكرية كبيرة خصوصا الصواريخ الاستراتيجية والغواصات النووية من قبل روسيا.
في ظل العالم الانتقالي " نظام دولي غير ثابت" لم تحدد امريكا ورئيسها ترامب استراتيجيتها لحد الان للوصول الى الهدف. هدفها اي هدف امريكا في هذه المرحلة: تعني بقاء امريكا على راس الرأسمالية العالمية وبقائها كقوة عالمية اولى ولو ان هناك قوة اخرى تشاركها في مناطق مختلفة" اصدقاء جدد" لكن لا تنافسها على مركز الاول. استراتيجيتها تعني كيفية الوصول الى هذا الهدف. هل يستمر مع استراتيجية سابقه اوباما لمحاصرة الصين و جعل روسيا عدوا لدوداً والابقاء على تعهدات امريكا تجاه اوروبا وامنها, ام لا؟! بهذه الاستراتيجية لم يتمكن اوباما وادارته من ان يخطوا خطوات مؤثرة للوصول الى هدفهم . او تغيير استراتيجيته ويوجه سهامها صوب اوروبا وبالذات المانيا لتفتيت الاتحاد الاوروبي وسحب البساط امام تطور وقوة نفوذ المانيا المتصاعد ليس في اوروبا وحدها بل عالميا, وخصوصا ان بريطانيا معها بقوة او ربما رؤيتها او حلمها اي حلم بريطانيا ان ترى المانيا ضعيفة وان ترى تفتيت الاتحاد الاوروبي او على الاقل خروج فرنسا منه ؟! هذاين الاتجاهين يتصارعان داخل صفوف الهيئة السياسية الحاكمة في امريكا, وحتى في صفوف حكومة ترامب و داخل صفوف الجمهوريين والديمقراطين ايضا... وهنا تبرز مشاكل و نرى فضائح يومية من حكومة ترامب ...حكومة ترامب و بعد صراع مرير لم تشكل بصورة نهائية لحد الان, على رغم وقوع ضحايا مهمين, ناهيك عن حالة الشارع والتظاهرات المستمرة لحد الان. ان المجتمع الامريكي تغير وسيتغير اكثر, القضية ليست ان المشهد السياسي تغير فحسب بل المزاج السياسي الثابت الذي كان يتمتع به المجتمع بعد الحرب العالمية الثانية, تغير بشكل جذري. ربما نشاهد سحب الثقة من ترامب او اغتياله من قبلهم كما حصل مع كنيدي, اذا لم ينصاع لرأي التيار السائد الحاكم. المشكلة التيار السائد لم يتبلور بعد في ظل الإنقسام الحاد الموجود في صفوف البرجوازية الامريكية.
على اية حال ان ظاهرة ترامب هي نتيجة وليس سبب, وهي كأتجاه سياسي في الحمائية الاقتصادية و الانعزالية الدولية و العنصرية العرقية او بالاحرى القومية الفاشية بدا يتبلور في كل البلدان الغربية. وهناك بطبيعة الحال حركات برجوازية رجعية تنادى بتقهقر التاريخ و بإعادة عقارب الساعة الى الوراء, الى القومية المقيتة اوحتى الى الاعراق أو ربما الى الشفرات الوراثية. حركة رجعية ولكن تنتجها واقعية تناقضات الراسمال و حركته . نفي الليبرالي او اقتصاد السوق لاقتصاد الدولة او لرأسمالية الدولة, ادى اى نفي نفيها, او نفي ذاتها. ليس بمعنى الفناء بل بمعنى انقلاب على الذات. تعني انها اي الليبرالية الجديدة وعولمتها, اصبحت غير صالحة لاصحابها, بل اصبحت عائقا أمام تطورها. بمعنى تخلف امريكا والغرب عن الصين والهند و وعدد من البلدان الاخرى من نواحي كثيرة منها: الميزان التجاري, و الاحتياطي النقدي والمنافسة العالمية بين الشركات: للمثال فقط تطالب الناقلات الجوية الامريكية بوضع القيود على شركات طيران الخليج :تقول "شركات الطيران الأمريكية دلتا إير لاينز ويونايتد إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز: إن "الدعم المزعوم يسمح لشركات الطيران الخليجية الثلاث بالتوسع سريعاً وإزاحة المنافسين عن مسارات مهمة". و في السياق ذاته تطالب شركات الطيران الأوروبية المفوضية الأوروبية بفرض قيود على الناقلات الخليجية. وأفادت وسائل إعلام خليجية بأن شركة طيران الإمارات فندت المزاعم التي أطلقتها شركتا "لوفتهانزا" و"اير فرانس كيه ال ام" مؤخرا حيث ادعتا تأثر عمليتهما في آسيا سلباً بتوسعات الناقلات الخليجية، وكذلك ادعاءات الدعم، مؤكدة مرة أخرى أنها تعمل على أساس تجاري بحت."( الخليج اونلاين نيت), وهناك نماذج و امثلة كثيرة ومنها في قطاع الهواتف الذكية حيث تقول الدراسة:( : إن الهواتف الذكية الصينية أصبحت تهدد حصص "سامسونج" و"آبل" السوقية، خاصة بعد ارتفاع الطلب على الهواتف الذكية منخفضة التكلفة التي يوفرها المصنعون الصينيون، وهي الهواتف التي تملك مميزات تقنية جيدة توفرها الشركات الأخرى في أجهزة أغلى ثمناً. وأضافت أن مبيعات جميع مصنعي الهواتف الذكية الصينية تشهد زيادة ملفتة سواء "لينوفو" أو "يولونج" أو "هواوي" أو "زي تي إي" أو" Xiaomi"، حيث أصبحت مبيعاتها تسيطر على حصة 20 في المائة من سوق الهواتف الذكية.(موقع العربية نيت-الاسواق العربية). واضح تماماً ان العولمة التي قادتها الليبرالية الجديدة على الصعيد الاقتصادي ادت الى نتائج عكسية لاصحابها.
قبل صعود الشعبوية الجديدة بهذه الدرجة من القوة في اوروبا و امريكا بالتحديد, نحن نرى و نشاهد بنيتها الاقتصادية. نشاهد تغيرات مؤثرة و الى حدما بنيوية في بنية الراسمال الغربي على الصعيد العالمي. حول هذا الامر هنالك ابحاث ودراسات عديدة . يقول سباستيان مالابي في هذا الصدد:-( سمي العقدان التاليان للحرب الباردة عصر العولمة وكانا محل احتفاء وهجوم. وشهد العالم اتساعا كاسحا في حركة رأس المال والسلع والأشخاص. فخلال المرحلة الفاصلة بين سقوط حائط برلين في عام 1989 وبداية الأزمة المالية العالمية في عام 2007 ازدادت التدفقات الرأسمالية الدولية من 5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى 21 %، وارتفع حجم التجارة ارتفاعا كبيرا من 39% الى %59 كما ازدادت عدد الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم التي ولدوا فيها بأكثر من الربع. ولكن الصورة تبدو أكثر تعقيدا اليوم. فقد شهدت التدفقات الرأسمالية الدولية هبوطا حادا، وشهدت التجارة حالة من الكساد، ولكن لا تزال حركة الأشخاص عبر الحدود مستمرة.... ولكن الاجدر بالملاحظة ان العولمة المالية لم تتعافى بعد.... يشير معهد ماكينزي في تحديث للبيانات المستخدمة في دراسته لعام 2013 إلى أن التدفقات عبر الحدود انخفضت إلى 2,6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في 2015 وبلغ متوسطها على امتداد الفترة 2011-2015 حوالي 5و4% فقط من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ربع مستواها في عام 2007. (سباستيان مالابي/تعديل مسار العولمة/مجلة التمويل والتنمية –مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي/ العدد 53 ديسمبر 2016)
سقوط الليبرالية الجديدة كنموذج غربي للاقتصاد, في الوقت نفسه سقوط لاخر ما توصلت اليه البرجوازية العالمية من النماذج الاقتصادية. حيث جربت سابقا اشكال وانواع مختلفة من النماذج الاقتصادية البرجوازية. على غرار أقوال فوكوياما الشهيرة حول "نهاية التاريخ" ولكن بعكس تصوراته اصبح اليوم بداية لنهاية التاريخ الاقتصادي البرجوازي ونموذجه الليبرالي الجديد. بداية لنهاية المدارس الفكرية الاعلامية التي شيعت و روجت لكل ما يتطلبه الراسمال العالمي عبر الفضائيات و الجرائد ومؤسسات اعلامية ضخمة, بداية لنهاية الديمقراطية كفكر و كنهج للحكومة و كتقليد لنمط المعيشة... يبدوا لي لم يبق من ديمقراطيتها اي البرجوازية الغربية غير الانتخابات, وانتخاباتها اصبحت محسومة لصالح الاحزاب و الشخصيات التي تقود حركة الرأسمال. البرجوازية العالمية في هذه المرحلة تهدف الى افقار المجتمعات الغربية, الى افقار طبقاتها الوسطى"الطبقة العاملة", الى افقار اكثرية المجتمع, بعد ان كانوا تمتعوا بميزة الرفاهية الاقتصادية الى حد ما مقارنة بنظرائهم خارج الدول الغربية. الهجمة البرجوازية الاخيرة, وصعود مؤثر وقوي لاقصى يمين برجوازي في امريكا و فرنسا وهولندا و بريطانيا و ظهورها في المانيا.... مؤشر خطير وفي غياب سياسي للطبقة العاملة يعني "سقوط الغرب" بكل مافيه من المعاني والمدلولات السياسية لصالح اكثرية المجتمع و الطبقة العاملة. سقوط مدوي و وإنعطافة تاريخية كبيرة, وبرايي اكبر من تحولات سقوط جدار برلين بمرات عديدة.
في ظل هذه الاوضاع نحن امام مشهد جديد للصراع بين مختلف الاقطاب العالمية, بين مختلف القوى العالمية و الاقليمية, نحن نعيش في مرحلة انتقالية, نعيش في مرحلة الفوضى المتفشية على الصعيد العالمي. مرحلة يظهر فيها مرة اخرى الصراع بين تلك القوى بصورتها الكلاسيكية بين مختلف القوى العالمية, لتحديد النظام العالمي متعدد الاقطاب. مرحلة تتسم بالحذر وبظهور نماذج اقتصادية مختلفة و بسياسات و استراتيجيات وقتية مختلفة تعبر عن المرحلة الانتقالية. ان الغرب الذي سينهار ببطئ بالمعنى الذي تحدثنا عنه اعلاه, لم يحسم امره بعد, خصوصا في امريكا. هناك اتجاهات مختلفة, مثلا هناك اتجاه لبقاء الغرب او الليبرالية على نموذجها الجديد داخل الاطار الغربي , امريكا واوروبا وحلفاؤهما في اقصى شرق اسيا واستراليا, مع علاقات وثيقة مع اقطاب عالمية جديدة على اساس الليبرالية القديمة او كلاسيكية الليبرالية على اساس قومي, الليبرالية في الداخل او في السوق الداخلي, مع الحمائية و الاقصائية على صعيد الدولي....هذا التوجه متناقض مع ذاته لكن توجه له مايبرره في عقلية المحلليين البرجوازيين في الغرب, البكاء على الماضي, وخوف على المستقبل. بالعكس هناك توجه صيني اعلنه رئيسها في اجتماعات دافوس الاخيرة الدفاع عن العولمة و التبادل التجاري الحر, ودعى الى "إعادة توازن" في العولمة لجعلها "أقوى واكثر شمولية واستدامة” ناهيك عن مشروعه الضخم العالمي الذي يربط اسيا باوروبا و افريقيا "حزام واحد طريق واحد" ويستضيف مؤتمرا دوليا بشانه في ايار المقبل.

.


مكانة الطبقة العاملة في المرحلة الراهنة
إننا نعلن ان الشيوعية هي الحركة الواقعية التي تنقض على الاوضاع القائمة. إن شروط هذه الحركة لاتنتج عن المقدمات الموجودة في الوقت الحاضر. وفيما عدا ذلك فان كتلة الشغيلة المعدمين-وهم قوة عمل كتلية منفصلة عن راس المال وعن كل مجال لتلبية الحاجات المحدودة نفسها- تفترض السوق العالمية, مثلما يفترضه فقدان هذا العمل بالذات على إعتباره مصدرا مأموناً للحياة, وهو فقدان ليس مؤقتا, فقدان ينتج عن التنافس. وهكذا فان البروليتاريا لا يمكن ان توجد الا على صعيد التاريخ العالمي تماما, كما الشيوعية التي هي نشاطها, لا يمكن ان تصادف على الاطلاق الا من حيث هي وجود "تاريخي عالمي". الوجود التاريخي العالمي للافراد, وبكلام اخر وجود الافراد المرتبط مباشرة بالتاريخ العالمي. (الايدولوجية الالمانية/ماركس-انجلز).
الاوضاع العالمية الراهنة, خصوصا في اوروبا و امريكا افرزت انكشافا طبقيا اكثر وضوحا وشفافا. البرجوازية العالمية لا تقف بالمرصاد بوجه تطلعات الطبقة العاملة فحسب بل عملت وتعمل على سلب كافة مكتسبات الطبقة العاملة التي حققتها عبر الثورات و الانتفاضات و الحركات السياسية العمالية, عبر الصراع الطبقي المرير منذ اكثر من قرن ونيف. هذه الاوضاع كنست وتكنس كافة اشكال وانواع اليسار البرجوازي, من الاشتراكية الديمقراطية الى اتحاد اليسار و اليسار الجديد و كافة انواع اليسارية الشعبوية العالم ثالثية , وتكنس معها القومية اليسارية حيث البرجوازية لم تعد تحتاج الى هذه الانواع من الاصلاحات والتنازلات امام الطبقة العاملة. الطبقة العاملة وحدها سواء كان على الصعيد العالمي او المحلي" في اي بلد كان" وقفت وستقف وقفة نضالية واحتجاجية بوجه غطرسة البرجوازية: سلطتها, سياساتها, تقشفها وادارتها. التحولات الاخيرة و سقوط الغرب ادت وستؤدي بصورة اكثر وضوحا الى الصراع الطبقي بين العمال و البرجوازية وجها لوجه بدون رتوشات يساروية و اصلاحات تجميلية. في بطن هذه التحولات ستفرز الحركة العمالية تيارات سياسية عمالية مختلفة. لاول مرة منذ مائة سنة تقريبا الطبقة العاملة العالمية, تقف وحدها في مواجهة البرجوازية العالمية, او على صعيد بلدان مختلفة, تقف وحدها بمعنى ليس هناك في صفوف طبقة برجوازية واحزابها تدافع عنها او تمثلها او تبرز مطالبها كما كان الحال في فترة الحرب الباردة.
لاوجود للطبقة العاملة الا عالمياً, وليس لها مصير الا مصيرا مشتركا, وليس لها نضال الا امميا او عالميا, حتى إن كانت حركتها محصورة داخل اطار "وطن ما" اما فعلها وممارستها ومطالبها فهي عالمية تؤثر وتتأثر على البعد العالمي . لم يمر تاريخ الراسمالية بظرف وحالة كهذه التي يمر به الان وفي هذه المرحلة. السلع الانتاجية و الوسطية في الانتاج, والمواد الخام, و الانتاج بتفاصيله, البورصات والاسهم والسندات, اسواق مالية ومشتقاتها, العملية الانتاجية, العمالة والهجرة, نموذج اقتصادي" الليبرالية ومشتقاتها الجديدة ...", السوق الحر, الانتخابات, البرلمانات, الموسيقى و الافكار, الفن و العلوم.... الفلك والرياضيات, عملية تراكم الرأسمال عبر فائض القيمة, عمالة رخيصة, افقار الطبقة العاملة, الالغاء والسطو على مكتسبات الطبقة العاملة: الخدمات الاجتماعية, الاجور المرتفعه او العالية نوعا ما, الحريات السياسية و الاجتماعية.. اصبح كل شئ معولم وعالمي واممي. لاشئ غير اممي وغير عالمي, التاريخ اصبح عالميا بالكامل. التاريخ و فعله كان عالميا منذ نشوء وانتشار الرأسمالية كنظام سياسي اجتماعي بالتالي طبقي, فعله عالمي و توجهه عالمي, لكن افرازته و نتائجه ليس بالضرورة عالمية موحدة, بمعنى لم تكن العلاقات الانتاحية الراسمالية علاقات سائدة عالميا حينذاك. كان للرسمال حيز عالمي واسع لفتحه وفق احتياجاته لكسر طوق "القطرية الضيقة" ولفتح المجال امام توسعة وفتح اسواق جديدة لبيع انتاجه و الاستيلاء على المواد الخام. ولكن مرحلتنا حولت الطبقتين الى طبقتين عالميتين ليس كبعد فكري و نظري بل كعلاقات انتاجية اجتماعية. كفعل حياتي معيشي ونضالي ومصيري ملموس للطبقة العاملة. ليس هناك مكان ما في العالم لم يشبع منه الراسمال. الراسمال امتص الدم حتى من الموتى!.اصبح العالم كتلة راسمالية موحدة, التصارع الرئيس فيه بين البرجوازية والعمال بدون رتوشات.
في مرحلتنا وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين, هي وصفات موحدة تقريبا على المستوى العالمي لفرض سيطرة الشركات العالمية الكبرى و القوى العالمية على الشركات والدول الصغرى و على الاراضي الخصبة من حيث الطاقة" النفط والغاز, الذهب والماس..."... وصفات وحدت ليس الدول من زاوية النموذج الليبرالي للاقتصاد بل من ناحية القوانين وادارة الاموال والمصاريف والسوق ايضا. تضاف الى ذلك وصل الامر الى وصفات سياسية موحدة من قبيل انتخابات صورية, حكومة تمثيلية صورية, اتفاقات و تعهدات دولية غير ملزمة. هذا ناهيك عن دمج الانتاج او عملية الانتاج بين دول مختلفة لصالح شركات عالمية كبرى. علاوة على ذلك وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الهائل في ميادين انتاجية مختلفة, وتطور سريع في ميادين استخدام الروبوتات في المعامل و في قطاع الخدمات... على الرغم من ذلك نرى ان العدد الفعلي لافراد الطبقة العاملة على صعيد العالم ازداد بمعدلات واضحة نرى عدد العمال او الذين يعملون في وظيفة ما 3,384,193.53 مليار عامل وفق احصائية 2014 . حيث ييلغ العمال في الصين وحدها , 806,498.52وفي الهند 496,960.16 وفي المانيا 42,213.45 وفي البرازيل 109,842.91 وفي اليابان 65,302.35 وفي روسيا 76,754.17 وفي العالم العربي 129,930.99 وفي الاتحاد الاوروبي 247,074.46... اعداد هائلة وضخمة. على رغم تطور التنكولوجيا بقفزات ثورية حقا في كل الميادين نرى ان عدد العمال او العاملين يزداد قياسا الى عدد العمال في عام 1990 على المستوى العالمي يبلغ 2,337,633.51 بمعنى زادت الطبقة العاملة من الناحية العددية ثلاثة ارباع مليار نسمة تقريبا. برغم استخدام الروبوتات بشكل كثير في الصين نرى ازدياد فعلي للطبقة العاملة مقارنة بين 1990 و 2014, حيث في السنة 1990 وصل العدد الى 637,334.24.( الاحصائيات من صفحة البنك الدولي باللغة الانكليزية). القضية ليس ازدياد او انخفاض افراد الطبقة العاملة من عموم سكان كوكبنا, تنظيم الطبقة العاملة وثورتها لا يستند الى النسبة العددية للطبقة العاملة بل يستند الى موقعها الاجتماعي. هذه الاحصائيات تفيدنا للتاكيد على ان الطبقة العاملة او الشاغلين في قطاعات مختلفة على صعيد عالمي قوة اكبر, تشكل نصف سكان الكرة الارضية تقريبا... وهذا يعني ان السياسة التي تهدف اليها البرجوازية لتعطيل هذه القوة او اخراج جزء كبير منها من العمل, كنتيجة طبيعية لتطور التكنولوجيا" تطور القوى المنتجة" عملية صعبة جدا نظرا للجانب الاجتماعي و الامني و السياسي المترتب عليها من جهة, ومن جهة اخرى كما قلنا اعلاه ان طرد ليس 80% من القوى العاملة, وفق قول " برجنسكي" بل اذا تم طرد 33% من هذه القوة واعتبارها زائدة و البرجوازية العالمية تهدف الى اخراجها من ميدان العمل.. هذا يعني طرد 1 مليار من العمال من عملهم واذا اظفنا اطفالهم او عوائلهم نصل الى عدد اكبر بكثير خصوصا في البلدان الاسيوية والافريقية, حيث العوائل كبيرة الى حد ما مقارنة باوروبا. حينذاك من يتشري البضائع مع وفرتها ومع التطور الهائل في انتاجية كافة السلع. هذا الجانب من القضية. وهذا اهم جانب اقتصادي. "من يشتري؟!".
اما بخصوص الجانب الاخر فان الطبقة العاملة على الصعيد العالمي اصبحت طبقة عمال عالمية بمعنى هناك اختلاط فيزيقي, اي وجودها يتعدى الاطار القومي او القطري وحتى المناطقي, ليس من الناحية الفكرية او السياسية بل من الناحية الواقعية والفيزيقية, تواجد العمال في الشركات العالمية وهي شركات تتعدى ممارساتها ونشاطاتها الاطر القومية والوطنية , او حتى في الشركات المحلية في اكثرية البلدان من " قوميات مختلفة!!" هذا ناهيك عن وجود 244 مليون مهاجر في عام 2015 أي بزيادة قدرها %41 مقارنة بعام 2000. ويشمل هذا الرقم ما يقرب من 20 مليون لاجئ " وفق احصائية الامم المتحدة-http://www.unic-eg.org/16918 ". 244 مليون واكثريتهم العظمى من العمال, بمعنى ان مصلحة المعيشة و ايجاد حياة افضل للعمال قفزت على المصالح القومية و النظرة القومية الضيقة, من الناحية الواقعية والفعلية. كما نرى ان "هوية العولمة ", بغض النظر عن محتواها, بدأت تتصاعد كحالة واقعية وليس كنظرية او كافكار. بهذا المعنى ايضا اي بمعنى ان الطبقة العاملة الهجينة العالمية ولدت في رحم التطور والتغيرات السريعة لعلاقات الانتاج السائدة وبفعل التطور الهائل للرأسمال الذي بسط نفوذه كأخطبوط لا يرحم.
بخصوص الافاق والاجواء الفكرية والثقافية السائدة على الصعيد العالمي, هي آفاق واجواء واطر رجعية : من القومية المفعمة بالارثودكسية المسيحية في روسيا و كونفوشيوس والبوذية الصينية الى الانجيلية المسيحية في امريكا والى القومية الفاشية الصاعدة و الليبرالية الجديدة الموجودة, والليبرالية القديمة التي انتهى عصرها و النسبية الثقافية الرجعية الى الاسلام السياسي بتياراته المختلفة, وروح الطائفية السياسية المسيطرة في عدد كبير من البلدان في العالم العربي و الشرق الاوسط, وبقايا القومية العربية بعد عمليات التعرية والتغيرات التي طرات عليها في سوريا ومصر و العراق و تونس و الجزائر. الطبقة العاملة على صعيد العالمي مشتتة ومنقسمة ومتشرذمة على قوميات و اديان وحتى الاعراق المختلفة, عرق غربي و شرقي, اسيوي و افريقي...الخ. ظاهرة بريكست و صعود ترامب في امريكا واضحة للعيان. الادب اليساري وبالتحديد الشيوعي الماركسي على الصعيد الاجتماعي وداخل صفوف الطبقة العاملة ضعيف جدا, يكاد يكون غائباً.هذه الثقافة والفكر التي كانت مؤثرة ولها تاثيراها اجتماعيا لغاية سنة 1990 ومابعدها بسنوات قليلة....الاطار الاجتماعي للفكر الطبقي والوعي الطبقي في حالة باهتة جدا.

الطبقة العاملة على صعيد العالم تواجه البطالة و التقشف و قلة الاجور, وعملية مدروسة لافقارها في الغرب وامريكا لتساوي او على الاقل لتقريب الحد الادنى من الاجور بين مختلف البلدان في كل العالم , الخوف من الطرد, زيادة الضرائب على السلع الضرورية و الضرائب المضافة, رفع السن التقاعدي في عدد كبير من البلدان الغربية, قطع او تقليل الخدمات الاجتماعية الصحية والتعليمية والتربية, والخصخصة, ناهيك عن الوصفات الجاهزة لصندوق النقد والبنك الدوليين وتقيد الحريات النقابية و حرية الاضراب خصوصا في البلدان الاسيوية و العالم العربي و افريقيا و امريكا اللاتينية واوروبا الشرقية. سيادة العقود الفردية حلت محل العقود الجماعية. في الوقت نفسه نواجه تفسخ او انحلال النقابات و الاتحادات العمالية السائدة في الغرب نتيجة لاحتضارها تاريخيا بمعنى عفى عليها الزمن بصورة واقعية,وهذه مصيبة كبيرة الى حد ما, خصوصا انه ليس هناك بديل حاضر يحل محلها.
النقابات والاتحادات العمالية كحركة نقابوية وكتيار في صفوف العمال لها تاريخها منذ بدايات نشوء الرأسمالية في بريطانيا. النقابوية كتيار سياسي لم يبقى لها تاثير على تطوير ونهوض الحركة العمالية منذ مدة طويلة, الى حدما اصبحت عائقا امام تطورها و تنظيمها. وبغض النظر عن بدايات هذه الحركة في النصف الاول وحتى العقد الاول من النصف الثاني في القرن التاسع العشر, بعد ذلك تحولت الى حركة حزبية" لصالح البرجوازية" واتسعت رقعتها في صفوف الطبقة العاملة واصبحت جزء من الاحزاب اليسارية و الاشتراكية الوليدة حينذاك. هذه الحركة في بدايتها في بريطانيا تبرجزت بالفعل وبفعل السطوة الاستعمارية لبريطانيا وتوسعها المستمر حينذاك. يقول أنجلز في هذا الصدد:" ..يمكننا حقا، بعد هذه القصة (6)،" إشارة إلى تحالف أ. جونز، صديق ماركس وانجلز، واحد زعماء الجناح اليساري من الحركة الميثاقية، مع الراديكاليين البورجوازيين على أسس انتهازية ويمينية. " الاستنتاج بأن الحركة البروليتارية الانكليزية في شكلها التقليدي الميثاقي القديم لا بد أن تضمحل تماما قبل أن تتطور نحو شكل حي جديد. بيد انه من الصعب التنبوء بما سيكونه هذا الشكل. انني اشعر بأن نقلة جونز الأخيرة، مثلها مثل المحاولات السابقة لها، والناجحة بقدر أو بآخر، لعقد تحالف من هذا النوع، تجد تفسيرها في واقع أن البروليتاريا الانكليزية تتبرجز أكثر فاكثر، وأن هذه الأمة، الأكثر بورجوازية بين سائر الامم، تريد بالتالي، كما هو ظاهر للعيان، أن تملك ارستقراطية بورجوازية وبروليتاريا بورجوازية إلى جانب البورجوازية. وبديهي أن هذا طبيعي بالنسبة إلى أمة تستغل العالم بأسره. ولا علاج لذلك سوى بضع سنوات رديئة للغاية، لكن لا ينبغي الاعتماد على ذلك كثيرا منذ أن اكتشفت الاراضي الحاوية للذهب... (انجلز الى ماركس-مانشستر 7 تشرين الاول 1958/مراسلات ماركس-انجلز/ ترجمة- جورج طرابيشي- دارالطليعة للطباعة والنشر بيروت/ الطبعة الاولى اب-اغسطس 1973 – التوضيح حول الرقم 6 موجود في هامش الصفحة في الكتاب ادخلته بين القوسين )

ان الحركة النقابية" لا اقصد نقابة معينة او نقابة واحدة ما في مصنع ما" على الرغم من مكتسباتها ونضالاتها لصالح الطبقة العاملة لكنها وكما قلت اذا نغض نظرنا عن بدايتها , تحولت الى تيار برجوازي داخل صفوف الطبقة العاملة, تبرجزت بفعل موضوعية توسعة الرأسمال على الصعيد العالمي... فيما بعد ذلك و بعد انتشار افكار ماركس و تشكيل احزاب اشتراكية ديمقراطية و بعد تحولات وتغيرات عميقة في بينة النظام الراسمالي العالمي, خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية تحولت بالكامل لصالح التيار البرجوازي الاصلاحي العالمي و التيار الاشتراكي الديمقراطي واصبحت قاعدتها في الغرب. البرجوازية في تلك الفترة كما شرحت اعلاه, تنازلت عن جزء من حصتها خوفا من الثورة العمالية وخوفا من الكتلة التي تسمى " بالشيوعية" وخوفا من انجازات ومكتسبات الثورة العمالية في روسيا. عليه تبنت بصورة فعلية القاعدة العمالية, نقاباتها واتحاداتها, ووفرت لها ارضية مناسبة للنمو في اطار سياساتها حينذاك. بعد سقوط جدار برلين والهجمة النيو ليبرالية الشرسة عالميا بما فيها اوروبا واستخدام طرق مختلفة لخصخصة الاقتصاد و فك ارتباط الحركات و الاحزاب البرجوازية من اليمين و اليسار مع اتجاه الكينزية ودولة الرفاه, لم تعد النقابات و الاتحادات العمالية تحظى بذلك التقدير والمكانة لدى تلك القوى, فتحولت الى وسيط بين الرأسمال والعمال لضمان بقائها. بمعنى ان الارضية التي إستقوت عليها الحركة النقابوية او التبرجز العمالي بصورة عامة لم تعد موجودة او لم تعد البرجوازية والراسمال بحاجة اليها ,وقد عفى عليها الزمن وفق رؤيتهم لحركة الرأسمال في هذه المرحلة.
القضية الاساس هي ضعف الحركة العمالية على المستوى السياسي, وتراجع الرؤية و التصور الطبقي كثقافة اجتماعية مؤثرة. هذه جانب من القضية ولكن هناك جانب اخر هو عدم مواكبة تلك الحركة النقابوية بانماطها المختلفة التطورات والتغيرات التي حصلت على البنية والتركيبة الطبقية خصوصا الشركات العالمية عابرة القوميات والاوطان والتي تحدد معالم اقتصاد العالم الرأسمالي. ان البرجوازية العالمية غير ملزمة باصلاحات لصالح الطبقة العاملة, عليه غير ملزمة بتبرجز جزء من طبقة عاملة في الغرب كما كان الحال في الماضي.
قضية الطبقة العاملة , بنيتها, تركيبتها, والتغيرات التي حصلت على مستوى الشركات العالمية, تاثيرات منظمات و شركات وبنوك عالمیة على ادائها وتنظيمها و حرياتها, ابعدها عن اداء اي دور سياسي , ضعف الشيوعية ليس على الصعيد الحزبي و الحركات السياسية الحزبية فحسب بل على صعيد حضورها كافكار منتشرة ومؤثرة اجتماعيا, تشرذمها وسيادة افكار برجوازية يمينية على ادائها وتصوراتها. سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين وتاثيراتهما على تموضع الطبقة العاملة خصوصا في الميدان التنظيمي والحريات السياسية و الاجور والخدمات, و اشكال عقود العمل. كل هذه المسائل تؤطر موقع ومكانة هذه الطبقة العاملة على الصعيد السياسي, فهي في وضع لا تحسد عليه اليوم ,و في مكان ادنى او ضعيف جدا ان لم نقل ليس لها اي دورسياسي يذكر.
مع كل هذه التغيرات والضعف السياسي و المكانة غير اللائقة مطلقا مع الاداء والواقع الاجتماعي للطبقة عاملة, على رغم كل ذلك وقفت هذه الطبقة وقفة نضالية كبيرة خلال الازمة الراسمالية العالمية ولحد الان وخصوصا في اوروبا و الصين و الهند و امريكا اللاتينية ومصر و تونس و المغرب والعراق الى حد ما.... وقفت وقفة نضالية بوجه سياسات التقشف و رزمات الانقاذ الاقتصادي التي تبنتها عدد من بلدان العالم من الصين الى امريكا مرورا باوروبا. وقفت وقفة احتجاجية جسورة بوجه البطالة و " تسريح العمال", و بوجه رفع السن التقاعدي, و قطع الخدمات الاجتماعية, او سياسات تعويم الاجور. نرى اضراباً او تظاهرة عمالية اوروبية مشتركة في بروكسل مثلا في 21 اكتوبر 2010 شارك فيها اكثر من 100 الف عامل من مختلف البلدان الاوروبية بما فيها المانيا و ايطاليا وفرنسا و بلجيكا و هولندا... في وقت متزامن مع هذه التظاهرة الطبقية العظيمة, تظاهر عشرات الالاف اخرين في لاتفيا و البرتغال و بولندا و ايطاليا... هناك امثلة كثيرة حول اضرابات و تظاهرات مشتركة او حتى تضامنية خصوصا بين العمال في المانيا وفرنسا.... وفي شهر تشرين الثاني 2012 تكررت اضرابات وتظاهرات عمالية عديدة في البرتغال و اسبانيا و اليونان بالتحديد...وتكررت هذه الظاهرة بصورة واسعة في كل البلدان الاوروبية. اما بخصوص الصين وفي سنة 2014 بالتحديد قام العمال بقيادة 1378حتجاجا وإضرابا نتيجة لاغلاق المصانع وتأخر صرف الأجور وتباطؤ ارتفاع الحد الأدنى للأجور وتقليص الإنفاق على الضمان الاجتماعي( وفق نشرة العمل الصينية). ونرى احتجاجات واضرابات عمالية واسعة في القطاع النفطي في العراق وخصوصا في البصرة و قطاعات صناعية اخرى في بغداد و في مصر ايضا نرى احتجاجات و تظاهرات واضرابات عمالية واسعة في اكثرية القطاعات الانتاحية والخدمية. ان الطبقة العاملة اظهرت قوتها في الميدان الاقتصادي وابرزت حالاتها ونضالاتها الدفاعية بوجه سياسات الافقار والتجويع. بصراحة هذا كل ما لديها. على كل شيوعي" مادي عملي" وفق ماركس ان لا ينتظر من الطبقة العاملة و حركتها اكثر من هذه الوقفات الكبيرة التي رايناها خلال السنوات المنصرمة خصوصا في فرنسا و اليونان و المانيا والصين وحتى في مصر والعراق و تونس وبلجيكا. فيما يخص الحالة السياسية او حضور الحركة العمالية كقوة في الصراع السياسي في المجتمعات المختلفة او في البلدان المختلفة, يقع ذلك على عاتق الشيوعيين. الحضور السياسي للطبقة العاملة لن يتم بدون التدخل القيادي و المنظم للشيوعية. بدون دمج النضال الفكري و النظري والسياسي مع النضال اليومي للطبقة العاملة وبواسطة او عبر حزب الطبقة العاملة... ليس بالامكان الحديث عن نهوض الحركة العمالية كحركة سياسية قادرة على النمو وفي التحليل الاخير التحول الى قوة سياسية مقتدرة بامكانها قلب موازين القوى لصالحها والمجتمع برمته بدون ماركس, بدون شيوعية ماركس.
وفق كل المقاييس و البنية الطبقية والاجتماعية و موقعها اي الطبقة العاملة في الانتاح الاجتماعي على الصعيد العالمي, وفي اي بلد كان, و حتى موقعها او نسبتها العددية مقارنة بسكان العالم او كل بلد على حدة...فان ذلك لايتناسب ولا يطابق مع مكانتها ودورها و ادائها السياسي. لا يتطابق مع النضالات الاقتصادية الجارية في عديد من بلدان العالم كما ذكرنا عدد منها اعلاه... انبثاق نضال سياسي من مجرى النضال الطبقي الجاري بوجه الراسمال وسلطته لا يتحقق بمجرد امنيات ايديولوجية, لا يتحقق بحتمية تطورات تاريخية, لا يتحقق بفعل انتظار تغير الاوضاع الاجتماعية, لا يتحقق الا بالعمل و العمل الثوري والعمل الشيوعي الثوري, هذا العمل و اسلوبه هو عمل و اسلوب الشيوعيين. عليهم ان يحددوا مرضهم وبما إن تحديد المرض هو تحديد او ادراك نصف المصيبة او المشكلة, فان الاجابة عليها هو مسار لتغير هذا الوضع في بطن الازمة الرأسمالية العالمية و المرحلة التاريخية العالمية الراهنة.
القضية او المرض او المصيبة في هذه المرحلة, مرض هجين يتفاعل في خضم الاوضاع الراهنة. هناك طبقة عاملة قوية و مناضلة و تناضل بشكل مستمر بوجه الهجمات البرجوازية وسلطتها وفي عدد غير قليل من نضالاتها تمارس اسلوبا نضاليا تقدميا الى اعلى درجات الرقي, لكن ليس بامكانها اي الطبقة وحركتها ان تمارس دوريا سياسيا مؤثرا و مقتدرا. هذا المرض, تزامن مع علة اخرى واصبح مرضا هجيناً عصيباً وهي فقدان الفضاء او الاجواء الاجتماعية على الصعيد العالمي لانتشار الافكار و السياسات والثقافة الشيوعية. الطبقة العاملة و جيل الشباب الصاعد تتوفر لهم كافة الافكار البرجوازية الرجعية من اليمين الفاشي و النازي الى الاسلام السياسي و القومية المقيتة و حتى افكار خرافية و مابعد الحداثية... إلا الشيوعية وثقافتها, تكاد ان تكون غائبة تماماً. بدون ضخ الشيوعية عبر الحزب او منظمة شيوعية او اشكال اخرى من مؤسسات و منظمات او حتى لجان و عصب عمالية شيوعية على صعيد دولة او عدد من الدول تهدف الى خلق حالة فكرية ويسارية وتقدمية على صعيد الافكار و الثقافة الاجتماعية, ليس بامكان الطبقة العاملة ان تنهض نهضة سياسية مؤثرة ومقتدرة. القضية هنا الاجابات الماركسية و الانتشار السريع, وهنا الاعلام يؤدي دوره. هذه القضية اهم برايي في هذه المرحلة. ليس بامكان احزابنا الشيوعية العمالية وهي نسخة اخيرة او اخر موديل للشيوعية المعاصرة, او غيرها ان تسيطر على الاوضاع السياسية في اي بلد كان دون انجاز هذه المهمة ولو في حدها الادنى... حتى في البلدان التي توجد فيها الاحزاب الشيوعية العمالية, عليها ان تحدد هذه المهمة كأولوية نضالية في ممارساتها و اعمالها. بمعنى ان هذه العملية بالذات ليست عملية محلية او "وطنية " في بلد ما, بل هي قضية وعالمية بامتياز. ان العمال في اي بلد كان او عدد من البلدان" مثلا في حالة اوروبا" ليس بامكانهم قيادة حركة سياسية بدون وجود مناخ اجتماعي للشيوعية, هذا مايثبته التاريخ في مرحلة ماركس و ما بعده وخصوصا في مرحلة لينين وفي مرحلتنا مرحلة منصور حكمت. بعد ذلك تمكنت البرجوازية من قلب موازين القوى لصالحها على كافة الاصعدة السياسية و الفكرية و الثقافية وبطبيعة الحال الاقتصادية. بدون هذه العملية او بدون دمج المرضين و الاجابة عليهما –معالجتهما-في اطار هذه المرحلة سظل حال الطبقة العاملة العوبة بايدي البرجوازية العالمية كما قال ماركس قبل اكثر من 145 سنة في رسالته الى انجلز حيث يقول:
"حیث ان الطبقة العاملة لیست متقدمة بمافيه الكفاية فی تنظیمها لشن حملة مصیریة ضد قوة منظمة ای القوة السیاسیة للطبقات الحاکمة ، یجب علی ایة حال تدریبها و تهذیبها لهذا بواسطة التحریض المتواصل المضاد و الموقف او السلوك العدائي تجاە سیاسة الطبقات الحاکمة . والا فستبقی العوبة بآیدیهم کما بینت ثورة ایلول فی فرنسا ، وکما ثبت الی حد معین عن طریق لعبة السادة غلادستۆن و شرکائه نجاحه فی انكلترا حتی الوقت الحاضر."( رسالة ماركس الى فردريك بولت في نيويورك 23 نوفمبر 1871 /مراسلات ماركس-انجلز/ المصدر نفسه/ مقارنة هذا المقطع مع النسخة الانكليزية لهذه الرسالة). 25.3.2017