في يوم المرأة العالمي


صادق البلادي
2017 / 3 / 10 - 14:10     

في السابع و العشرين من شهر آب عام 1910 إتخذ المؤتمر الثاني لإتحاد المرأة
الإشتراكي العالمي الثاني المنعقد في كوبنهاغن وبمبادرة من كلاارا زيتكين ، وضد رغبة الذكور من القياديين قرارا باعتبار يوم التاسع عشر من شهر آذار العام القادم ،1911 ، يوم المرأة العالمي ( وابتداء من عام 1921 أصبح اليوم الثامن من آذار). ومن الملفت للنظر أن الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي كتب في جريدة "المؤيد " المصرية في عام 1910 ( بتأثير قرار كوبنهاغن ؟) مقالا بعنوان " المرأة و الدفاع عنها" دعا الى رفع الحجاب مستخلصا مضا ر الحجاب و محرضا عليه في نهاية المقال بهذا البيت من الشعر :

آخٌر المسلمين عن أمم الأرض حجاب تشقى به المسلمات

و نشرها الشيخ نعمان الأعظمي في مجلته " تنوير الأفكار " في بغداد، وهو واعظ في الجيش العثماني و مدرس في مدرسة ألإمام الأعظم ، ويشي أسم المجلة أنه شيخ متنور ، وانقسم الرأي العام حول هذه الدعوة. فوقف االشاعرالرصافي الى جانبه بينما هاجم الشاعر عبد الحسين الإزري الرصافي ، كما قام عدد من رجال الدين بالتحريض ضده أيضا فنشر الشيخ سعيد النقشبندي رسالة عنوانها:( السيف البارق في عنق المارق) وطافت جماهير من العوام أزقة بغداد و محتشدة امام سرايا الحكومة، تطالب الوالي ناظم باشا بعزل الزهاوي من وظيفة التدريس ، ووصفه محمد بهجت الأثري بانه جاهل ولم يكتف بهذا بل رماه بالكفر والضلال والمروق. وأعلن الزهاوي تنكره للرسالة ، رغم بقائه مقفنعا بفنرة السفور.


وتخفت معركة السفور و الحجاب في العلن ، تخفت و لا تخبو فالصراع بين
التقاليد و التجديد بين الرجعية و التقدم لا يتوقف فهي إنعكاسات للمادة دائمة
الحركة . وبإصدار الكاتبة باولينا لمجلة " ليلى " علم 1923 تعود المعركة التنويرية ثانية ، ويشتد أوارها عام 1924 ففي ربيع ذاك العام صادفت عودة الملك غازي من زيارة الى الأردن فاستقبل رسميا وشارك التلاميذ في استقباله ومعهم مدرسة البارودية للبنات تتقدمهن المديرة منور برتو وهن بملابس الكشافة ، وفي الشهر الأخير من العام 1924تصدر جريدة " الصحيفة " لجماعة حسين الرحال وتشتد المعركة من جديد بين السفوريين و الحجابيين. ويشير الأخ الكاتب رشيد الخيون الى أن الحديث عن السفور ليس بالجديد تمام الجدة فينقل عن أبي
فرج الأصفهاني (ت 356هـ) في الأغاني قوله عن حدث غابر: «كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب (ابن الزبير زوجها)، فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال، أحببت أن يراه الناس، ويعرفون فضلي عليهم، فما كنت أستره، ووالله ما فيَّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد»(«كتاب الأغاني»).

ويأتي تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في آذار 1934 إسهاما كبيرا في قضية تحرر المرأة ، وكان يحض النساء الى الدخول في المنظمات النسائية القائمة التي
شكلتها نساء الطبقة الحاكمة و يستفدن و يحولنها الى منظمات جماهيرية والعمل لحقوق المرأة من خلالها، وتتوج هذا النشاط بتأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة قبل 65 عاما.

وبمناسبة الثامن من آّذار كتب الرفيق فهد مقالة تناول فيها وضع المرأة العراقية
يومذاك ، اعتبرها " تخطيطا أوليا لملامح المرأة العراقية تبين حرمان المرأة العراقية و الأم العراقية و عجز المرأة العراقية ، والظلمة الحالكة التي هي فيها.
إن أمراض المرأة العراقية واضحة وظاهرة لعيون الواعيات ، لكن قليلا منهن
يجرأ على التساءل أين تكمن جراثيم هذه الأمراض.؟ أفي قلبها أم في رأسها ؟
أم في جسمها ؟ أم أن هذه الجراثيم تأيها من مستنقع قريب ؟
تكمن العلة الأصلية في فقدان بلادنا السيادة الوطنية ، إذ أن الإستعمار ، لكي يثبت مركزه في وطننا ، يسند الرجعيين و يقوي العادات الرجعية ، علاوة لما في العادات من قوة على البشر.
فالعدو الرئيسي الذي يقف حيال التغيير .... هو النفوذ الأجنبي و دعامتاه الرجعية والعادات التي لا تأتلف وعصرنا الحالي." ( آب 1944 )
و ماتزال العلة التي شخصها يومذاك وكذلك العدو الرئيسي هي اليوم كالأمس الذي مضى ، ولكن تغيرت راية دولته فحسب ، ومثلما كان الهدف استكمال الإستقلال بالغاء معاهدة1930 ، هو اليوم أيضا استكمال الإستقلال الوطني
بإنهاء الإتفاقية الستراتيجية مع أمريكا.
وليس من العجيب أن المرجعية حتى اليوم وبعد مرور أكثر من قرن وربع القرن
على معركة السفور ضد الحجاب ترى ان الله لايقبل من المرأة السافرة أي عمل ، وهي حتى تخشى من لفظ السفور فستخدم متقصدة ، متعمدة بدلا عنه تعبير " المرأة غير المتحجبة " . والسبب في أنهذا ليس من العجيب لأنها تدرك ما للعادات من قوة على الناس ، وأن عادات الأموات تجثم على عقول الأحياء.
ولكن العجب العجاب أن عددا غير قليل من المثقفات الناشطات يرتدين الحجاب
وهن يعلمن أن الحجاب عادة لا فرض ، ولو أن حجابهن لا يتفق و مواصفات
المرجعية التي ترى حتى اليوم أنه " ينبغي للمرأة المسلمة أن ترتدي العباءة حتى ولو كان اللبس محتشما. " .