بروميثيوس – والصانع الأعظم، للباحث محمد عبد الحق


محمد عادل زكي
2017 / 2 / 22 - 09:47     

يحتوي التراث الثقافي البشري في الحضارات القديمة على أكثر من قصة تتناول خلق الانسان. احد هذه القصص هي قصة بروميثيوس في الحضارة اليونانية، وصراعه مع زيوس كبير آلهة اليونان، حين احال زيوس مهمة صنع البشر للحكيم بروميثيوس. وعند قراءة هذه القصة ومحتواها استوقفني بها احد المقاطع لإحتوائه على احد اهم الافكار التي شغلت مخيلة البشر، منذ مغامرة العقل الاولى، وحتى الآن. تظهر هذه الفكرة في تباين الموقف من قدرات وصفات ومشاعر ومهارات البشر بين زيوس وبروميثيوس. فأحدهم هو الصانع والمبدع، الذي فعل كل ما يمكنه لإخراج صنعته في افضل صورة ممكنة، حتى وإن كلفه ذلك الكثير من المخاطرة، والتعرض للتعذيب والعقاب الشديد، إما الثاني فهو كبير الآلهة المسيطر والمهيمن زيوس، والذي أراد ان يكون البشر ضعفاء، خائفين، خاضعين ليهمنته. ولكن عندما صنع بروميثيوس البشر أعطاهم مهارات ومشاعر راقية وقدرات عقلية كبيرة لتساعدهم في صراعهم مع الطبيعة، وهو ما لم يروق لزيوس، معللا ذلك بأن المعرفة والمهارات والمواهب لن تجلب إلا الشقاء للبشر، بينما في الحقيقة كان زيوس يريد تجريد البشر من اي مميزات تعطيهم قوة قد تمكنهم من تحديه في المستقبل !
قد أجد في تلك القصة تشابه، في روية زيوس، مع أحد فصول كتاب (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) والذي ألفه (حجة الإسلام) الشيخ ابوحامد الغزالي. ففي الفصل العاشر يشرح المؤلف كيف ان الايمان لا يأتي بإعمال العقل، بل هو نور يقذفه الله في قلوب عبيده، او بسبب رؤيا في المنام، او بمشاهدة حال احد الصالحين. بينما اعطى الحق في التفكير وإعمال العقل فقط للعالم المؤمن قوي الإيمان ليرد على ادعاءات المشككين في الدين !وهنا أتعجب من هذه الرؤية، التي ذكرها الشيخ (حجة الإسلام) ابوحامد الغزالي. فكيف يذكر ان إعمال العقل ، والذي هو اعظم هبة وهبها الله للإنسان، لن تكون سبب لبلوغ الإيمان، والوصول إلى حواف اليقين !.. فعندما ننظر إلى القرآن مثلا نجد ان اكثر امر إلهي أمر به الخالق سبحانه وتعالى (الصانع الأعظم) للإنسان هو إعمال العقل، حيث تتعدد الدعوات الإلهية، سواء بصور مباشرة او غير مباشرة، بالتفكير والتدبر والتفكر، في الكثير من آيات القرآن. فكيف يكون العقل والمعرفة العقلية عاجزين عن الوصول إلى الإيمان ؟ هذا هو الفرق بين الصانع والمحتكر. ففي الحالتين، نجد أن الصانع يبدع ويحسن الصنعة، ويمنحها كل ما يستطيع، ليجعلها متميزة، ومتفوقة، ويثق في قدراتها التي منحها إياها ليضمن لها النجاح، بينما لا ينظر المحتكر لذلك، ولكن ينظر للصنعة كسلعة، ويفكر كيف يستطيع أن يصل لأقصى استفادة شخصية ممكنة منها ... فعند الصانع تكمن القيمة وتأخذ أفضل صورها بينما يعمل المحتكر على تمييع كل المفاهيم ليظل هو المهيمن ...
- عند الرجوع للقصة الإغريقية نجد إن المعرفة والمواهب والمهارات التي منحها بروميثيوس للبشر كانت هي السبب في تطور الحضارة الإغريقية. ونجد أيضا ان التفكير والمعرفة وتطوير العلوم كانوا أهم أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية في قرونها الأولى. فهل يستفيق الصناع مرة أخرى لإنقاذ العالم من هيمنة المحتكرين ؟