أدم ... بعض هواجسه أو ما يشبه السيرة الذاتية


سعد محمد حسن
2017 / 2 / 16 - 16:28     

أدم ...... بعض هواجسه
أو ما يشبه السيرة الذاتية


ولتحفروا قبري عميقا
وادفنوني واقفا حتى أظل أصيح بين الناس: لا تحنوا الجباه , موتوا وقوفا , لا تموتوا تحت أقدام الطغاة.
أمل دنقل

(1)


لهواجسي هذه أكثر من دافع لأكتب عنها على الرغم من أنني ولأكثر من مرة ترددت في ذلك فما زلت اعد أسباب الكتابة عنها والبوح بها كمشاعر وأحاسيس في باطنية روحي , استميل الكشف عنها بالتلاعب باللغة وأحيانا تدفعني رغبة كامنة في إطراء روحي لما عشته وعانيته أو لإظهارها كتجربة حياتية و إيصال مغزاها للآخرين وأحيانا أكتبها بدافع السخرية من أوهامي التي ما برحت تتبخر كما يتبخر الماء عند درجة الغليان .... لكن ليعذرني الجميع فربما وأنا أبحث عن دوافع كامنة في روحي لتبيان هواجسي لكم , قد تسببت في إحراج البعض منكم أو أيقاظ مشاعر الألم والحزن لديكم , ربما قد تتساءلون ماذا يريد أدم منا وهو يسرد علينا حكاية تجربته المرة ؟ هل يريدنا أن نشاركه مأساته ؟ أم تذكيرنا بأحزاننا وفواجعنا بمن فقدناهم من أحبتنا؟ أو يعيد الخوف في نفوسنا مرة أخرى؟ أم تحذيرنا من القادم من الأيام ؟ أم كل ذلك ؟ .
كنت تحدثت مع صديق قد زارني في بيتي منذ فترة قصيرة عن رغبتي في كتابة نص هو أقرب للشهادة عن قسوة الصمت الذي لازم الآخرين , صمت لا يليق بهم وأخرسهم اتجاه المأساة التي عاشوها في السجون والمعتقلات السرية عن مدى القسوة في وقائعها نفسيا وجسديا و عن بربرية القائمين على تعذيبنا ووحشيتهم وشذوذهم , تساءلت مع نفسي أهو الخوف هو الذي دفعهم إلى أن يلتزموا الصمت ومنعهم من فضح تلك الممارسات الوحشية ؟ أم ماذا ؟ حين رأيت أحدهم مصادفة في شارع الجمهورية تحدثت معه لكي عرف كيف ستكون ردة فعله , قلت له أنا أفكر جادا في أن أقوم بنفس النشاط السياسي حتى لو أعادني شخصيا إلى الاعتقال والتعذيب من جديد ؟ بل والموت ؟نظر إلي باستغراب قائلا بعصبية واضحة , لم تتعلم بعد ؟ ألم تتوب ؟ ثم تركني وهو يهز بيده اليمنى دلالة على عدم الرضا والاستهزاء بي بعدها لم ألتق به أطلاقا حتى مصادفة ؟ . ?.
منذ أن خرجت من السجن وأنا أحاول أن أعيد التفكير بكل ما حدث , استعيد ذاكرتي لأكتب عن تلك المعاناة التي عشتها أيام الاعتقال , نص يرتقي إلى مستوى ألام وعذابات من تعرض لكل ذلك التعذيب الجسدي والنفسي نص هو أقرب للشهادة وأقرب للتحريض . التحريض ضد كل أشكال استلاب حرية الإنسان وكرامته , ضد كل أشكال القمع السياسي والثقافي والاجتماعي والفكري .
لا أخفي عليكم فلقد استعنت في محاولتي هذه بشهادات لناس قضوا أشهرا نزلاء قصر النهاية أ ونقرة السلمان أو أقبية مديرية الأمن أو الاستخبارات العسكرية وغيرها من المعتقلات والسجون كما قرأت للعديد من الشهادات لمعتقلين من شتى بقاع العالم فالهم الإنساني هو هم واحد مهما اختلف الناس في اللغة واللون والمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ومهما كانت دوافع الاعتقال والسجن ومبررات ذلك . لكنني في مقابل تجربتي المرة والقاسية الغنية في دروسها , أدرك جيدا ما تشعرون به وأعرف كذلك أن البعض منكم
أراد أن ينأى بنفسه عن وقائع ما جرى له وأن يمضي بحياته دون أن يلتفت لتلك الأيام بصعوباتها ولامها , لكنها بالنسبة لي كانت تجربة حياة بتفاصيلها و نتائجها و درسا بليغا بكل ما تحمل من معنى ذلك أن أخرج من تجربة كنت فيها قاب قوسين أو أدنى من الموت وفرص النجاة تتضاءل أمامي كلما طالت جلسات التعذيب و أيام الاعتقال ,وقد بدأت قدراتي الجسدية بالضعف وراحت قواي تنهار بفعل قسوة رجال الأمن و إمعانهم في تعذيبي وسطوتهم لانتزاع ما يمكن انتزاعه- من اعترافات في جلسات التعذيب التي يطلقون عليها أسم حفلات عند اصطحابهم لأحدنا التي دائما ما يطول وقتها تبعا لمزاج الجلاد .
هل نسيتم كيف كانوا يستهزئون بكرامتنا حين يسمون جلسات التعذيب بالحفلات أو حين يقولون دعونا نستمع بصراخكم وتوسلاتكم ؟ أو عندما تصبح جلسات تعذيبنا للتسلية و ملهاة لإضاعة وقتهم أو ربما للتخفيف عن عقدهم النفسية ؟
لكن رغم كل تلك القسوة فأن لتجربة السجن و الاعتقال والتعذيب لها طعم أخر أنها تشعرك في لحظة ما بأنك أقوى منهم أقوى من كل أساليبهم وعنجهيتهم وقد خرجت منها بتجربة غنية في المعنى صلابة ووضوح الرؤية و قد تخلصت من وهم كدت أن أضيع حياتي دون أن أدرك حقيقة أنه وهم .
دعوني أروي لكم ما حدث كان يوما صيفيا شديد الحرارة أواخر شهر تموز العام 1988 وهو العام الذي توقفت فيه الحرب العراقية الإيرانية . الحرب التي دامت أكثر من ثمان سنوات , الوقت صباحا و الساعة تقترب من السادسة حين حضر أربعة رجال كانت ملامحهم وشكل ملابسهم وطريقة مشيتهم توحي لمن يراهم بأنهم عناصر لإحدى أجهزة الدولة الأمنية ( ملاحظة أنه بعد أطلاق سراحي عرفت بأن هناك أكثر من جهاز أمني تتحدد واجباته داخل وخارج البلاد ) طلبوا اللقاء بأمر وحدتي العسكرية وبعد أقل من عشرة دقائق جاء أحد الجنود وهو يبحث عني وحين وجدني قال " يمعود " الأمر خبص الدنيه عليك يريدك هسه , حاولت الاستفسار منه عن السبب , رد بالقول ما أدري يكًولون والدتك مريضة ومتخربطة "... أحسست بالخوف لحظتها وكأن شيئا ما يجري الأعداد له ولعل الذي زاد من مخاوفي من أن شيئا أخر يراد من ذلك خاصة وأني قد تركت الوالدة ليلة أمس وهي بصحة جيدة ولا تشكو من أي شيء دخلت غرفة الأمر و بقيت واقفا طلب مني أن أجلس " أستريح أجلس أبني وطلب لي كوب شاي , وبدون مقدمات قال " الجماعة جايين عليك ورايديك ابشغلة أتروح وياهم وبعدين راح يرجعوك لهنا , والشغلة ماراح اطول ساعة ويجوز أقل من ذلك " بدأ متلعثما في كلامه والكلمات تخرج منه بصعوبة ربما كان خائفا مثلي, أو ربما هو خائف مني , أحسست بذلك من نظراته لوجوه هؤلاء " ابتسموا بوجهي وأخذوني بكل هدوء شاكرين أمر الوحدة لتعاونه , في الطريق بعد أن خرجنا من الباب الرئيسي قال أحد هم " هي ساعة وياها مسافة الطريق ويجوز متطول " فيما قال الثاني وهو يضرب على كتفي " خو ما خايف , ترة الشغلة كلش سهلة ومراح اطول ساعة " غير أن محاولتهم لطمأنتي لم تبدد مخاوفي بل العكس حيث أخذت تزداد شيئا فشيئا حينها انتابني
شعور بأنني قد لا أعود أطلاقا , حين وصلنا مبنى الاستخبارات العامة هكذا أحسست لكنه اتضح لي فيما بعد بأنه مبنى أمني عائد للاستخبارات العسكرية , في المبنى أدخلوني بقوة بإحدى الزنزانات الخالية ألا من بقع الدم على الحيطان والأرض والغائط ورائحة البول وبعض الملابس الممزقة والملطخة بالدم , أبقوني يومين دون أن يسألني أي منهم . كان القصد من ذلك هو , زرع الخوف في روحي والآن وبعد خروجي من السجن أدركت بأن تجربة اليوميين الأوليين قد مرت على الكثير ممن جرى اعتقالهم لأسباب سياسية . في اليوم الثالث اقتادوني وأنا معصوب العينين لغرفة التحقيق , في الطريق أليها زلت قدمي فوقعت على الأرض قال أحدهم " عمه الليعميك متشوف الدرج "فيما شتمني الثاني أبن الزمال أنت شنو أثوَل لو ألله مثولك ... لو شنو "

أنا لست بطلا كما قد يعتقد البعض منكم كانت شدة التعذيب تتصاعد كلما أمتنع السجين وقاوم , الضرب باستخدام الكيبل أو الكي بأعقاب السجائر أو تعريض السجين للصعق بالكهرباء أو تعليقه للأيام أو الاغتصاب أو رمي السجين إلى الأرض من مكان مرتفع أو الضرب باستخدام الأيدي والأرجل أو السحل أو صب الماء الحار في ظهرية الأيام الحارة أو صب الماء البارد في ساعات ليل الشتاء الباردة وغرها من وسائل التعذيب المختلفة
بقال بأن ناظم كزار هو أول من أدخل أحواض الكبريتيك المركز كإحدى ا وسائل القتل بمن يرى النظام فيهم مصدر خوف حقيقي في ضمان بقائه مدة أطول وخطرا حقيقيا على ذلك كما يشاع بأن ألمانيا الشرقية هي التي زودت العراق بأساليب وأجهزة متطورة تستخدم لانتزاع الاعترافات من المعتقلين , تصور ألمانيا الشرقية أو ألمانيا الديمقراطية ؟ التي يحكمها حزب شيوعي ؟ يا بؤس تفكير البعض منا حين يدافعون بغباء عن وهم ما حققته هذه الدولة ؟. هل هو عمى الأيديولوجية ؟


للمرة الثانية فقدت وعيي من شدة التعذيب وحين أفقت بالطريقة نفسها كنت منزوعا تماما من ملابسي وبقع الدم اليابس تملآ فمي كان الألم يفوق قوة تحملي , أنا الكائن الضعيف وقد حولوا بعض من جسدي إلى مطفأة لإعقاب سجائرهم . كان التعذيب عبارة عن احتفالات يومية بالنسبة لهم وكانوا يطلقون عليها الحفلة حين يقتادون أي من السجناء للتحقيق معه يقولون بتهكم واستهزاء "اليوم الحفلة أنت بطلها راح انخليك تتونس أحسن ونسة " كانت تلك الحفلات تدار في أغلب ساعات اليوم لا وقت محدد لها أمعانا بتعذيبنا وإذلالنا , ففي ساعات الليل المتأخرة ينهضونك بالقوة بركلات أقدامهم أو بصب الماء البارد أو الحار عليك حسب طبيعة الجو ففي الشتاء يصبون عليك الماء المثلج وفي الصيف يصبون عليك الماء الحار أمعانا في تعذيبك, كان صراخ السجناء يأتيني من أخر العالم , ويشعرني بأن العالم كله عبارة عن سجن كبير لا فكاك منه .
عندما أوقفوا التعذيب لأيام وصل لمسامعي بأن عفوا ما قد صدر بحق من كان موقوفا دون أن أعرف الأسباب وراء ذلك العفو , كان الخبر قد سربه أحد الجنود المناوبين على حراستنا وبين تصديق الخبر أو تكذيبه عدت لهواجسي من جديد حاولت أن أركز في التفكير في كل الاحتمالات الواردة وأولها أن يكون العفو أحدى أكاذيبهم يراد منها تحطيم معنوياتنا وقدرتنا على تحمل سطوتهم وتعذيبهم بالضحك علينا فليس هناك ثمة أمل وأنت تحت سياطهم .
مرت ليلتين دون أن يصطحبني أحدهم للتحقيق من جديد , في صباح اليوم التالي فتح أحدهم باب الزنزانة قائلا بكل بساطة يله راح تطلع من السجن أنت معفي عنك بعد شتريد , حين أوصلوني إلى مقر وحدتي العسكرية وبالقرب منها أزالوا عصابة عيني وفكوا قيدي بعدها سلموني إلى أمر الوحدة . الذي بدأت ملامح الخوف ترتسم على وجهه لحظة دخولنا غرفته , طلب منهم الجلوس فيما أبقاني واقفا نادى على المراسل أن يجلب لهم أقداح الشاي وبعد حوالي ربع الساعة وأنا واقف نهضوا هم وأودعهم أمر الوحدة متمنيا لهم سلامة الطريق وأشار إلى المراسل قائلا له خلي يذبوه بالسجن؟ لكن بعد نصف ساعة أطلق سراحي راجيا مني أن لا أخبر أحد عن ما جرى لي أثناء اعتقالي أومأت له برأسي وتوجهت بعدها إلى غرفة المنام ونمت حتى صباح اليوم التالي .
(2)

.
كانت تراودني ومنذ مدة ليست بالقصيرة مغادرة البلد طالبا اللجوء بدولة أجنبية حيث معايير حقوق الإنسان لكن خوفي من أقع من جديد فريسة وهم , أذكر أن صديقا كتب لي ذات
مرة من منفاه الاختياري قائلا : في اللحظة التي أكتب أليك فيها , ما زال يتمالكني أحساس بالغربة وحنين إلى بلدي رغم كل ما هو جميل هنا النساء رائعات , الأماكن تصرخ بالنظافة , البلدة جميلة بطبيعتها الساحرة , أنها تشعرك بالطمأنينة التي افتقدتها في بلادي البشر ميالين للعمل ومثابرين عليه بحماس , أحاول أن أتفهم حياة الناس علاقاتهم الاجتماعية طريقة تعاملهم فيما بينهم كيف يمضون أوقاتهم وأسعى إلى أن تكون علاقاتي بهم طيبة وأن أجد مكاني في وسطهم رغم التفاوت الواضح في قيمنا الثقافية والاجتماعية, أنا الوحيد في هذه البلدة البعيدة عن العاصمة بمئات الكيلومترات , الجو فيها بارد خاصة في ساعات الليل لكنني أجد متعة في التجوال في شوارعها بعد مغيب الشمس , أحيانا يغمرني الفرح ويدفع بي أن أرقص وسط أنظار الآخرين , هل تذكر يا أدم من أن يوما قد غمرنا الشعور بالفرح ونحن نجوب شارعي الرشيد أو السعدون سيرا على الأقدام قبل أن أقرر مغادرة البلاد وتقرر أنت البقاء فيها ؟ .
في الأشهر السبعة الأولى من وصولي سعيت بالبحث عن عمل يضمن لي بعض المصاريف, الإضافية الأخرى فمتطلبات الحياة هنا مرتفعة جدا ولا تكاد المساعدات الممنوحة لي تكفي كل احتياجاتي الاجتماعية والمعيشية , ما زال الناس هنا يلقبونني بالسيد الغريب القادم من وراء البحار الواسعة رغم اتقاني لغتهم بالشكل الذي استطيع فيه من تدبير شؤوني الخاصة, لدي رغبة في أكمال دراستي العليا في أحدى الجامعات أن أتاحت لي الفرصة لتحقيق ذلك , بالأمس ساعدت جاري في أنجاز بعض أعماله دون مقابل , أبتسم ثم عانقني , البلدة كما أخبرتك تبعث في نفسي الطمأنينة والنشاط لكنني يا صديقي حين أعود مساءا إلى مسكني وحيدا معزولا ينتابني أحساس عارم بالحزن , لا أخفي عليك مدى قلقي من القادم من الأيام , لا أحد يشعر هنا مثلما أشعر بالقلق , أعرف جيدا أنك أكثر قلقا مني كما أشعر بخوفك .

قبل أربعة أيام جاءت جارتي وهي كبيرة السن إلى منزلي لتخبرني بلهفة من أن أحد أبنائها المقيم في أحدى البلدات البعيدة قد تعرف على أحد الغرباء قالت ربما يكون من بلدك وطلبت مني أن أتصل به , أ انتابني لحظتها شعورا غامرا بحنين الأم . ربما أرادت أن تعوضني عن افتقادي لذلك الشعور عن المسافات والظروف التي تحيل دون وصولي إلى أمي أو ربما أرادت أن تعوض هي اشتياقها لأبنها البعيد عنها .


.
ختاما
تقبل تحياتي الحارة

ملاحظة :
أرجو أن تكب لي قدر التمكن فأن رسالتك تشعرني بوجودي في بلدي

صديقك

تساءلت مع نفسي وأنا أعيد قراءة رسالة صديقي للمرة الثالثة, هل بالإمكان أن يتخلى المرء عن علاقاته الاجتماعية أشياءه الجميلة, ثم يقرر الرحيل بعيدا دون رجعة ؟ هل يمكن ذلك ؟ هل بإمكانكم أن ترحلوا بعيدا عن كل شيء نسجته حياتكم هنا دون رجعة ؟ قال أحد أصدقائي ممن ودعتهم قبل أيام سأكتب أليك عن كل شيء الناس هناك علاقاتهم الاجتماعية مستواهم العلمي والمعرفي وقع الحياة كيف هي وحين تتاح لي الفرصة بعد أن أرتب أوضاعي هناك سأعود وأكون في وسطكم ؟ لكنه في أول رسالة بعثها كتب يقول أتدرون ربما لا استطيع الفكاك حاليا فلقد شدتني الحياة هنا , فرغم ساعات العمل الطويلة لكني أجد وقتا كافية للقراءة وأحيانا للتنزه لكني أتابع أحباركم بشكل متواصل , غير أن التواصل لم يدم
حيث انقطعت رسائله حتى عن أهله ! ربما كان الدافع وراء ذلك هو الخوف من أن تقع رسائله بيد أجهزة الأمن وبالتالي يسهل العثور عليه واغتياله أو ربما هو مثل ممن حاولوا نسيان ما جرى لهم وأن لا يلتفت له أطلاقا .
هل فكرتم أنتم بالرحيل مثل صديقي دون عودة وأن تمتنعوا من إرسال ما تطمأنون أهاليكم وأصدقائكم وأحبتكم ؟ هل فكرتم بكل ذلك وأنتم تحاولون البحث عن بلد يحتضن أوجاعكم وتجدون فيه أنفسكم ؟ ربما قرر البعض منكم أن يرحل بعيدا قال لي صديق أتدري لقد تعبت من الأوضاع هنا وأنا أفكر جديا بالرحيل فما عدت أشعر أن هذا البلد يحبني . أما أنا يا أصدقائي فلا تلومونني حقا فرغم كل ما عانيت فأن التيه في بلدان الغربة يشبه موتي , أنا أعيي جيدا بأن هناك فارق كبير بين أن تعيش تحت سلطة شرطي لا يجيد القراءة والكتابة ألا بصعوبة وما عليك ألا أن تظهر له العديد من الوثائق الرسمية لكي تثبت له أن موقفك سليم من كل شيء يجري في البلد , وبين بلدان قد تقع أقصى العالم ألا أنها تحتضنك بكل طمأنينة كأحد أبنائها وتفتح بوجهك ألف باب لكي تعيش بكرامتك .

لقد اختلطت الأمر علي ربما بدافع الخوف من أن أخوض تجربة حياة من جديد تجربة بكل ما تحمل تجربة لم أخضها من قبل , شيئا لم أعرفه لم أجربه لم أعيشه , وقد أواجه الفشل من ذلك , كنت خائفا حين وضعوا الأصفاد في يدي وعصابة فوق عيني , خائف من القادم وخائف وأنا أحدثكم . خائف ولا أدري ماذا أفعل ؟.

هل أمتلككم الخوف مثلي , أن تخوضوا تجربة أخرى ؟ هل أنتم خائفون الآن ؟هل أنتابكم الخوف مثلما انتابني حين اقتادوني أول مرة معصوب العينين إلى المجهول ؟ هل أنتم خائفون من القادم ؟
هل ترون الأشياء مثلما أراها أم لكم رؤية أخرى , هل تعلمتم من كل تجاربكم , ؟ هل حاولتم أن تخوضوا تجربة أخرى أم العكس , هل فكرتم جادين من أن تصنعوا أقداركم بأنفسكم ؟