ثروة -الأمم- الاستهلاكية


سعيد زارا
2017 / 2 / 16 - 09:00     


انهارت الرأسمالية في سبعينات القرن العشرين دون أن ينتقل العالم إلى الاشتراكية فتسيدت البورجوازية الوضيعة على عرش العالمين و أغرقت الشعوب قاطبة في وحل الاستهلاكية و نزلت بالإنسانية إلى الانحطاط بإخراج الصراع من دائرته الحقيقية حيث قوى الإنتاج تواجه علاقات الإنتاج. لم تنفجر بشاعة مجتمعات الرفاه التي شيدتها البورجوازية الوضيعة في الرأسماليات السابقة إلا بعد أزمة 2007/2008 رغم أن مثيلتها في الاتحاد السوفياتي قد أظهرت وحشية و فاشية لا مثيل لها في التاريخ قبل أن تتسيد في أمريكا و اروبا و أسيا.

من طبيعة البورجوازية الوضيعة أنها لا تنتج ثروة عكس الرأسماليين الذين لا يكفوا عن مراكمة الثروة, و قد انفضح أمرها في الآونة الأخيرة عندما سدت كل الطرق إلى التنمية و هي نتيجة حتمية لتسيد إنتاجها الخدمي الذي لا يضيف شيئا إلى ثروة المجتمع.

كشفت أزمة 2007/2008 المالية عورة البورجوازية الوضيعة و عجزها البنيوي في إثراء المجتمع حيث لوحظ في الولايات المتحدة الأمريكية أنها تنفق منذ 1979 ما معدله ثلاث دولارات لتحقق نموا بمقدار دولار واحد و الحال هذا تقريبا في باقي قلاع الرأسمالية السابقة.

يعتبر الناتج المحلي الخام مؤشرا لقياس ثروة الأمم و إن كان حسابه معيبا لأنه يعتبر كل الخدمات تضيف ثروة و هو اعتبار خاطئ , إلا انه يمنحنا فكرة عن وضعيتها الاقتصادية.

عوض أن يلجأ اقتصاديو البورجوازية الوضيعة إلى كشف الحلول الفعالة لازمتها في مواجهة الإنتاج الخدماتي الذي يفترس الثروات دون أن يضيف إليها شيئا ليفسحوا المجال لإنتاج البضاعة , كما نادى الرئيس الامريكي السابق اوباما, التي تشكل الخلية الأولى للثروة , راحوا يبحثون في طرق جديدة لحساب الناتج المحلي الخام تغطي و لو مؤقتا عجزهم المفضوح في إضافة شيء إلى ثروة المجتمع و ليس في طرق جديدة للإنتاج تخلق فعلا الثروة.

مع بداية العقد الثاني من الألفية الثانية اعتمدت معظم الرأسماليات السابقة في حساب ناتجها المحلي الخام على إقحام و احتساب قيمة التسلح و كذلك الدعارة و المخدرات.

كان الرأسماليون عند حساب الناتج الإجمالي المحلي يرفضون إقحام التسلح في حساب هذا المؤشر, ليس للطبيعة السرية للتسلح ما دام الأمر يتعلق بتقدير ليس إلا, و لكن لأنهم كانوا يعتبرون السلاح منتجات تدمر الثروة و كل وجود إنساني . يتفوق الرأسماليون هنا على دعاة الماركسية الذين يعتبرون إنتاج السلاح من البضاعة رغم أن ماركس استوفى في تعيين حدود البضاعة من غيرها. فما من شرط تقوم عليها البضاعة متوفر في منتوج السلاح, فلا هو نافع و لا هو صنمي يستدرج الناس في علاقات بينهم دون إرادتهم و لا بين سائر السلع لأنه لا ينزل إلى السوق العامة حيث الدول هي المشتري الرئيسي و يكون ذلك تحت الطلب, و لا هو يباع نسبة إلى ما خزن فيه من ساعات عمل ( للمزيد من التفصيل في هذا الشأن يرجى الرجوع إلى مقالة الرفيق فؤاد النمري على الحوار المتمدن: الأسلحة ليست من البضاعة).

لكن ماذا عن السلاح الذي يباع في الأسواق العامة ,حيث المشتري من عامة الناس, من مسدسات و بنادق الخ..؟؟؟

حتى و إن تغاضينا على باقي الشروط الأخرى التي تؤهل المنتوج بضاعة, فالسلاح الذي يباع في الأسواق العامة لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جدا. إن ما تنتجه أمريكا من كل أصناف السلاح سنويا يتراوح بين 60 و 80 مليار دولار و هو رقم لن يزيد إنتاج البضائع الذي يصل تقريبا إلى 3400 مليار دولار إلا بقسط 0.024 و هو جزء ضئيل جدا لا يوثر على سيادة إنتاج الخدمات في أمريكا. هذا بالنسبة لكل أصناف السلاح من طائرات حربية و بوارج و دبابات و مدفعيات الخ... الممنوعة على الأسواق العامة , فما بالك بحصة المسدسات و البنادق و إن كانت مشروعة التداول بين الناس في الأسواق.

رفض الرأسماليون منذ ثلاثينيات القرن الماضي (سيمون كيزنوتس) أن يحتسبوا التسلح ضمن الناتج الإجمالي المحلي لأنه يأتي على الحجر و البشر , بينما اقتصاديو البورجوازية الوضيعة قبلوا بإدخاله في حسابات مؤشر "النمو" بذريعة انه ما المانع من احتسابه مادام استعماله ,أي السلاح, يجري خارج حدود مجتمعاتها (الرأسماليات السابقة) و أنها بعيدة عن التهديد الذي تحمله طبيعة السلاح بموجب الاتفاقيات الدولية التي عقدتها الدول الامبريالية آنذاك عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. فأي وقاحة هذه التي تغرق فيها البورجوازية الوضيعة و الرأسماليون اشرف منها.

هم البورجوازية الوضيعة هو نفخ الناتج الإجمالي المحلي بعد أن تأكد عقمها الفعلي في خلق الثروات فلم تكفيها عشرات مليارات الدولارات التي تجنيها من بيع الأسلحة لتبرر حملها الزائف, فأضافت الدعارة و تجارة المخدرات لاحتساب عائدات هذين النشاطين كثروة في ناتجها.

ففي اروبا وضعت "اروستات" القواعد الاروبية المحاسباتية الجديدة لحساب الناتج المجلي الخام, فقد صرحت :"إن تعريف الصفقة يعني أن التفاعل بين الأطراف يتم عبر اتفاق مشترك (...) إن الأنشطة الاقتصادية الغير مشروعة يجب أن تعتبر كصفقات تبرم بين أطراف و وحدات باتفاق متبادل. و عليه فان, شراء, بيع أو مقايضة المخدرات الغير مشروعة أو المواد المسروقة هي صفقات بينما السرقة لا تعتبر كذلك."

ما كان على ماتيو رنزي الوزير الأول السابق لايطاليا إلا أن يشكر عصابات المخدرات و السلاح و الدعارة لأنها ساهمت في زيادة ناتجها المحلي الخام و أخرجتها تقنيا من وضعية الكساد الذي زاد بنسبة تقارب 6 بالمائة لسنة 2015 , فما تجنيه تلك العصابات الايطالية سنويا من أموال في تجارة المخدرات و الممنوعات و الدعارة يفوق مبيعات أمريكا من الأسلحة بكل الأصناف, فقد قدرت بما يزيد على 100 مليار اورو.

أما بريطانيا فقدرت مساهمة تلك الأنشطة بعشرات المليارات و كذلك هولندا وكذلك اغلب الدول الاروبية و قد توقعت "اروستات" أن يزيد الناتج المحلي الخام للاتحاد الاروبي ب 0.5 بالمائة. كما تجدر الإشارة أن أمريكا أيضا تعتمد تلك الأنشطة في حساب مؤشر نموها.


فليفتخر بائعو و بائعات الهوى وتجار المخدرات و السلاح بإثراء مجتمعات البورجوازية الوضيعة.


لنساءل دعاة الماركسية أخيرا و ليس أخرا, هل لنا أن نعتبر بيوت الدعارة المشروعة قانونا أنها تنتج فائض قيمة لان "بائعات الهوى" أصبحن أجيرات بموجب عقود قانونية؟؟؟